زوّد النبي محمد (ص) وصيّه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (ع) بكوكبة من الحكم والآداب لتكون منهجاً مشرقاً لا له فحسب، وإنما لجميع المسلمين، ونذكر قطعاً من تلك الوصايا من دون أن نذكر النص الكامل لها، وفيما يلي ذلك:
الوصية الأولى
قال النبي محمد (ص) في وصيته الأولى للإمام أمير المؤمنين (ع): يا عَلِيُّ، إِنَّ مِنَ الْيَقِينَ أَنْ لَا تُرْضِيَ أَحَداً بِسَخَطِ اللَّهِ، وَلَا تَحْمَدَ أَحَداً بِمَا أَتَاكَ اللهُ، وَلَا تَذُمَّ أَحَدَاً عَلى ما لَمْ يُؤْتِكَ اللهُ، فَإِنَّ الرِّزْقَ لَا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيص، وَلَا تَصْرِفُهُ كَرَاهَةُ كَارِهِ. إِنَّ اللَّهَ بِحُكْمِهِ وَفَضْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضا، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكُ وَالسُّخْطِ.
حكى هذا المقطع بعض الأمور البالغة الأهمية، وهي:
١- إنه ليس من المنطق، ولا من الفكر لأي إنسان أن يُرضي غيره، ويتقرب منه بسخط الله تعالى خالق الكون، وواهب الحياة، الذي ترجع إليه جميع مجريات الأحداث، وغيره لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.
٢- إن الإنسان الذي يملك وعيه ورشده ليس له أن يمدح أو يذم غيره على متع الحياة الدنيا، فإنّ الرزق لا يجلبه الحرص، ولا تصرفه الكراهية، وإنما هو بيد الله تعالى يبسطه لمن يشاء، ويقتره على من يشاء.
3- إن الله سبحانه وتعالى أناط الروح والفرج باليقين والرضا، وأناط الهم والحزن بالشك والسخط…
ولنستمع إلى بند آخر من هذه الوصية:
يا عَلِيُّ، إِنَّهُ لا فَقْرَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ، وَلا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلَا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ، وَلا مُظَاهَرَةَ أَحْسَنُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ، وَلَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَلَا عِبَادَةَ كَالتَّفَكَّرِ.
حفل هذا المقطع ببعض النصائح الذهبية التي تعود على الإنسان بأسمى المنافع، وهي:
١- إن الجهل آفة مدمرة للإنسان، ومهلكة له، وأن أعظم ما يربحه هو أن يسير على ضوء العقل، ويهتدي بهديه.
2- إن من مرديات الإنسان عجبه بنفسه، فإنّ ذلك يزهده في مجتمعه، ويجلب له الويل والعطب.
3ـ من محاسن الأمور مشاورة الإنسان لغيره في مهامه، وعدم استبعاده فيها، فإن ذلك يجلب له الرأي الأصيل، ويجنبه الكثير من الأزمات.
4- إن تدبير الإنسان لشؤونه الاقتصادية والاجتماعية دليل على وفور عقله.
5- إن التفكر في عجائب مخلوقات الله تبارك تعالى والتدبّر في شؤون المجرات التي تذهل كل كائن حي، فإن ذلك من أفضل ألوان العبادة، فإنها تقود إلى الإيمان المطلق بوجود الخالق العظيم.
ولننظر إلى فقرة أخرى من هذه الوصية:
يا عَلِيُّ، آفَةُ الْحَدِيثِ الْكِذْبُ، وَافَةُ الْعِلْمِ النَّسْيانُ، وَآفَةُ الْعِبَادَةِ الْفَتْرَةُ، وَآفَةُ السَّمَاحَةِ الْمَنُّ، وَآفَةُ الشَّجَاعَةِ الْبَغْيُ، وَآفَةُ الْجَمَالِ الْخُيَلاءُ، وَآفَةُ الْحَسَبِ الْفَخْرُ.
حوت هذه الفقرات الآفات والمضادات للأمور التالية، وهي:
1- إن آفة الحديث الكذب، فإنّه لا يبق له أية مصداقية، ويجعله هباءً.
2- أما العلم فآفته الكبرى النسيان، فإنّه ينسفه ويجعله شعاعاً في الفضاء.
3- أما العبادة فآفتها عدم الاتصال والاستمرار فيها..
4- أما آفة السماحة والبر فهي المن على من أحسن إليه وبر به.
5- أما الشجاعة فإنّها من مميزات الإنسان، وآفتها البغي على الغير.
6- أما الجمال فآفته الكبرى الخيلاء على الغير.
7ـ من آفات الحسب الفخر على الغير.
وهذا بند آخر من وصية النبي محمد المصطفى (ص) للإمام أمير المؤمنين (ع):
يا عَلِيُّ، عَلَيْكَ بِالصِّدْقِ، وَلا تَخْرُجْ مِنْ فِيكَ كِذَّبَةٌ أَبَداً، وَلَا تَجْتَرِئَنَّ عَلَى خِيانَةٍ أَبَداً؛ وَالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ كَأَنَّكَ تَراهُ. وَابْذُلْ مَالَكَ وَنَفْسَكَ دُونَ دِينِكَ، وَعَلَيْكَ بِمَحاسِنِ الْأَخْلاقِ فَارْكَبْهَا، وَعَلَيْكَ بِمَسَاوِي الْأَخْلَاقِ فَاجْتَنِبْهَا.
أوصى النبي محمد (ص) وصيه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (ع) بالأمور التالية:
١- أوصاه بالصدق الذي هو من أفضل الصفات وأميزها، ونهاه عن الكذب الذي هو من أرذل الصفات.
٢- حذره من الخيانة لأي إنسان، صديقاً أو عدواً، فإنها من مساوئ الصفات.
3- أوصاه بالخوف من الله تعالى، فإنّ من خافه لا يقترف أي مأثم من مآثم الحياة.
4- أكد النبي محمد (ص) على حماية الدين وصيانته، والذب عنه بجميع الوسائل؛ لأنه جوهرة الحياة الرفيعة.
5- أوصى النبي (ص) بالتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، والاجتناب عن مساوئ الأخلاق.
وهذا بند آخر من هذه الوصية:
يا عَلِيُّ، أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ – تَعالى – ثَلاثُ خِصَالٍ: مَنْ أَتَى اللَّهَ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ، وَمَنْ وَرِعَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ، وَمَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ.
هذه الخصال الثلاث تقرب الإنسان إلى ربه، وتجعله في مصاف أوليائه، وتبعده عن مساوئ الحياة.
ومن بنود هذه الوصية قول النبي محمد (ص):
يا عَلِيُّ، ثَلاثٌ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلاقِ: تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ.
إن من يتصف بهذه الصفات الرفيعة فقد بلغ ذروة الكمال والفضل.
وهذه قطعة من الوصية:
يا عَلِيُّ، ثَلاثٌ مُنْجِياتٌ: تَكُفُ لِسَانَكَ، وَتَبْكِي عَلَى خَطِيئَتِكَ، وَيَسَعُكَ بيْتُكَ.
إن من أخذ بهذه الوصية فقد نجا من شر الناس، وسلم من موبقاتهم وآثامهم.
وهذا بند آخر من وصية النبي محمد (ص) للإمام أمير المؤمنين (ع):
يا عَلِيُّ، سَيِّدُ الْأَعْمَالِ ثَلاثُ خِصال: إِنصافُكَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمُساواة الْأَخِ فِي اللَّهِ، وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حالٍ.
إن هذه الخصال الرفيعة من أفضل الصفات التي يسمو بها الإنسان ويتميز على غيره.
وهذه قطعة أخرى من الوصية:
يا عَلِيُّ، ثَلَاثَةٌ مِنْ حُلَلِ اللهِ: رَجُلٌ زارَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ فِي اللَّهِ فَهُوَ زَوْرُ اللَّهِ؛ وَحَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ يُكْرِمَ زَوْرَهُ وَيُعْطِيَهُ ما سَأَلَ، وَرَجُلٌ صَلَّى ثُمَّ عَقَّبَ إِلَى الصَّلاةِ الْأُخْرَى فَهُو ضَيْفُ اللَّهِ؛ وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ ضَيْفَهُ، وَالْحَاجُ وَالْمُعْتَمِرُ فَهُما وَقْدُ اللَّهِ؛ وَحَقُّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ وَفْدَه.
إن هذه الخصال الثلاث من أبرز ألوان العبادة التي توصل الإنسان إلى الله تعالى، وتقربه إليه، وقد حث النبي (ص) عليها؛ لأنها من صفات الأبرار والمتقين.
وهذا بند آخر من الوصية:
يا عَلِيُّ، ثَلاثَ ثَوَابُهُنَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: الْحَجُّ يَنْفِي الْفَقْرَ، وَالصَّدَقَةُ تَدْفَعُ الْبَلِيَّةَ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ.
إن هذه الخصال الثلاث من اتصف بها فقد ظفر بخير الدنيا والآخرة.
ولنستمع إلى قطعة أخرى من الوصية:
يا عَلِيُّ، ثَلاثَ مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ لَمْ يَقُمْ لَهُ عَمَلٌ: وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ السَّفِيهِ، وَعَقْلٌ يُدَارِي بِهِ النَّاسَ.
الورع عن محارم الله تعالى، والعلم الذي يرد به جهل السفيه، والعقل الذي يداري به الناس، هذه الأمور من تحلى بها فقد فاز في الدنيا والآخرة.
وهذا بند آخر من الوصية:
يا عَلِيُّ، ثَلَاثَةٌ تَحْتَ ظِلَّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَحَبَّ لِأَخِيهِ مَا أَحَبَّ لِنَفْسِهِ، وَرَجُلٌ بَلَغَهُ أَمْرٌ فَلَمْ يَتَقدَّمْ فِيهِ وَلَمْ يَتَأَخَّرْ حَتَّىٰ يَعْلَمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ اللهِ رِضَى أَوْ سَخَطٌ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعِبْ أَخَاهُ بِعَيْبٍ حَتَّى يُصْلِحَ ذَلِكَ الْعَيْبَ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ كُلَّما أَصْلَحَ مِنْ نَفْسِهِ عَيْباً بَدا لَهُ مِنْهَا آخَرُ؛ وَكَفَى بِالْمَرْءِ فِي نَفْسِهِ شغلاً.
إن هذه الخصال من صميم الحكمة التي يتصف بها الأولياء والمتقون الذين وهبوا حياتهم الله تعالى، وتجردوا من النزعات المادية.
ولننظر إلى مقطع آخر من هذه الوصية:
يا عَلِيُّ، ثَلاثٌ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ: سَحَاءُ النَّفْسِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَذى.
بهذه الحكم والآداب كان النبي محمد (ص) يغذي بها وصيه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (ع) ليكون امتداداً مشرقاً للنبوة.
ولنستمع إلى مقطع آخر من هذه الوصية:
يا عَلِيُّ، فِي التَّوْرَاةِ أَرْبَعٌ إِلَى جَنْبِهِنَّ أَرْبَعٌ: مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَرِيصاً أَصْبَحَ وَهُوَ عَلَى اللهِ ساخِطٌ، وَمَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ فَإِنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ، وَمَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَضَعْضَعَ لَهُ ذَهَبَ ثُلُثا دِينِهِ، وَمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ مِمَّنِ اتَّخَذَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوا وَلَعِباً.
أَرْبَعٌ إِلى جَنْبِهِنَّ أَرْبَعٌ: مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَشِرْ يَنْدَمْ، كَمَا تَدِينُ تدانُ، وَالْفَقْرُ الْمَوْتُ الْأَكْبَرُ. فَقِيلَ لَهُ: الْفَقْرُ مِنَ الدِّينَارِ وَالدَّرْهَمِ ؟ فَقَالَ: الْفَقْرُ مِنَ الدِّينِ.
وهذه الحكم من حكم السيد المسيح (ع)، وقد أقرها النبي محمد (ص) وأشاد بها؛ لأنها من صميم الآداب والأخلاق.
وهذا بند آخر من هذه الوصية:
يا عَلِيُّ، كُلُّ عَيْنِ بِاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا ثَلَاثَ أَعْيُنٍ: عَيْنٌ سَهَرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ غضَّتْ عَنْ مَحارِمِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ فَاضَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
إن هذه العيون الثلاث آمنت بالله، وسهرت على طاعته، وغضت عن محارمه، فهي لا تبكي من هول يوم القيامة، وتكون في أمن من عذاب الله سبحانه وتعالى.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد جواد البلاغي
حيدر حب الله
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد علي التسخيري
الشيخ باقر القرشي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عبد الأعلى السبزواري
السيد جعفر مرتضى
الشيخ حسن المصطفوي
عبدالله طاهر المعيبد
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
عوائق وعوامل صعود الأعمال
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ..}
النص القرآني: المكانة والدّور
مشاهير مفسري الشيعة في القرنين الخامس والسادس (1)
منهج أهل البيت (ع) في بناء الإنسان الكامل (1)
وصايا النبي (ص) التربوية إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) (1)
(عصمة الرسول الأعظم في القرآن الكريم) كتاب جديد للسّيد ضياء الخباز
اختيار النبيّ (ص) لخديجة (ع)
المذاهب الأخلاقية
معنى أن الأئمة (ع) وجه الله