ينبغي للمسلم أن يكفي نفسه بعرق جبينه أن لا يسأل الآخرين، ويفتح باب الفقر أمامه. فالسؤال ذلّ النفس، وشوب الكسل فيها عن الكدّ والعمل.
أمّا الذين افتقروا بسبب الكوارث الطبيعيّة أو ضيق المعيشة وما شابه، فإنّ من واجب المجتمع أن ينهض بمسؤوليّته إزاءهم ويحفظ لهم كراماتهم وشأنهم الاجتماعيّ. بالتالي، فإنّ تنظيف صورة المدن الإسلاميّة من ظاهرة التسوّل الذميمة يقع على المسلمين عامّة.
وقد بيّن الأئمّة المعصومون عليهم السلام سوء السؤال وأثره وعواقبه، وفضل التعفّف.
فضل الاستغناء
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “شرف المؤمن قيام الليل وعزُّه استغناؤه عن الناس”(1). وعن الإمام الرضا عليه السلام: “قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، علّمني عملاً لا يُحال بينه وبين الجنّة. قال: لا تغضب ولا تسأل الناس شيئاً”(2). وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم: فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بِشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عِرضِك وبقاء عزِّك”(3).
فقراء المؤمنين متعفّفون
قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ الله يحبّ الحييَّ المتعفّف ويبغض البذيَّ السائل الملحف”(4). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “فاستعفّوا عن السؤال ما استطعتم”(5)؛ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “لأنْ يحتطب الرجل على ظهره فيبيعه ويستغني به ويتصدَّق بفضله خيرٌ من أن يسأل رجلاً آتاه الله من فضله فيعطيه أو يمنعه، إنّ اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى”(6).
وقال الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: “شيعتي مَن(...) لم يسأل الناس ولو مات جوعاً”(7).
السؤال هوان وذلّ
وعن الإمام محمّد الباقر عليه السلام: “لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم الـمُعطي ما في العطيّة ما ردَّ أحدٌ أحداً”(8). وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “لو يعلم السائل ما عليه من الوزر ما سأل أحدٌ أحداً”(9). وعن مفضَّل بن قيس بن رُمّانة، قال: دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فذكرتُ له بعض حالي، (...) أحببتُ أن تدعو الله عزّ وجلّ لي. فقال عليه السلام: “إنّي سأفعل، ولكن إيّاك أن تُخبر الناس بكلّ حالك فتهون عليهم”(10).
عواقب التسوّل
1. الفقر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفاً عليهنَّ... ولا فتح رجلٌ باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب الفقر”(11). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “يا عليّ، قلَّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر وكثرة الحوائج إلى الناس مذلَّةٌ وهو الفقر الحاضر”(12).
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: “ضمِنْتُ على ربّي أنّه لا يسأل أحد من غير حاجةٍ إلّا اضطرَّته المسألة يوماً إلى أن يسألَ من حاجة”(13).
2. الذلّة والضّعة: قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “المسألة طوق المذلَّة، تسلب العزيز عزَّهُ والحسيب حسبه”(14). وقال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن فتح على نفسه باب مسألةٍ، فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر لا يسُدُّ أدناها شيء”(15).
3. طول الحساب في يوم القيامة: وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “يا أبا ذرّ، إيّاك والسؤال، فإنّه ذلٌّ حاضرٌ وفقر تتعجّله، وفيه حساب طويل يوم القيامة”(16). وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “إيّاكم وسؤال الناس، فإنّه ذلٌّ في الدنيا وفقر تُعجّلونه وحساب طويل يوم القيامة”(17).
من يسأل لغير فقر
قال الإمام محمّد الباقر عليه السلام لمحمّد بن مسلم: “يا محمّد، إنّه من سأل وهو يُظهر غنىً لقي الله عزّ وجلّ مخموشاً وجهه يوم القيامة”(18). وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “ما من عبدٍ يسأل من غير حاجة فيموت حتّى يحوجه الله إليها ويُثبّت الله له بها النار”(19)، وعنه عليه السلام أيضاً: “مَن يسأل من غير فقرٍ فكأنّما يأكل الجمر”(20).
اذهب واحتطب
كان لأحد الأنصار حاجة، فأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: “ائتني بما في منزلك ولا تحقّر شيئاً، فأتاه بحلسٍ وقدح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من يشتريهما؟ فقال رجلٌ: هما عليّ بدرهم. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: مَن يزيد؟ فقال رجل: هما بدرهمين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هما لك، ابتَعْ بأحدهما طعاماً لأهلك، وابتَعْ بالآخر فأساً، فأتاه بفأسٍ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: من عنده نصابٌ لهذا الفأس؟ فقال أحدهم: عندي، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأثبته بيده، فقال: اذهب واحتطِبْ ولا تحقرَنَّ شَوْكاً ولا رطباً ولا يابساً. ففعل ذلك خمس عشرة ليلة فأتاه وقد حسنت حاله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا خيرٌ من أن تجيء يوم القيامة وفي وجهك كدوح الصدقة”(21).
بعد عرض هذه الأحاديث التي تنهى عن هذا السلوك، حريّ بالمسلم أن يصون كرامته ويحفظ عزّة نفسه ولا يذيقها الذلّ والهوان بأيّ حال، بل أن يعمل على البحث عن وسيلة عيش تصون وجهه في الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 148.
(2) الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 508.
(3) الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 149.
(4) الأمالي، مصدر سابق، ص 39.
(5) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 20.
(6) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، الأشتري، ج 2، ص 548.
(7) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 28.
(8) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 20.
(9) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 9، ص 443.
(10) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 21-22.
(11) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، مصدر سابق، ج 1، ص 133.
(12) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 74، ص 64.
(13) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 19.
(14) ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 2، ص 1222.
(15) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 9، ص 438.
(16) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 4، ص 375.
(17) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 20.
(18) الأمالي، مصدر سابق، ص 664.
(19) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 19.
(20) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 9، ص 437.
(21) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 100، ص 11.
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان