من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (2)

التفسير الثاني: ما ذكره المرجع الديني الروحاني في جواب له على سؤال عن هذه الفقرة، وأنها هل يصح صدورها من الصديقة الزهراء عليها السلام فقد قال: «بالتأمّل في تلك الجملة يظهر أنّها مدح عظيم من سيّدة النساء العارفة بمقام الإمام ‌عليه السلام لبطولته وثباته وشرفه،‌ فإنّها قد رجعت بعد أداء الوظيفة، وهي تحمل كلّ الإجلال والإكبار لأمير المؤمنين‌ عليه السلام مخاطبة إيّاه لتخفّف عنه من أثقال الإمامة، فقالت: (اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ) أي تحمّلت الأذى لمرضاة الله تعالى، فـــ (اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ) لتكون عين الفناء في ذات الله، وتعبيرها بـــ (اشْتَمَلْتَ) للإشارة إلى أنّه اشتمل بهذا الثوب، وهو ثوب الوقاية عن الدنيا وزخارفها، بما في ذلك حبّ الزعامة والسلطة بإرادة واختيار منه، لا لقصور وتقصير، نظراً لقدرته على المجابهة والمواجهة، ولكنّه ‌عليه السلام في مقابل ذلك اشتمل شملة الجنين، ولم يحرّك ساكناً؛ لأنّ وظيفته كانت هي السكوت والصبر، وكأنّها عليه السلام تقول له: لقد أدّيت وظيفتك أحسن الأداء، فأنت كما كنت مقداماً حينما كانت وظيفتك هي الجهاد والمواجهة، كذلك كنت الصابر المحتسب حينما كانت وظيفتك هي الصبر على الأذى في جنب الله تعالى..»[1].

 

وربما نناقش هذا الجواب؛ بأنها لم تكن في مقام الإقرار بل ظاهر الالفاظ ولا سيما بعد شرح ذلك بقولها «هذا ابن أبي فلان يبتزني نحلة أبي..» وقولها فيما بعد «ويلاي في كلّ شارق ويلاي في كل غارب! مات العمد ووهن العضد شكواي إلى ربي..» أنها كانت في مقام الاستنكار والتشكي والتألم! فلا نفهم معنى قوله حفظه الله: وكأنّها عليه السلام تقول له: لقد أدّيت وظيفتك أحسن الأداء، فأنت كما كنت مقداماً حينما كانت وظيفتك هي الجهاد والمواجهة، كذلك كنت الصابر المحتسب حينما كانت وظيفتك هي الصبر على الأذى في جنب الله تعالى!

 

التفسير الثالث: ما قاله بعضهم من أن هذا الكلام كان على سبيل التقية، وكان حماية للإمام عليٍّ عليه السلام فإنها لأجل أن تنفي عن الإمام تهمة أنه هو الذي حركها لتخرج وتخطب بين الناس وتفضح أنظمة الخلافة وقراراتها، كان عليها أن تخاطب الامام بهذه الكلمات، ولم تكن لتخفى عليهم لا سيما مع كون الخطاب في بيت الزهراء المطل على المسجد النبوي! فكأنها تقول له لكي يسمع أولئك -فتزول عنه التهمة - ما رددت عائلاً ولا أغنيت طائلاً! ولم تقم بحقي وقد كان باستطاعتك ذلك لكنك افترشت التراب!

 

فهو إذن كلام محمول على التقية! والغرض منه حماية الإمام عليه السلام، ورفع التهمة عنه في أنه يحرض على نقض النظام العام أو إثارة الفوضى في وجه الدولة. والتعليق على هذا التفسير؛ أنه حتى لو قبلناه.. هل هناك حاجة إلى هذا المقدار من الحرارة في الكلام؟ والمبالغة في التوجع والتفجع إلى حد: ويلاي في كل شارق! ويلاي في كل غارب! شكواي إلى ربي! عدواي إلى أبي! فهل تتطلب التقية هذا المقدار من الكلمات وهذا الحجم من الحزن والتظلم؟

 

التفسير الرابع: ونعتقد أنه أولى الأجوبة بالقبول، ولا ينفي بالضرورة ما سبق، وهو أن الزهراء عليها السلام ومن خلال هذا الكلام الساخن والعنيف تريد أن تعلن وثيقة للتاريخ وصوتًا صارخًا يقتحم الزمان والمكان بأنها صاحبة حق قد اغتصب علانية أمام الملأ وجمهور الناس سواء أبناء قيلة الأنصار أو المهاجرة! وقد صرحت لهم بذلك وخرجت إليهم - وهي التي لا تخرج - بخطبة عاصفة وطويلة وأقامت الحجة عليهم، فلم يتحرك أحد من الناس الذين كان يتوقع منهم أن يخلفوا النبي في ابنته بحسن الخلف! لكنهم ضيعوه وضيعوها فلم ينصروها في أول تظلم وخذلوها في أول قضية!

 

فهي بهذا تريد أن تعلن للتاريخ غضبتها! لكي تقطع على مزوريه والكذبة فيه - كما قالوا فيما بعد - أنها كانت قد اشتبهت في مطالبتها فلما عرفها الخليفة أمام الناس اشتباهها عرفت الحقيقة! أو أنها رضيت بعد ذلك! ستقول كلا.. يا ليتني مت قبل ساعتي هذه! لا تزال الحرقة في قلبي والغصة في حلقي! وإني لم أرضَ ولن أرضى على هضمي وظلمي وأخذ نحلة أبي وبلغة ابنيّ! بل وتنحية إمام الأمة فما الذي نقموه منه؟

 

ستواصل الاحتجاج بكل الوسائل! فإذا سألتها نساء الأنصار عن علتها ستقول لهن: أصبحت قالية (مبغضة) لرجالكن.. أولئك أصحاب المواقف الخاذلة! وإذا أراد زعماء الخلافة استرضاءها سترفض ذلك وتخبر الجميع أنها ما رضيت وستموت وهي غاضبة! وكان هذا الكلام للإمام عليٍّ عليه السلام في ضمن هذا السياق، فهو شهادة ووثيقة! وإعلان صريح ونهائي لموقفها من الخلافة وخطواتها!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). الروحاني؛ السيد محمد صادق: السيدة الزهراء (س) بين الفضائل والظلامات٦١

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد