من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

متى تحرّر سلمان الفارسيّ؟ (2)

تأملات في الكتاب

«قال الخطيب: في هذا الحديث نظر، وذلك أن أول مشاهد سلمان مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» غزوة الخندق، وكانت في السنة الخامسة من الهجرة، ولو كان يخلص سلمان من الرق في السنة الأولى من الهجرة، لم يفته شيء من المغازي مع رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وأيضاً.. فإن التاريخ بالهجرة لم يكن في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأول من أرخ بها عمر بن الخطاب في خلافته».

وقال العلامة المحقق الأحمدي: «وأما الشهود فإن فيهم أبا ذر الغفاري (ره) وهو لم يأت المدينة إلا بعد خندق، مع أن صريح الكتاب: أن ذلك كان في السنة الأولى من الهجرة.

وتوصيف أبي بكر بالصديق يخالف رسوم كتب صدر الإسلام».  

قال هذا حفظه الله بعد أن ذكر: أن الخطيب قد تنظر في الكتاب، وأنه لم يذكر الشهود.

كما وذكر حفظه الله أن ابن عساكر ونفس الرحمان لم يذكرا الشهود أيضاً.

 

الردّ على الشكوك المشار إليها

ونقول:

إنّ لنا هنا ملاحظات.. سواء بالنسبة لما ذكره الخطيب، أو بالنسبة لما ذكره العلامة الأحمدي..

فأما بالنسبة إلى ما ذكره الخطيب فنشير إلى ما يلي:

أولاً: قوله: إن مشاهد سلمان الخندق، وذلك ينافي ما ورد في الكتاب من أنه قد كوتب في السنة الأولى للهجرة..

هذا القول.. لا يصح؛ وذلك لما يلي:

1 - إن من الممكن أن يتحرر في أول سني الهجرة، ثم لا يشهد أياً من المشاهد، لعذرٍ مّا، قد يصل إلينا، وقد لا يصل.

2 - إن مكاتبته في السنة الأولى لا تستلزم حصوله على نعمة الحرية فيها مباشرةً، إذ قد يتأخر في تأدية مال الكتابة، فتتأخر حريته.. وإن كنا قد ذكرنا آنفاً: أن سلمان لم يكن كذلك، بدليل نفس ما ورد في ذلك الكتاب الآنف الذكر، وأدلة أخرى..

ولكننا نريد أن نقول للخطيب: إن ما ذكرته ليس ظاهر اللزوم في نفسه، ولا يصح النقض به، مجرداً عن أي مثبتات أخرى، كما يريد هو أن يدعيه..

3 - إن البعض قد ذكر: أن سلمان قد شهد بدراً وأحداً أيضاً.

 

ويظهر من سليم بن قيس عدّ سلمان في جماعة أهل بدر.

ولعل هذا يفسر لنا سبب فرض عمر له، خمسة آلاف، الذي هو عطاء أهل بدر.

وقد حاول البعض: أن يقول: إن مراد القائلين بحضوره بدراً: أنه حضرها وهو عبد، ومراد القائلين بأنه قد شهد الخندق فما بعدها: ولم يحضر بدراً أنه لم يحضرها وهو حر.

ونقول: إن هذا جمع تبرعي، لا يرضى به لا أولئك، ولا هؤلاء، لأن مدار النفي والإثبات هو أصل الحضور والشهود، من دون نظر إلى الحرية، والعبودية، ولذا تجد في بعض العبارات المنقولة التعبير بأنه: لم يفته مشهد بعد الخندق، فإنه يكاد يكون صريحاً في فوات بعض المشاهد، قبل ذلك..

وثانياً: قول الخطيب: إن التاريخ الهجري لم يكن في عهد الرسول، وأن عمر بن الخطاب هو أول من أرّخ به.

لا يمكن قبوله، فقد أثبتنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبيّ «صلى الله عليه وآله»: أن النبيّ هو واضع التاريخ الهجر ، وقد أرّخ به هو نفسه «صلى الله عليه وآله» أكثر من مرة، وهذا الكتاب يصلح دليلاً على ذلك أيضاً.

 

وأما بالنسبة لكلام العلامة البحاثة الأحمدي، فنحن نشير إلى ما يلي:

أ: قوله: إن الحطيب، وابن عساكر، ونفس الرحمان لم يذكروا الشهود، ليس في محله، كما يعلم بالمراجعة.

ب: إن ما ذكره حول توصيف أبي بكر بالصديق.. صحيح، وقد تحدثنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج 2 ص 263 - 268: أن تلقيبه بهذا اللقب، لا يصلح لا في الإسراء والمعراج، ولا في أول البعثة، ولا في قضية الغار، حسب اختلاف الدعاوى..

وذكرنا هناك: أن الظاهر: هو أن اللقب قد خلع عليه بعد وفاة النبيّ «صلى الله عليه وآله» بمدة ليست بالقصيرة.

ونضيف إلى ذلك: أنه إن كان أبو بكر نفسه قد كتب هذه الكلمة على كتاب عتق سلمان، فنقول:

إن من غير المألوف أن يطلق الإنسان على نفسه ألقاب التعظيم والتفخيم، بل إن الإنسان العظيم، الذي يحترم نفس ، يعمد في موارد كهذه إلى إظهار التواضع، والعزوف عن الفخامة والأبهة.

وإن كان الآخرون هم الذين أطلقوا عليه لقب «الصدّيق»، وأضافوه إلى الكتاب من عند أنفسهم، تكرماً وحباً، ورغبة في تعظيمه وتفخيمه..

فذلك يعني: أنهم قد تصرفوا بالكتاب، وأضافوا إليه ما ليس منه، دون أن يتركوا أثراً يدل على تصرفهم هذا، وهو عمل مدان ومرفوض، إن لم نقل: إنه مشين، لا سيما وأنهم أهملوا صديقه عمر بن الخطاب؛ فلم يصفوه بالفاروق، كما وأهملوا غيره أيضاً..

ولا يفوتنا التذكير هنا : بأن النوري قد أورد الكتاب في: نفس الرحمان، عن: تاريخ گزيده وليس فيه وصف أبي بكر ب‍ «الصديق»، بل وصفه ب‍ «ابن أبي قحافة» وهو الأنسب، والأوفق لظاهر الحال.

ج: وأما قولهم: إن أبا ذر لم يكن قد قدم المدينة حينئذٍ؛ لأنه إنما قدمها بعد الخندق.

فإننا نقول: المراد: أنه إنما قدمها مستوطناً لها بعد الخندق. أما قبل ذلك، فلعله قدمها للقاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو لبعض حاجاته؛ فصادف كتابة هذا الكتاب؛ فشهد عليه، ثم عاد إلى بلاده. وثمة رواية أخرى، تشير إلى حضوره (البحار ج 22 ص 358 وإكمال الدين ج 1 ص 164 و 165)؛ فلتراجع.

د: أضف إلى ذلك: أن وصف بلال بأنه مولى أبي بكر، قد يكون من تزيُّد الرواة أيضاً؛ إذ قد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم ج 2 ص 34 - 38: أن بلالاً لم يكن مولى لأبي بكر..

وأخيراً.. فإن مما يدل على أن الرواة والكتّاب قد زادوا شيئاً من عند أنفسهم إضافة عبارة: «رضي الله عنهم» إلى الشهود؛ إذ لا شك في أن ذلك قد حصل بعد كتابة ذلك الكتاب. بل ويحتمل أن يكون الشهود جميعاً قد أضيفوا بعد ذلك، وإن كان هذا احتمالاً بعيداً جداً..

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد