من التاريخ

قصة نبي الله هود (ع) وقومه (1)


السيد مرتضى الميلاني ..

قال الله تعالى: (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُه أَفَلَا تَتَّقُونَ)[1].


من هو هود:
النبي هود (ع) فهو من قوم عاد، وثاني الأنبياء[2] الذين انتهضوا للدفاع عن الحق ودحض الوثنية، وقد تحمل الأذى والمحن في سبيل الله سبحانه، وقاسى أنواع العذاب، وأثنى عليه الله عز وجل فذكره في كتابه الكريم وأثنى عليه وعلى رسله الكرام.
وهود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وقيل: هود بن عبد الله بن رباح بن جلوث[3] بن عاد بن عوض بن ارم بن سام بن نوح[4].


قوم عاد:
قوم عاد هم قوم هود (ع) حيث قال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا) كان أخاهم في النسب لكونه منهم، وأفراد القبيلة يسمون إخوة لانتسابهم جميعاً إلى أب القبيلة، مثلما نقول: أخا أسد.
وإن عادا كانت بلادهم في البادية من الشقوق[5] إلى الاجفر أربعة منازل، وكان لهم زرع ونخل كثير، ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة، وكانوا جبارين وأهل أوثان يعبدونها، وأوثانهم الثلاثة يقال لأحدها ـ ضرا ـ وللآخر خمور، وللثالث الهباء.
بعث الله اليهم النبي هود (ع) يدعوهم إلى الإسلام وخلع الأنداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه، فدعا عليهم فأمسكت السماء عنهم المطر سبع سنين وقيل: ثلاث سنين حتى قحطوا، وقال لهم هود (ع): (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا)[6] فأبوا إلا تمادياً.
فأما عاد، كان من الجبابرة، فهو: عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح، وهو عاد الأول، وكانت مساكنهم ما بين الشحر وعُمان وحضرموت بالأحقاف، فكانوا جبارين، حيث قال الله تعالى: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة)[7].
وكانت مدينة عاد أو جنة عاد، فيها البساتين النضرة والأشجار المثمرة، والقصور المشيدة بالأعمدة والأوتدة، وكانت حصوناً ومدائن ومصانع ومنازل وبساتين، وكانت بلاد عاد أخصب بلاد العرب وأكثرها أنهاراً وجناناً، ولكنهم مع الأسف الشديد لم يشكروا الله على هذه النعمة التي أنعمها عليهم بل عصوه وفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثان من دون الله، ولم يمتثلوا ويطيعوا النبي هود (ع) الذي أرسله الله لهم ليهديهم من ضلالتهم فلم يهتدوا عند ذلك غضب الله عليهم.
فلما غضب الله عليهم سلط عليهم الريح العقيم ـ وإنما سميت عقيم لأنها تلقمت بالعذاب، وعقمت عن الرحمة ـ وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن والمصانع حتى عاد ذلك كله رملاً ودقيقاً تسفيه الرياح.
وكانت تلك الريح تدفع الرجال والنساء فتهب بهم صعداً ثم ترمي بهم في الجو فيقعون على رؤوسهم منكّسين، واستمرت الريح تعصف عليهم سبع ليالي وثمانية أيام حسوماً، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، وكانت الريح تقصف الجبال كما تقصف المساكن فتطحنها ثم تعود رملاً دقيقاً.
وكانت عاد ثلاثة عشر قبيلة.
وكانوا يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبال الذي يسلخونه من أسفله إلى أعلاه، ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها، ثم يبنون القصور عليها، وعلى هذا سميت ـ ذات العماد ـ.
وإنه لم يكن أمة أكثر من قوم عاد ولا أشد منهم بطشاً وفساداً، فلما رأوا الريح قد أقبلت عليهم قالوا لهود:
أتخوفنا بالريح؟ فجمعوا ذراريهم وأموالهم في شِعب من تلك الشعاب، ثم قاموا على باب ذلك الشعب يردون الريح ويمنعونها عن أموالهم وأهاليهم، حسب اعتقادهم يتمكنون من منع الريح من دخول الشعب ـ فدخلت الريح من تحت أرجلهم بينهم وبين الأرض حتى قلعتهم فهبت بهم صعداً، ثم رفعتهم في الجو، ثم رمت بهم الريح في البحر.
وسلط الله عليهم الذر فدخلت في مسامعهم، وجاءهم من الذر ما لا يطاق قبل أن يأخذهم الريح.


إمراة هود:
كان هود (ع) زراعاً وكان يسقي الزرع، فجاء قوم إلى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأته شمطاء عوراء.
فقالت من أنتم؟ فقالوا: نحن من بلاد كذا وكذا، أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله لنا حتى تمطر وتخصب بلادنا.
فقالت: لو استجيب لهود لدعا لنفسه، فقد احترق زرعه لقلة الماء، قالوا: فأين هو؟ قالت: هو في موضع كذا وكذا.
فجاؤوا إليه فقالوا: يا نبي الله قد أجدبت بلادنا ولم تمطر فاسأل الله أن تخصب بلادنا وتمطر، فتهيأ للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم: ارجعوا فقد أمطرتم فأخضبت بلادكم.
فقالوا: يا نبي الله إنا رأينا عجباً، قال: وما رأيتم؟
قالوا: رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء، قالت لنا: من أنتم؟ ومن تريدون؟ قلنا: جئنا إلى نبي الله هود ليدعو الله لنا فنمطر، فقالت: لو كان داعياً لدعا لنفسه فإن زرعه قد احترق.
فقال هود: ذاك، وأنا ادعو الله لها بطول البقاء.
فقالوا: كيف ذلك؟ قال: لأنه ما خلق الله مؤمناً إلا وله عدو يؤذيه، وهي عدوتي.
فلئن يكون عدوي ممن أملكه، خير من أن يكون عدوي ممن يملكني.


[1] الاعراف: 65.
[2] الاول كان نوح (ع).
[3] في الكامل: ابن الجلود.
[4] البحار: ج 11 ص 345.
[5] الشقوق: هو منزل بطريق مكة، وقيل كانت مساكنهم ما بين الشحر وعمان وحضرموت بالاحقاف » الكامل: ج 1 ص 79.
[6] هود: 52.
[7] الاعراف: 69.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد