إيمان شمس الدين ..
مقدمة
إن المحنة التي تعيشها أمتنا المعاصرة هي من أشد المحن التي تمر عليها , فبالإضافة إلى ضعفها وبعدها الشديد عن الإسلام وأصالته , جاء الفساد على كل مستوياته كنتيجة طبيعية لهذا البعد لينخر فيما تبقى من جسدها , وللأسف كان العضو الأبرز في هذا الإفساد هو المرأة , حيث استطاعت ما يسمى بالحضارة الغربية من خلال المرأة أن تخترق الأمة الإسلامية لتنشر الفساد وتعم الفوضى على كل مستوياتها الفكرية والإنسانية وغيرها حيث ركز الآخر على بعدها الأنثوي وأهمل البعد الإنساني الذي يشكل أصالتها ويشترك بأرضيته وأبعاده مع البعد الإنساني عند الرجال . ولكن لا نريد هنا أن نلقي باللوم على الحضارة الغربية في عملية الفساد والإفساد, فالمسؤولية موزعة على الجميع , فلماذا تمكن أعداؤنا منا؟ ولماذا لم نحصن نساءنا ضد هذا الوباء الخطير؟ وهل تم تجاهل المرأة أو إهمالها لتصل إلى هذا الوضع الخطير؟ أو هل تم قراءة المرأة دينيًّا بشكل متشدد مما أدى إلى نفورها؟ وما هو الدور الملقى على عاتقنا جميعًا في ظل هذا الانحراف الخطير ؟ هل نقف متفرجين أم ننهض بأنفسنا وفكرنا ونعيد النظر في كثير من مفاهيمنا الدينية التي قد يكون فهمنا لها تأثر بظروف بيئية واجتماعية معينة؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لنستقرئ تاريخ المرأة الإنساني في عصور مختلفة.
المرأة في عصر الجاهلية(ما قبل الإسلام):
ينقل لنا التاريخ وقائع كثيرة تحدثت عن الجو العام في عصر الجاهلية ونظرة رجالات ذلك العصر للمرأة وكيفية التعامل معها. ولقد ذكر العلامة السيد الطباطبائي في جملة من أحوال المرأة في المجتمع الإنساني من أدوار مختلفة قبل الإسلام وزمن ظهوره ويستنتج من جميع ذلك ما يلي:
أولًا : أنهم كانوا يرونها إنسانًا في أفق الحيوان العجم, أو إنسانًا ضعيف الإنسانية منحطًّا لا يؤمن شره وفساده لو أطلق من قيد التبعية , واكتسب الحرية في حياته.
ثانيًا: أنهم كانوا يرون وزنها الاجتماعي أنها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه , وإنما كالأسير المسترق الذي هي من توابع المجتمع الغالب , ينتفع من عمله ولا يؤمن كيده على اختلاف المسلكين.
ثالثًا: أنهم كانوا يرون حرمانها في عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها.
رابعًا: أن أساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف وبعبارة أخرى قريحة الاستخدام (1).
هذه نبذة مختصرة عن حياة المرأة في العصر الجاهلي , هذا بالإضافة إلى ظاهرة وأد البنات التي تعتبر انتهاكًا صارخًا لحق الإنسان الطبيعي في الحياة التي وهبها له الله.
وفي غضون ذلك العصر المظلم وفي ظل هذه العقليات التي لا تحمل في فكرها سوى البطش والظلم والإغارة ظهر نور أضاء ظلمة عاكفة تبدد معها الظلام وانقشع مع صباح قدومه الأبصار وهدمت كل أركان الضلال وهو نور السلامة المحمدية التي جاء بها خير البشر محمد (ص) الذي بعث رحمة للعالمين فكيف كان وضع المرأة في هذه الشريعة الجديدة.
المرأة في الإسلام:
جاء الإسلام ليخاطب إنسانية الإنسان لا جنسه ونوعه وتجلى ذلك واضحًا في قول الله تعالى "إني جاعل في الأرض خليفة" فكان الاستخلاف له دلالات عديدة من ضمنها أن هذه الوظيفة الإلهية أنيطت بالإنسان كإنسان وليس كرجل أو امرأة كما أن الأمانة الإلهية التي عرضت على الجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان بإنسانيته دون النظر لجنسه.
فنرى الإسلام جاء ليخاطب المرأة كخطابه للرجل بل قال أكثر من ذلك, بعد أن كانت ليس لها ملكية ولا حكم على نفسها فقال تعالى : "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن", رفع الإسلام هذا المخلوق المضطهد على مر العصور مكانتها وجعلها عزيزة كريمة ساوى بينها وبين الرجال في الأبعاد الإنسانية ولكن حينما تلبست هذه الإنسانية في أجساد مختلفة في البعد المادي والتركيب الظاهري استدعى ذلك الاختلاف في القوالب اختلافًا في الأحكام والوظائف والواجبات تتناسب وأبعاد كل جنس المادية وبما يتلاءم مع هذا القالب.
وهكذا أخذت المرأة تحتل مكانتها الطبيعية في المجتمع الإسلامي ولقد قال العلامة الطباطبائي في ذلك بتصرف: أما الإسلام فلقد أبدع في حقها أمرًا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطنها قاطنوها, وخالفهم جميعًا في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم وأعفت آثارها, وألغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويتها اعتقادًا وما كانت تسير فيها سيرتها عملًا (2).
ولقد قال تعالى في مقياس التفاضل بين الناس جميعا "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". فجعل ميزان التفاضل التقوى لا الجنس, ولقد روي الإمام الصادق (ع) أنه قال: "المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح" (وبذلك أشار الإمام أن الإنسانية في نظر الإسلام لها قيمة وميزان واحد للكرامة بغض النظر عن الجنس والصفات الطبيعية وهذا الميزان هو التقوى وأفضلية العمل الصالح . فمتى ما توفرت التقوى والصلاح كانت الإنسانية أفضل وأكمل فلا المرأة بما هي امرأة تفصل الرجل ولا الرجل بما هو رجل يفضل المرأة.) (3)
"ولقد ساوى الإسلام بينها وبين الرجل من حيث تدبير شئون الحياة بالإرادة والعمل فإنهما متساويان من حيث تعلق الإرادة بما يحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل والشرب وغيرهما من لازم البقاء, فلها أن تستقل بالإرادة ولها أن تستقل بالعمل وتمتلك نتاجها كما للرجل ذلك من غير فرق {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} أما التمايز في بعض الأحكام أو الوظائف بينها وبين الرجل فهي ليست من باب الأفضلية فلقد قال تعالى {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم من بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما} يريد أن الأعمال التي يهديها كل من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به الفضل وأن هذا الفضل ما تعين لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث وفضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها, فلا ينبغي أن يتمناه متمن ومنه ما لم يتعين إلا بعمل عامل كائنًا من كان كفضل الإيمان والعلم والعقل والتقوى وسائر الفضائل التي يستحسنها الدين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء” (4)
فالإسلام جعل للمرأة مكانة لم تكن لها من قبل في العصور السابقة له وكما تشير إلى ذلك الشهيدة بنت الهدى "أنه جعلها مهد الحضارات والثقافات فهي المدرسة الأولى في الحياة وهي أحد العنصرين الأساسيين في تكوين المجموعة البشرية فهي مربية الأجيال وهي نقطة انطلاقة المجموعة البشرية وهي المهد الفطري للوليد وصدرها واهب الحياة للجيل لذلك أولاها الإسلام أهمية في شريعته وأحكامه" .
المرأة في الحضارة الغربية:
في العصر الحديث عندما قامت الثورة الفرنسية التي ينظر إليها الأوروبيون على أنها أم الثورات، وأم الحريات؛ حتى أصبحت محل فخر الدول الأوروبية المسيحية، فإنها اعتبرت المرأة إنسانًا قاصرًا لا تستغل بشؤونها إلى أن عدلت تلك القوانين لصالح المرأة وأخذت بعض الحقوق. عقد في فرنسا اجتماع سنة 1586 م ليبحث شأن المرأة، وما إذا كانت تُعدُّ إنساناً أو لا تُعدُّ إنساناً. وبعد النقاش قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل. وفي شباط عام 1938 م، صدر قانون يلغي القوانين التي كانت تمنع المرأة الفرنسية من بعض التصرفات المالية، وجاز لها ولأول مرة – في تاريخ المرأة الفرنسية – أن تفتح حساباً جارياً باسمها في المصارف. وفي إنكلترا بقيت النساء حتى السنة 1850م غير معدودات من المواطنين، وظلت المرأة حتى سنة 1882م وليس لها حقوق شخصية، فلا حق لها بالتملك. ولم تُسَوِّ جامعة أكسفورد بين الطالبات والطلاب في الحقوق (في الأندية واتحاد الطلبة) إلا بقرار صدر في 26 تموز 1964م.
"إن قضية المساواة بين الرجل والمرأة لم تأت عقب الثورة الصناعية وحاجة المصانع إلي أيدي عاملة من الجنسين وإنما ترجع بجذورها إلي الثورة الفرنسية 1789 في ظل أجواء تبنتها الثورة عن الحرية والمساواة والإخاء.. حيث شعرت المرأة أنها تعيش في ظلم حقيقي رسمت ملامحه الثقافة السائدة وطبيعة القوانين الجائرة، فطالبت بحقها في توسيع فرص التعليم للمرأة وتحسينها والمساواة في ذلك، والمساواة القانونية في العمل وتولى الوظائف الحكومية ورفعت عدة شعارات منها" إذا كان يحق للمرأة أن ترتقي منصة الإعدام فمن حقها أيضا أن ترتقي المنبر" (5)
وبمثل هذه الشعارات التي اجتاحت دول أوروبا وأمريكا في القرن الثامن عشر، انطلقت الحركة النسائية في أوروبا تطالب بعد أن نزلت إلي ميدان العمل وما صاحبه من تغيرات بتوفير دور للحضانة ورعاية الأطفال والحق في الأجر المتساوي وفي تشريعات تحمي النساء العاملات، وحق الملكية، الطلاق، وحق التعليم العالي وممارسة المهن الطبية وحق الانتخاب والترشيح.
وفي أمريكا عام 1848 عقد في "سينيكا فولز" أول مؤتمر للنساء أعلنت فيه النساء المشاركات عن رغبتهن في تنظيم جهودهن كحركة مجتمعية تسعى للإصلاح الاجتماعي .
وشكلت المطالب الاجتماعية للمرأة أهم ملامح هذه المرحلة ومع هذا استمرت أوضاع المرأة على ما هي عليه وتعنتت الأنظمة الحكومية في الرد علي المطالب الأنثوية حتى ولو كانت عادلة وحقه، حتى بدايات القرن العشرين خاصة مع الحرب العالمية الأولى التي أدت إلى زيادة حجم التواجد النسائي وبدأت كفة الحركات النسائية في الرجحان لصالحها. ومن هنا نجد أن المرأة الأوروبية أظهرت حراكًا سياسيًّا واضحًا وكان لها وجودًا مؤثرًا تجلى في الحربين الكونيتين الأولى والثانية ومارست مصداقًا واضحًا للمشاركة السياسية من خلال الضغط الشعبي لتحصيل حقوقها وبالتالي أحدثت تغييرًا في مسيرتها وإن كانت هذا التغييرسار بشكل بطيء إلا أنها استطاعت أن تحقق لها مكاسب ما كانت لتحلم بها بعد الظلم الذي مورس عليها في ظل الحكم الكنسي ولكن أين وصلت المرأة الأوروبية بعد إعلائها شعار التحرر ومطالبتها بحقوقها والمساواة بين الجنسين ؟
ويقول الكاتب والمفكر مروة أحمد إبراهيم عن وضع المرأة في الغرب الحديث "ويكفي أن نشير إلى أن إحدى السيدات الأمريكيات في 1986 م قد ألفت كتابًا أسمته (حياة مهانة: أسطورة تحرير المرأة) واعتمدت في كتابها على إحصائيات دقيقة، حيث أكدت أن الأجر (الراتب الشهري) للمرأة في أمريكا لا يزيد على نسبة 64% من أجر الرجل عن العمل المؤدى نفسه، وفي السويد لا تبلغ النسبة إلا 81% فقط، أما عن حوادث الاغتصاب التي نتجت عن حرية المرأة المزعومة، فقد سجلت التقارير أن نسبة إمكان اغتصاب الأنثى في أمريكا من 1: 5، والتقديرات المحافظة من 1: 7، أي أنه على أفضل تقدير فإن واحدة من كل سبع نساء يتعرضن للاغتصاب في أمريكا.
وفي إحصائيات أخرى كان عدد المغتصبات اللاتي سجلن حوادث اغتصاب في الشرطة في عام 1996 م هو 90430 حالة، أما اللاتي لم يسجلن فيقدرن بحوالي 310000 حالة، وسبب عدم الشكوى هو اليأس من إمكان الشرطة أن تساعد أو تعرف، وعدم جدوى التقرير. وفي كندا سجلت 20530 حالة اغتصاب، وليس هناك إحصاء لغير المسجلين، ويوجد في كندا 150 مركزًا لمساعدة المغتصبات، وفي استراليا 75 مركزًا، وفي نيوزلندا 66 مركزًا، وفي إسرائيل سبعة مراكز.
أما عن قتل النساء في الولايات المتحدة؛ فإنه يقتل كل يوم عشر نساء من قبل الزوج أو الصديق، من هذه الحالات 75% يتم القتل بعد أن تترك المرأة صديقها، فينتقم منها بالقتل، أو تطلب الطلاق من زوجها أو تعصيه، وفي روسيا عام 1995 م كانت نصف حالات القتل ضد النساء من قبل أزواجهن أو أصدقائهن، وفي 1993م كان عدد القتلى (14000)، وجرح (54000) جراحات شديدة.
أما عن الملاجئ التي خصصت للنساء المضروبات أو الهاربات من أزواجهن، وهن اللاتي لا يجدن ملجأً عند أهل أو أقارب؛ فيوجد في الولايات المتحدة (1400) ملجأ، وفي كندا (400)، وفي ألمانيا (325)، وفي بريطانيا (300)، وفي استراليا (270)، وفي نيوزيلندا (53)، وفي هولندا (40)، وفي أيرلندا (10)، وفي اليابان (5). كما أن دعارة النساء تمثل جانبًا كبير الأهمية في اقتصاد بعض الدول ودخلها القومي مثل روسيا، وكوبا... وغيرهما.
ــــــــــ
1 ( تفسير الميزان ج2 , ص 272 )
2 ( تفسير الميزان ج 2 ص 273 ).
3 المرأة مع النبي للشهيدة بنت الهدى.
4 تفسير الميزان ج2 ص 276.
5 موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان