الشيخ فوزي آل سيف
الاحتمالات الموجودة:
1 ـ أنه كان كفيف البصر في يوم الأربعين (العشرين من صفر) سنة 61 هـ.. وقد يستفاد هذا من ظاهر رواية صاحب بشارة المصطفى كما في قوله: ألمسنيه (القبر).. وقوله فيما بعد خذني نحو أبيات كوفان.
2 ـ أنه كان كفيف البصر يوم واقعة الحرة، كما يستفاد من رواية البداية والنهاية (1) التي تنتهي إلى ابنيه.
3 ـ أنه كان كفيف البصر في زمان عبد الملك بن مروان (من سنة 73 هـ ـ سنة 86 هـ)، وبالتحديد في سنة خمس وسبعين عندما حج هذا وذهب إلى المدينة كما ذكره ابن سعد في الطبقات (2) فقد صرح فيه بأنه كان قد كف بصره. وبعدها توفي كما عليه أكثر المؤرخين في سنة 78 هـ.
ـ أن يكون قد كف بصره قبل سنة (74 هـ) وبعد سنة (71) هـ.
مناقشة الاحتمالات:
أما الاحتمال الأول:
فلا مقتضى للالتزام به إلا ما يظهر من رواية بشارة المصطفى المتقدمة من خلال كلمات (ألمسنيه ـ القبر ـ وقوله: خذني إلى أبيات كوفان) وهذه لا صراحة فيها، بل لا ظهور في العمى، فإن الرجل الكبير مثل جابر في ذلك السن المتقدم (حوالي 82 سنة أو 87 سنة)، (إذ إن عمره عندما توفي كان 95 سنة) يحتاج إلى مساعدة شخص يكون معه، وهكذا ألمسه القبر، ثم أخذه إلى طريق كوفان دليلًا ومرافقًا. وربما يكون ذلك من أثر حالة الحزن الشديد والبكاء المتواصل التي اعترت جابرًا إلى حدّ أنه قد وقع مغشيًّا عليه على القبر، لما لمسه.
بل في الخبر نفسه الذي نقله صاحب بشارة المصطفى قرائن أخرى تخالف هذه العبارات: مثل قول (عطية) عن جابر أنه دنا من الفرات ثم قوله دنا من القبر؟.. وهكذا قوله فيما بعد ثم جال ببصره حول القبر. فكيف يجول ببصره وهو كفيف؟ ولم يذكر في أي مصدر آخر من المصادر التي تعرضت لحياة جابر على نحو مستقل أو ضمنًا، أي إشارة إلى كونه كفيف البصر في تلك المرحلة.
على أنه مخالف لما اتفق عليه الرجاليون والمؤرخون من أن جابر بن عبد الله إنما كف بصره في أواخر عمره (وبعضهم يقول آخر عمره)، ولا يقال لمن كف بصره قبل سبعة عشر سنة من وفاته أنه فقد بصره في أواخر عمره.
وهو يصطدم بما ذكر في أكثر المصادر الشيعية (وبعض المصادر السنية) من لقائه بالإمام الباقر عليه السلام، في المدينة فيما بعد، ونظره إليه وتعرف شمائل النبي صلى الله عليه وآله فيه (3).
الاحتمال الثاني:
يلحق سابقه في الضعف، ولا دليل عليه سوى رواية محمد وعبد الرحمن ابني جابر. وقد نقله في البداية والنهاية بإثبات (خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره) بينما لم تكن هذه الجملة في رواية محمد بن جابر بنفس النص التي رواها في كتاب الآحاد والمثاني.. أي لم يكن في هذا الكتاب غير نص (من أخاف أهل هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين ووضع يده على جبينه).
إضافة إلى ما سبق ذكره في رد الاحتمال الأول.
الاحتمال الثالث:
وهو الذي نرجحه أن جابر بن عبد الله بعدما بقي في الكوفة لمدة من الزمن، عاد إلى المدينة كما ينص عليه المؤرخون وبقي فيها وفي هذه الأثناء حدثت واقعة كربلاء، ولا نعرف شيئًا عن الأسباب التي منعت جابرًا عن الخروج من المدينة مع الحسين (وهي ليست بالضرورة العمى وفقدان البصر) فإن الحسين عليه السلام لم يدعُ كلّ من كان في المدينة للخروج معه بعد موت معاوية، وإنما خرج مع أهل بيته من المدينة المنورة متجهًا إلى مكة، والذين التحقوا به من غير أهل بيته إنما التحقوا به من مكة المكرمة أو من الطريق أو ممن راسلهم في الكوفة أو البصرة.
وبعد الواقعة قدم جابر بن عبد الله إلى كربلاء زائرًا، فوافى هناك الركب الحسيني... ثم بعد أن عاد الى الكوفة كرّ راجعًا إلى المدينة وبقي فيها، وتعرض للأذى الشديد لا سيما في وقعة الحرة، وفي زمان عبد الملك تعرض لعنَت الحجاج الثقفي الذي ولي على المدينة سنة 74 هـ، فقام يتتبع أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله بالإهانة والإذلال حتى لقد ختم عنق سهل بن سعد الساعدي، وختم كف جابر بن عبد الله الأنصاري كما ذكر الطبري.
في هذه الفترة أي ما بين سنة (71 هـ وبين سنة 74 هـ) كف بصر جابر، وكان قد التقى بالإمام الباقر عليه السلام قبيل هذه الفترة وقبل فقده البصر (4).
تذييل في احتمالات كيفية اللقاء وصوره المختلفة:
يحتمل أن يكون الإمام عليه السلام قد جاء مع والده لزيارة جابر، كما في تاريخ دمشق، وأنه لم يبق جابر بعد ذلك اللقاء إلا بضعة عشر يومًا حتى توفي.. يضعف هذا أن في الرواية أن الباقر كان صبيًّا صغيرًا، مع أنه مع فرض ولادة الإمام الباقر في سنة 58 هـ، ووفاة جابر سنة 78 هـ يكون عمره حينئذ عشرين سنة ولا يمكن أن يقال لمثله (صبي صغير)، وحتى لو كانت وفاة جابر سنة 74 هـ يكون عمر الباقر عليه السلام ستة عشر عامًا، وكذلك لا يقال صبي صغير لمن كان في مثل تلك السن.
كما يحتمل أن يكون اللقاء بين الإمام الباقر وبين جابر قد حدث قبل سنة 74 هـ (والتي هي سنة وفاته أيضًا على رأي جماعة من المؤرخين وإن كانت تضعف برواية أخرى تفيد أن لقاءه بعبد الملك بن مروان سنة 75 هـ)، فاللقاء تم بينه وبين الإمام حينما كان جابر مبصرًا، وربما يكون في حدود سنة (70 هـ) أو ما بعدها بقليل، وفيها مثلًا قد يكون جابر يجلس للحديث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ويتشوق إلى أداء أمانة رسول الله، فيقول يا باقر ويا باقر.. إلى آخر ما ذكر في الأحاديث المختلفة، حتى إذا التقاه وعرّفه رسالة جده وبلغه سلامه، كان جابر يأتي الإمام الباقر عليه السلام، ويتدارسان العلم النبوي، فربما تصور الناس أن الباقر يتعلم منه وإنما كان يعلمه كما في رواية أبان بن تغلب.
وهذا الاحتمال يمكن أن توفق به سائر الروايات، سواء تلك التي قالت أنه رآه في طريق فيه كتّاب أو أنه قال له يا غلام حيث يكون عمره في ذلك الوقت حوالي (13) سنة. أو غيرها كالتي ورد فيها أن جابر كان ينظر في الصحيفة التي كان فيها أسماء المعصومين عليهم السلام وكان الباقر يقرأ من حفظه، وجابر يتابعه بالنظر في الصحيفة فما خالف حرفًا (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. البداية والنهاية ـ ابن كثير ج 8 ص 244
الدارقطني : عن علي بن أحمد بن القاسم ، عن أبي سعيد بن عبد الحميد بن جعفر ، عن أبو زكريا ، يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الانصاري ، عن محمد وعبد الرحمن ابني جابر بن عبد الله قالا : خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال : تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا أبه وهل أحد يخيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أخاف أهل هذا الحي من الانصار فقد أخاف ما بين هذين ـ ووضع يده على جبينه ـ " .
2. الطبقات الكبرى ـ محمد بن سعد ج 5 ص 231
أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عوف بن الحارث قال رأيت جابر بن عبد الله دخل على عبد الملك فرحب به عبد الملك وقربه فقال جابر يا أمير المؤمنين إن المدينة حيث ترى وهي طيبة سماها النبي عليه السلام وأهلها محصورون فإن رأى أمير المؤمنين أن يصل أرحامهم ويعرف حقهم فعل قال فكره ذلك عبد الملك وأعرض عنه وجعل جابر يلح عليه حتى أومأ قبيصة إلى ابنه وهو قائده وكان جابر قد ذهب بصره أن أسكته قال فجعل ابنه يسكته قال جابر ويحك ما تصنع بي قال اسكت فسكت جابر فلما خرج أخذ قبيصة بيده فقال يا أبا عبد الله إن هؤلاء القوم صاروا ملوكًا فقال له جابر أبلى الله بلاء حسنًا فإنه لا عذر لك وصاحبك يسمع منك قال يسمع ولا يسمع ما وافقه سمع وقد أمر لك أمير المؤمنين بخمسة آلاف درهم فاستعن بها على زمانك فقبضها جابر قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أقام الحج سنة خمس وسبعين عبد الملك بن مروان ثم صدر فمر على المدينة فخطب الناس على المنبر ثم أقام خطيبًا له آخر وهو جالس على المنبر فتكلم الخطيب فكان مما تكلم به يومئذ أن وقع بأهل المدينة وذكر من خلافهم الطاعة وسوء رأيهم في عبد الملك وأهل بيته وما فعل أهل الحرة ثم قال ما وجدت لكم يا أهل المدينة مثلًا إلا القرية التي ذكر الله في القرآن فإن الله قال وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، فبرك ابن عبد فقال للخطيب كذبت كذبت لسنا كذلك اقرأ الآية التي بعدها، ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون وإنا آمنا بالله ورسله.
3. الكافي ـ الشيخ الكليني ج 1 ص 469
4. هناك رواية نقلها العلامة المجلسي في البحار 46 ، تفيد أنه كف بصره ، ولكنه رد إليه كما أخبره النبي صلى الله عليه وآله ، فرأى الإمام الباقر عليه السلام ، لكن هذه الرواية التي نقلها عن أمالي الشيخ الطوسي ، غير معتبرة من ناحية السند.
5. من قضايا النهضة الحسينية ، ( أسئلة و حوارات ) ، الجزء الثاني .
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان