مقالات

المذموم من المزاح‏

الشيخ محمد مهدي النراقي

الحق أن المذموم من المزاح هو الإفراط فيه والمداومة عليه ، أو ما يؤدي إلى الكذب والغيبة وأمثالهما ، ويخرج صاحبه عن الحق ، وأما القليل الذي يوجب انبساط خاطر وطيبة قلب ، ولا يتضمن إيذاء ولا  كذبًا ولا باطلًا ، فليس مذمومًا ، لقول رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): «إني لأمزح ولا أقول إلا حقًّا» ، و لما روي : «أنهم قالوا له (صلى اللّه عليه وآله): يا رسول اللّه ، إنك تداعبنا! ، فقال : إني وإن داعبتكم ، فلا أقول إلا حقًّا» ، ولما روت العامة : «أنه (صلى اللّه عليه وآله) كان كثير التبسم ، وكان أفكه الناس» وورد : «أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كسا ذات يوم واحدة من نسائه ثوبًا واسعًا ، و قال لها : البسيه وأحمدي ، وجرى منه ذيلًا كذيل العروس».

وقال (صلى اللّه عليه و آله): «لا تدخل الجنة عجوز، فبكت العجوز، فقال : إنك لست يومئذ بعجوز» وجاءت امرأة إليه ، و قالت : «إن زوجي يدعوك.

فقال (صلى اللّه عليه و آله) : زوجك هو الذي بعينه بياض؟ ، قالت : واللّه ما بعينه بياض؟. فقال : بلى ، إن بعينه بياضًا ، فقالت: لا و اللّه؟ ، فقال : ما من أحد إلا بعينه بياض».

وأراد به البياض المحيط بالحدقة ، وجاءته امرأة أخرى ، وقالت : «احملني يا رسول اللّه على بعير، فقال : بل نحملك على ابن البعير، فقالت : ما أصنع به ، إنه لا يحملني ، فقال (صلى اللّه عليه و آله): هل من بعير إلا وهو ابن بعير؟»، وكان (صلى اللّه عليه وآله) يدلع لسانه للحسين (عليه السلام) فيرى لسانه فيهش له ، وقال لصهيب  وبه رمد وهو يأكل التمر : «أتأكل التمر وأنت أرمد؟ ، فقال : إنما آكل بالشق الآخر ، فتبسم رسول اللّه حتى بدت نواجذه».

 وروي : «أن خوات ابن جبير كان جالسًا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة ، وكان ذلك قبل إسلامه ، فطلع عليه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فقال له : مالك مع النسوة؟ ، قال : يفتلن ضفيرًا لجمل لي شرود ، فمضى رسول اللّه لحاجته ثم عاد ، فقال : يا أبا عبد اللّه أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ ، قال : فسكت واستحييت ، وكنت بعد ذلك استخفى منه حياء ، حتى أسلمت وقدمت المدينة ، فاطلع علي يومًا وأنا أصلي في المسجد ، فجلس إلي، فطولت الصلاة  فقال : لا تطول فإني أنتظرك ، فلما فرغت قال : يا أبا عبد اللّه ، أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ ، قلت : والذي بعثك بالحق نبيًّا؟ ما شرد منذ أسلمت! فقال : اللّه أكبر اللّه أكبر، اللهم اهد أبا عبد اللّه  فحسن أسلامه» .

 وكان نعيمان الأنصاري ، رجلًا مزّاحًا ، فإذا دخل المدينة شي‏ء نفيس من اللباس أو المطاعم اشترى منه ، وجاء به إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ويقول : هذا أهديته لك.

فإذا جاء صاحبه يطالبه بثمنه ، جاء به إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) ، وقال : يا رسول اللّه ، أعطه ثمن متاعه ، فيقول له النبي (صلى اللّه عليه و آله) : «أولم تهده لنا؟» فيقول : لم يكن عندي واللّه ثمنه ، وأحببت أن تأكل منه، فيتبسم رسول اللّه ويأمر لصاحبه بثمنه.

وأمثال هذه المطايبات مروية عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) و عن الأئمة (عليهم السلام) وأكثرها منقولة مع النسوان والصبيان ، وكان ذلك معالجة لضعف قلوبهم ، من غير ميل إلى هزل ولا كذب ولا باطل ، وكان صدور ذلك عنهم أحيانًا وعلى الندرة ، ومثلهم كانوا يقدرون على المزاح مع عدم خروجهم عن الحق والاعتدال ، وأما غيرهم فإذا فتح باب المزاح فربما وقع في الإفراط والباطل ، فالأولى لأمثالنا تركه مطلقًا.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد