من التاريخ

زيد الشّهيد عند الشيعة

 

الشيخ عبد الحسين الأميني
هو أحد أباة الضيم، ومن مقدمي علماء أهل البيت، قد اكتنفته الفضائل من شتى جوانبه، علم متدفق، وورع موصوف، وبسالة معلومة، وشدة في البأس، وشمم يضع له كلّ جامع، وإباء يكسح عنه أي ضيم، كل ذلك موصول بشرف نبوي، ومجد علوي، وسؤدد فاطمي، وروح حسيني.
والشيعة على بكرة أبيها لا تقول فيه إلا بالقداسة، وترى من واجبها تبرير كل عمل له من جهاد ناجع، ونهضة كريمة، ودعوة إلى الرضا من آل محمد، تشهد لذلك كلّه أحاديث أسندوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمتهم (عليهم السلام)، ونصوص علمائهم، ومدايح شعرائهم وتأبينهم له، وإفراد مؤلفيهم أخباره بالتّدوين.
أما الأحاديث، فمنها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسين السبط: يخرج من صلبك رجل يقال له: زيد يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس، يدخلون الجنة بغير حساب.
وقوله (صلى الله عليه وآله) فيه: إنه يخرج ويقتل بالكوفة ويصلب بالكناسة، يخرج من قبره نبشاً، وتفتح لروحه أبواب السماء، وتبتهج به أهل السموات والأرض.
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد وقف على موضع صلبه بالكوفة، فبكى وبكى أصحابه، فقالوا له: ما الذي أبكاك؟! قال: إن رجلاً من ولدي يصلب في هذا الموضع، من رضي أن ينظر إلى عورته، أكبه الله على وجهه في النار.
وقول الإمام الباقر محمد بن علي (عليهما السلام): اللهم اشدد أزري بزيد. وكان إذا نظر إليه يمثل:
لعمرك ما إن أبو مالك بواهٍ ولا بضعيفٍ قواه
ولا بالألد له وازع يعادي أخاه إذا ما نهاه
ولكنّه هين لين كعالية الرمح عرد نساه
إذا سدته سدت مطواعة ومهما وكلت إليه كفاه
أبو مالك قاصر فقره على نفسه ومشيع غناه


ودخل عليه زيد، فلما رآه، تلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ ...﴾. ثم قال: أنت والله يا زيد من أهل ذلك.
وقول الصادق (عليه السلام): إنه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صدوقاً، أما إنه لو ظفر لوفى، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يصنعها.
وقوله الآخر لما سمع قتله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عند الله أحتسب عمي، إنه كان نعم العم، إن عمي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعلي والحسين، مضى والله شهيداً.
وقوله الآخر: إن زيداً كان عالما، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه، وإنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه.
وقوله الآخر في حديث: أما الباكي على زيد فمعه في الجنة، وأما الشامت، فشريك في دمه.
وقول الرضا (سلام الله عليه): إنه كان من علماء آل محمد غضب لل، فجاهد أعداءه حتى قتل. والأحاديث في ذلك كثيرة، وإنما اقتصرنا على المذكور تحرياً للإيجاز.
وأما نصوص العلماء، فدونك كلمة الشيخ المفيد في إرشاده، والخزار القمي في كفاية الأثر، والنسابة العمري في المجدي، وابن داود في رجاله، والشهيد الأول في قواعده، والشيخ محمد بن الشيخ صاحب المعالم في شرح الاستبصار، والاسترابادي في رجاله، وابن أبي جامع في رجاله، والعلامة المجلسي في مرآة العقول، وميرزا عبد الله الأصبهاني في رياض العلماء، والشيخ عبد النبي الكاظمي في تكملة الرجال، والشيخ الحر العاملي في خاتمة الوسائل، والسيد محمد جد آية الله بحر العلوم في رسالته، والشيخ أبي علي في رجاله، وشيخنا النوري في خاتمة المستدرك، وشيخنا المامقاني في تنقيح المقال.
إلى كثيرين من أمثالهم، فقد اتفقوا جميعاً على معنى واحد، هو تنزيه ساحة زيد عن أي عيب وشية، وإن دعوته كانت إلهيّة، وجهاده في سبيل الله.
ويعرب عن رأي الشيعة جميعاً، قول شيخهم بهاء الملة والدين العاملي في رسالة إثبات وجود الإمام المنتظر: إنّا معشر الإمامية لا نقول في زيد بن علي إلا خيراً، والروايات عن أئمّتنا في هذا المعنى كثيرة. وقال العلامة الكاظمي في التكملة: اتفق علماء الإسلام على جلالة زيد وورعه وفضله.


وأما شعراء الشيعة، فللكميت من هاشمياته قصيدة يرثي بها زيد بن عليّ وابنه الحسين، ويمدح بني هاشم، مطلعها:
ألا هل عم في رأيه متأمّل؟! وهل مدبّر بعد الإساءة مقبل؟!
وله قوله في زيد:
يعزّ على أحمد بالذي أصاب ابنه أمس من يوسف
خبيث من العصبة الأخبثين وإن قلت: زانين لم أقذف...
وقال أبو محمد العبدي الكوفي المترجم في كتابنا، 2 ص 326 - 329 ط ثاني:
حسبت أميّة أن سترضى هاشم عنها ويذهب زيدها وحسينه
كلا وربّ محمّد وإلهه حتى تباع سهولها وحزونه
وتذلّ ذلّ حليلة لحليلها بالمشرفي وتستردّ ديونه
وقال السيّد الحميري [المترجم 2، ص 231 - 228 ] كما في تاريخ الطبري 8 ص 278:
بتّ ليلي مسهّداً ساهر الطرف مقصد
ولقد قلت قولة وأطلت التبلّد
لعن الله حوشباً وخراشاً ومزبد
ويزيداً فإنه كان أعتى وأعند
ألف ألف وألف ألف من اللّعن سرمد
إنهم حاربوا الإله وآذوا محمّد
شركوا في دم المطهّر زيد تعنّدا...


ورثاه الفضل بن عبد الرّحمن بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، المتوفّى 129 بقصيدة أولها:
ألا يا عين لا ترقي وجودي بدمعك ليس ذا حين الجمود
غداة ابن النبي أبو حسين صليب بالكناسة فوق عود...
والوزير الصاحب بن عباد بمقطوعة أوّلها:
بدى من الشيب في رأسي تفاريق وحان للّهو تمحيق وتطليق
هذا فلا لهو من همّ يعوقني بيوم زيد وبعض الهمّ تعويق
وقال أبو الحسن بن حماد في أبيات له تأتي:
ودليل ذلك قول جعفر عندما عزي بزيد قال كالمستعبر
لو كان عمي ظافراً لوفى بما قد كان عاهد غير أن لم يظفر
والشيخ صالح الكواز في قصيدة يرثي بها الإمام السبط بقوله:
وزيد وقد كان الإباء سجيّةً لآبائه الغرّ الكرام الأطايب
كأنَّ عليه ألقي الشبح الذي تشكّل فيه شبه عيسى لصالب
وقال الشيخ يعقوب النجفي المتوفَّى 1329:
يبكي الإمام لزيدٍ حين يذكره وإن زيداً بسهم واحد ضرب
فكيف حال عليّ بن الحسين وقد رأى ابنه لنبال القوم قد نصبا؟!
وللشيخ ميرزا محمد علي الأوردبادي قصيدة في مدحه ورثائه، أوّلها:
أبت علياؤه إلا الكرامة فلم تقبر له نفس مضامه
وللسيّد مهدي الأعرجي قصيدة في رثائه مطلعها:
خليليَّ عوجا بي على ذلك الرّبع لأسقيه إن شحّ الحيا هاطل الدّمع...
وأفرد غير واحد من أعلام الإمامية تأليفاً في زيد وفي فضله ومآثره، فمنهم:
1 - إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي المتوفى 283، له كتاب أخبار زيد.
2 - محمد بن زكريا مولى بني غلاب المتوفى 298، له كتاب أخبار زيد.
3 - الحافظ أحمد بن عقدة المتوفى 333، له كتاب من روى أخبار زيد ومسنده.
4 - عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفى 368، له كتاب أخبار زيد.
5 - محمد بن عبد الله الشيباني المتوفى 372، له كتاب فضايل زيد.
6 - الشيخ الصدوق أبو جعفر القمي المتوفى 381، له كتاب في أخباره.
7 - ميرزا محمد الاسترابادي صاحب الرجال الكبير.
8 - السيد عبد الرزاق المقرم. أحد أعلام العصر المنقدين المكثرين من التأليف في المذهب، على تضلّعه في العلم، وقدمه في الشرف، واحتوائه للمآثر الجليلة، ومن مهمات تآليفه وأوفرها فائدة، كتاب الإمام السبط المجتبى، وكتاب حياة الإمام السبط الشهيد ومقتله، وكتاب السيدة سكينة، ورسالة في علي بن الحسين الأكبر، وكتاب زيد الشهيد، وكتاب في تنزيه المختار بن أبي عبيد الثقفي طبع مع كتاب زيد، وكتاب أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين. إلى غيرها من كتابات ورسائل قد جمع فيها وأوعى، وأتى بما خلت عنه زبر الأولين، فحياه الله ووفقه للخير كله.


القول الفصل
هذا زيد ومقامه وقداسته عند الشيعة جمعاء، فلست أدري أين يكون إذاً مقيل قول ابن تيمية من مستوى الحقيقة: إنّ الرّافضة رفضوا زيد بن علي بن الحسين ومن والاه وشهدوا عليه بالكفر والفسق؟! 14 وتبعه على هذه الهفوة السيد محمود الآلوسي في رسالته المطبوعة في كتاب (السنة والشيعة) ص 52، وقال: الرافضة مثلهم كمثل اليهود الرافضة، يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة (رضي الله عنها)، بل يسبونهم، كزيد بن علي، وقد كان في العلم والزهد على جانب عظيم. وأخذ عنه القصيمي هذه الأكذوبة وذكرها في كتابه (الصراع بن الإسلام والوثنية).
ذكر هؤلاء عزوهم المختلق هذا إلى الشيعة في عداد مساويهم، فشنّوا عليهم الغارات، ألا من يسائلهم عن أنّ الشيعة متى لهجت بهذه؟! ومن ذا الذي حكاها؟!
وعلى أيّ كتاب تستند مزعمتهم؟! ومن ذا الذي شافههم بها حيث خلت عنها الكتب؟!
نعم: لم يقصدوا إلا إسقاط محلّ الشيعة بهذه السفاسف، فكشفوا عن سوأة إفكهم، وإذا كان الكاتب عن أي أمة لا يعرف شيئاً من معالمهم وأحوالهم، أو يعرفها ثم يقلبها ظهراً لبطن، يكون مثل هؤلاء الكتبة مورداً للمثل: حنّ قدحٌ ليس منها.
وكأن هؤلاء المدافعون عن ساحة قدس زيد، يحسبون القراء جهلاء بالتاريخ الإسلامي، وأنهم لا يعرفون شيئاً منه، وتخفى عليهم حقيقة هذا القول المزوّر.
ألا من مسائل هؤلاء عن أن زيداً إن كان عندهم وعند قومهم في جانب عظيم من العلم والزهد، فبأيّ كتاب، أم بأيّة سنّة حاربه أسلافهم وقاتلوه وقتلوه وصلبوه و وأحرقوه وداروا برأسه في البلاد؟!
أليس منهم ومن قومهم أمير مناوئيه وقاتله: يوسف بن عمر؟!أوليس منهم صاحب شرطته: العباس بن سعد؟ !.أوليس منهم قاطع رأسه الشريف: ابن الحكم بن الصّلت؟! أوليس منهم مبشر يوسف بن عمر بقتله: الحجاج بن القاسم؟! أوليس منهم خراش بن حوشب الذي أخرج جسده من قبره؟ !أوليس من خلفائهم الآمر بإحراقه: وليد أو هشام بن عبد الملك؟ !أوليس منهم حامل رأسه إلى هشام: زهرة بن سليم؟! أوليس من خلفائهم هشام بن عبد الملك، وقد بعث رأس زيد إلى مدينة الرسول، فنصب عند قبر النبيّ يوماً وليلة؟! أوليس هشام بن عبد الملك كتب إلى خالد القسري يقسم عليه أن يقطع لسان الكميت شاعر أهل البيت ويده بقصيدة رثى بها زيد بن عليّ وابنه ومدح بني هاشم؟! أوليس عامل خليفتهم بالمدينة: محمد بن إبراهيم المخزومي، كان يعقد حفلات بها سبعة أيام ويخرج إليها ويحضر الخطباء فيها، فيلعنون هناك عليّاً وزيداً وأشياعهم؟! أوليس من شعراء قومهم الحكيم الأعور؟! وهو القائل:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة ولم نر مهديّاً على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليّاً سفاهة وعثمان خير من عليّ وأطيب...
هذه حقيقة الحال، فاقض ما أنت قاض .﴿وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد