السيد أبو القاسم عبد العظيم ابن السيد عبد الله بن علي بن الحسين بن زيد ابن الإمام الحسن المجتبى (ع) ابن علي بن أبي طالب (ع). ذو ورع ودين. عابد معروف بالأمانة وصدق اللهجة. عالم بأمور الدين. وقد أشرقت الدنيا بنور ولادته في اليوم الرابع من شهر ربيع الثاني لعام 173 هجري بالمدينة المنورة (1). وأمه فاطمة بنت قيس. وقد توفي في الخامس عشر من شوال عام 252 هجري (2). ودفن بمدينة الري جنوب طهران. وقبره معروف يزار. وله من العمر 79 عاماً. وقد عثر في جيبه عندما جُرِّد لتغسيله ورقة كتب عليها نسبه الشريف المذكور أعلاه.
* شخصيته
لقد صقلت شخصيته بعاملين أساسين
الأول: العامل الوراثي
إذ هو أحد الذين تقلّبوا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهَّرة.
الثاني: العامل البيئي
حيث تشرَّف بمعاصرة أربعة من الأئمة الأطهار (ع)، وهم الإمام الكاظم والرضا والجواد والهادي (ع) وقيل العسكري (ع) أيضاً. وقد لازمهم وتربَّى في بيوت بعضهم ونهل من علومهم وروى عنهم الأحاديث حتى غدت شخصيته شخصيةً ولائيةً وموضع ثقة الأئمة (ع). كما تبوأ مكاناً رفيعاً في العلم والزهد والتقوى. ويدل عليه ما رواه هو فيقول: دخلت على سيدي علي بن محمد (ع)، فلما بصر بي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليُّنا حقاً، قال: فقلت له: يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتى ألقى الله عزّ وجلّ، فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام ومصور الصور وخالق الأعراض والجواهر، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وإن محمداً (ص) عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وإن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة. وأقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسن ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي. فقال عليه السلام: ومن بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده؟ فقال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يُرى شخصه ولا يحلُّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت جوراً وظلماً، قال: فقلت: أقررت.
وأقول: إن وليّهم وليّ الله وعدوّهم عدوّ الله، وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله (3).
* مستودع السّر
بلغ السيد عبد العظيم درجة عند الأئمة (ع) جعلته مستودعاً لأسرارهم وحامل رسائلهم إلى شيعتهم، بل أضحى كهفاً يلتجئون إليه بأمر منهم (ع)، كما ورد عن الإمام الرضا (ع) حيث قال: يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلًا، ومُرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة ومُرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة قربة إليّ ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط ولياً من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشدّ العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين (4).
ومن جهة أخرى يقول الإمام الهادي (ع) لحمّاد الرازي: يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك، فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني وأقرئه مني السلام (5).
* القابض على دينه
إن العمر المديد للسيد عبد العظيم اقتضى معاصرته عدداً من سلاطين بني العباس ولا سيما هارون الرشيد وولديه وأحفاده بالخصوص المتوكل الذي عرف ببغضه لأهل البيت (ع) مما جعله ينتقل من بلد إلى آخر لينجو بدينه. وبحسب الظاهر أنه انتقل من المدينة إلى سامراء حيث كان الإمام الهادي (ع) فيها ليبقى قريباً من معدن العلم ومصدر الهداية. وقد التقى معه وعرض عليه عقائده، كما أشرنا آنفاً. وقد علم المتوكل بذلك فأصدر الأمر بإلقاء القبض عليه فخرج من سامراء مترقباً ومتخفياً تلقاء الريّ لبُعدها عن أنظار الخليفة ولوجود بعض الشيعة فيها.
ويدلّ عليه ما رواه البرقي قائلًا: ورد الريّ هارباً من السلطان وسكن سرداباً في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، فكان يعبد الله في ذلك السرداب يصوم نهاره ويقوم ليله. وكان يخرج مستتراً فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر (ع) فلم يزل يأوي إلى ذلك السرداب ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمد (ص) حتى عرفه أكثرهم (6).
* آثاره
لولا الظروف السياسية القاسية التي أحاطت بالشريف الحسني لملئت الجراب بكتبه ورواياته. ولكن وبالرغم من ذلك فقد روى عن كثير وروى عنه الكثير. وفي ترجمته ذُكر له كتاب يوم وليلة وكتاب خطب أمير المؤمنين (ع).
وقد روى عن الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع) وعن هشام بن الحكم وابن أبي عمير وعلي بن جعفر والحسن بن محبوب وموسى بن محمد وعلي بن أسباط ومحمد بن الفضيل. وروى عنه أحمد بن مهران وأحمد بن محمد البرقي وسهل بن زياد وأبو تراب عبيد الله الحارثي.
* قيل فيه
لا يقع نظرك على كتاب تراجم حتى تعثر على ترجمة للسيد عبد العظيم، ولا سيما القديمة منها والتي تصنف من الطبقة الأولى كفهرست النجاشي وكتابي الشيخ الطوسي وغيرها. ولم يختلف الحال بالنسبة لكتب المتأخرين ومتأخري المتأخرين. وإليك شذر يسير من كثير: قال الشيخ منتجب الدين: السيد صدر الدين أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله فاضل، فقيه ثقة (7).
وقال الشيخ الصدوق: عبد العظيم الحسني المدفون بالري في مقابر الشجرة. وكان مرضياً رضي الله عنه (8).
ذكره العلامة الحلي في خلاصة الأقوال بقوله: «كان عابداً ورعاً» (9). ووصفه ابن داوود في رجاله بالعابد والورع وكان مرضياً (10).
وآخر من ترجم له السيد الخوئي" قده" بقوله: «ووقع بعنوان عبد العظيم بن عبد الله في إسناد جملة من الروايات تبلغ اثنين وعشرين مورداً» (11).
* كمن زار قبر الحسين (ع)
بلغ السيد من القدر والعلو بعد مماته ما يوازي مكانته ومقامه حال حياته. وهذا يكشف عما انطوى عليه من حسن الاعتقاد بالتوحيد والإخلاص للولاية والإمامة حتى غدت زيارة قبره تعدل زيارة قبر الحسين (ع). وإليه أشار الصدوق "رحمه الله" بسنده عن محمد بن يحيى العطار عمن دخل على أبي الحسن علي الهادي (ع) من أهل الري فقال له: «أين كنت؟ قلت: زرت الحسين (ع)، قال: أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين (ع)» (12).
الهوامش:
(1) خاتمة المستدرك، المحدث النوري، ج 4، ص 404.
(2) الذريعة، آغا بزرك الطهراني، ج 7، ص 169.
(3) التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 81.
(4) م. ن، ص 222.
(5) جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج 1، ص 224.
(6) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 99، ص 268.
(7) أمل الآمل، الحرّ العاملي، ج 2، ص 153.
(8) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 128.
(9) خلاصة الأقوال، العلامة الحلي ص 226.
(10) رجال ابن داوود، ابن داوود الحلي، ص 130.
(11) معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج 11، ص 55.
(12) كامل الزيارات، ابن قولويه، ج 1، ص 537.
بقية الله العدد 240، ص: 66
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع