من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

تاريخ أصول الحديث

نشأته وتطوره

 

إن أقدم وثيقة علمية في الفكر الحديثي هي ما رواه الشيخ الكليني في كتاب ( الكافي ): عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي: قال: قلت لأمير المؤمنين (ع): إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئًا من تفسير القرآن، وأحاديث عن نبي الله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله (ص)، أنتم تخالفونهم فيهان وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟!.

 

قال: فأقبل (ع) علي فقال: قد سألت فافهم الجواب: إن في أيدي الناس حقًّا وباطلاً، وصدقًا وكذبًا، وناسخًا ومنسوخًا، وعامًّا وخاصًّا، ومحكمًا ومتشابها، وحفظًا ووهمًا، وقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام خطيبًا فقال: (أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)، ثم كذب عليه من بعده.

 

وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

 

1 - رجل منافق يظهر الإيمان، متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله (ص) متعمدًا. فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله (ص) ورآه وسمع منه فيأخذون عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال تعالى: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقلوا تسمع لقولهم)، ثم بقوا بعده (ص) فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فوفوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله.. فهذا أحد الأربعة.

 

2 - ورجل سمع من رسول الله (ص) شيئًا لم يحمله على وجهه، ووهم فيه، ولم يتعمد كذبًا، فهو في يده، يقول به، ويعمل به، ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله (ص). فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه، لو علم هو أنه وهم لرفضه.

 

3 - ورجل ثالث سمع من رسول الله (ص) شيئًا أمر به، ثم نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

 

4 - وآخر رابع لم يكذب على رسول الله (ص)، مبغض للكذب خوفًا من الله، وتعظيمًا لرسوله (ص)، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد فيه ولم ينقص، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، فإن أمر النبي (ص) مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله (ص) الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن، وقال الله تعالى في كتابه: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، فيشتبه على من لا يعرف ولم يدر عنى الله به ورسوله (ص). ليس كل أصحاب رسول الله (ص) كان يسأله عن الشيء فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه، حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله (ص) حتى يسمعوا) (1).

 

وقد كانت هذه الرواية الشريفة المنطلق الواعي لتدارس الفكر الحديثي وتوالده. ومما يعد من الفكر الحديثي، ومن بداياته الرائدة ما وضعه الإمام أمير المؤمنين (ع) من مبادئ عامة للتعامل مع المرويات من الأحاديث. قال (ع): اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثيرة، ورعاته قليل.

 

وقال (ع): إذا سمعتم من حديثنا ما لا تعرفونه فردوه إلينا، وقفوا عنده، وسلموا، حتى يتبين لكم الحق، ولا تكونوا مذاييع عجلى (2).

 

وقد يعد في التأليف الحديثي المبكر ما ذكره ابن النديم في (الفهرست ص 308) من أن أبان بن تغلب الكوفي المتوفى سنة 141 ه‍ كان له كتاب بعنوان (الأصول في الرواية على مذهب الشيعة).

 

ومن الفكر الحديثي الذي يعود إلى هذه الحقبة المتقدمة من الزمن: ما رواه محمد بن مسلم الطائفي، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): أسمع الحديث منك، فأزيد وأنقص قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس.

 

ما رواه زرارة، قال: يأتي عنكم الخبران - أو الحديثان - المتعرضان فبأيهما نأخذ؟ قال: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر. قلت: فإنهما معًا مشهوران. قال: خذ بأعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك.

 

ومن المؤلفات الأولى في فكر الحديث كتاب (اختلاف الحديث) لمحمد بن أبي عمير الأزدي المتوفى سنة 217 ه‍. ومما يرتبط بتاريخ أصول الحديث: التأليف في رجال الحديث، ومن أقدمه:

 

1 - كتاب الرجال، عبد الله بن جبلة الكناني (ت 219 ه‍).

 

2 - كتاب المشيخة، الحسن بن محبوب (ت 224 ه‍).

 

3 - كتاب الرجال، الحسن بن فضال (ت 224 ه‍).

 

4 - كتاب الرجال، علي بن الحسن بن فضال.

 

5 - كتاب الرجال، محمد بن خالد البرقي.

 

وأيضًا مما يرتبط بتاريخ أصول الحديث تأليف الجوامع الحديثة للأصول (الكتب الأربعة) وذلك لاحتوائها على عدة من القواعد في هذا العلم أمثال:

 

- قاعدة الترجيح بين الخبرين المتعارضين.

 

- قاعدة الجرح والتعديل.

 

هذه، وأمثالها مما مهد وساعد على دخول الفكر الحديثي عالم الفكر الأصولي. ومن أقدم ما قرأناه من فكر هذا العلم في كتب أصول الفقه ما بحثه الشيخ المفيد (ت 413 ه ) في كتابه الموسوم ب‍ (أصول الفقه) - وهو أقدم كتاب أصولي وصل إلينا - فقد عقد فيه مبحثًا بعنوان (الخبر)، ذكر فيه أقسامه، وبحث حجيته واعتباره، قال في ص 40 - 41 ما نصه: (والحجة في الأخبار ما أوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب. وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين، ولا يلزم به عمل على الحال. والأخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين: أحدهما: التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطؤ على ذلك، أو ما يقوم مقامه في الاتفاق. والثاني: خبر واحد يقترن إليه ما يقوم المتواتر بالبرهان على صحة مخبره، وارتفاع الباطل منه والفساد.

 

والتواتر الذي وصفناه ما جاءت به الجماعات البالغة في الكثرة والانتشار إلى حد قد منعت العادة من اجتماعهم على الكذب بالاتفاق، كما يتفق الاثنان أن يتواردا بالإرجاف. وهذا حد يعرفه كل من عرف العادات. وقد يجوز أن ترد جماعة دون من ذكرناه في العدد بخبر يعرف من شاهدهم بروايتهم، ومخارج كلامهم، وما يبدو في ظاهر وجوههم، ويبين من تصورهم أنهم لم يتواطؤوا لتعذر التعارف بينهم والتشاور، فيكون العلم بما ذكرناه من حالهم دليلاً على صدقهم ورافعًا للإشكال في خبرهم، وإن لم يكونوا في الكثرة على ما قدمناه.

 

فأما خبر الواحد القاطع للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم بصحة مخبره. وربما كان الدليل حجة من عقل. وربما كان شاهدًا من عرف. وربما كان إجماعًا بغير خلف. فمتى خلا خبر واحد من دلالة بها على صحة خبره فإنه - كما قدمناه – ليس بحجة، ولا موجب علمًا، ولا عملاً على كل وجه).

 

ومن بعد أصول المفيد تناول تلميذه الشريف المرتضى (الأخبار) في كتابه (الذريعة إلى أصول الشريعة)، فبحث في هذا الباب الذي عنوان ب‍ (باب الكلام في الأخبار)، وقسمه إلى الفصول التالية:

 

- فصل في حد الخبر وفهم أحكامه.

 

- فصل في إفادة خبر الواحد العلم.

 

- فصل في أقسام الخبر.

 

- فصل في جواز التعبد بالخبر.

 

- فصل في صفة المتحمل المخبر والمتحمل عنه وكيفية ألفاظ الرواية.

 

- وما يتعلق بهذه

 

ونقرأ في كتاب (معارج الأصول) للمحقق الحلي (ت 676 ه‍) بابًا خاصًّا في الأخبار، عقده في مقدمة وفصول:

 

- الفصل الأول: في المتواتر من الأخبار.

 

- الفصل الثاني: في خبر الواحد.

 

- الفصل الثالث: في مباحث متعلقة بالمخبر.

 

- الفصل الرابع: في مباحث متعلقة بالخبر.

 

- الفصل الخامس: في التراجيح بين الأحبار المتعارضة.

 

ويذكر تاريخيًّا أن السيد أحمد بن موسى بن طاووس الحلي (ت 673 ه‍) المعاصر للمحقق الحلي وصاحب كتاب (حل الإشكال في معرفة الرجال) أول من نوع التنويع الرباعي المعرفة للأخبار: ( الصحيح، الحسن، الموثق، الضعيف). ولعله لما أثير من النقد - قبولاً ورفضًا - حول هذا التنويع كان الحافز للتدوين المستقل في أصول الحديث.

 

التأليف فيه

 

وأقدم مؤلف إمامي في هذا العلم أشير إليه هو كتاب (شرح أصول دراية الحديث) للسيد علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النجفي النيلي تلميذ العلامة الحلي، من علماء القرن الثامن الهجري. ولعله تأثر بما ذكره وأثاره السيد أحمد بن طاووس الذي هو أستاذ أستاذه العلامة الحلي.

 

وفي القرن العاشر الهجري كانت مؤلفات الشيخ زين الدين العاملي الشهيد الثاني (ت 966 ه‍)، والتي بها استقر تدوين هذا العلم، وعنها نهل من جاء بعده.

 

وقد يكون لكتاب (حل الإشكال في معرفة الرجال) للسيد ابن طاووس تأثير على ما ألفه الشهيد الثاني، فقد ذكر أن نسخة خط المؤلف ابن طاووس كانت عند الشهيد الثاني. وقد يكون لتلمذة ومزاملة الشهيد الثاني لعلماء من أهل السنة في الشام وغيرها، تأثير آخر، وبخاصة في الجانب الفني.

 

أشهر مؤلفاته

 

ومؤلفات الشهيد الثاني في علم الحديث هي:

 

1 - البداية في علم الدراية = بداية الدراية، طبع مع شرحه في طهران سنة 1310 ه‍.

 

2 - الرعاية في علم الدراية = شرح البداية، فرغ من تأليفه سنة 959 ه‍. وطبع في أولى طبعاته مع أصله سنة 1310 ه‍.

 

3 - غنية القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدثين، (ألمح إليه في خاتمة شرح البداية، وقال: من أراد الاستقصاء فيها مع ذكر الأمثلة الموضحة لمطالبه فعليه بكتابنا (غنية القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدثين) فإنه قد بلغ في ذلك الغاية) (3).

 

ثم توالت التواليف بعدها، ومما هو مشهور منها ومطبوع:

 

4 - وصول الأخبار إلى أصول الأخبار، للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (ت 984 ه‍).

 

5 - الوجيزة في علم الدراية، للشيخ بهاء الدين العاملي (ت 1030 ه‍).

 

6 - الرواشح السماوية، للسيد الداماد (ت 1041 ه‍).

 

7 - جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال، للشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه‍).

 

8 - مقباس الهداية في علم الدراية، الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ه‍) طبع في النجف سنة 1345 ه‍، ثم طبع بتحقيق حفيد المؤلف الشيخ محمد رضا المامقاني بيروت سنة 1411 ه‍.

 

9 - نهاية الدراية (شرح وجيزة البهائي) للسيد حسن الصدر (ت 1354 ه‍)، طبع في الهند سنة 1324 وفي صيدا سنة 1331 ه‍.

 

10 - دراسات في الحديث والمحدثين، للسيد هاشم معروف (ت 1401 ه‍).

 

11 - قواعد الحديث، للسيد محي الدين الغريفي (ت 1412 ه‍).

 

12 - أصول الحديث أحكامه في علم الدراية، الشيخ جعفر السبحاني، طبع في قم سنة 1412 ه‍.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوافي: باب اختلاف الحديث والحكم 1 / 62 - 63.

(2) بحار الأنوار ط 4 : 2 / 189.

(3) أصول الحديث وأحكامه ص 10.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد