مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبدالشّهيد الثّور
عن الكاتب :
عبدالشّهيد الثّور، كاتب وشاعر وخطّاط ورادود، ولد في العام 1965 بقرية السّنابس في البحرين، انجذب باكرًا إلى الخطّ العربيّ وعمل على تحصيل أسرار جماليّاته، بدأت مسيرته مع المواكب الحسينيّة مع نهاية العام 1979، فكوّن لونًا خاصًّا به في أداء العزاء الحسينيّ، يعدّ من الرّعيل الأوّل لرواديد البحرين الذين قادوا حركة التّجديد في العزاء في المنطقة، التي تزامنت مع انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران، وهو من القلائل الذين قاموا بتوثيق تجاربهم في المواكب الحسينيّة، له كرّاس بعنوان: (تجارب موكبيّة في سيرة رادود)، وكتاب في السيرة الذاتية بعنوان (أيام في ذاكرة الوطن)، ورواية بعنوان: (قاهر الموت) توثّق للأجواء الشّعائريّة العاشورائيّة بلغة شعريّة، وسوى ذلك من المؤلّفات. ينظم الشّعر بغزارة، وصدر له ديوان بعنوان (الدّموع الجارية)، وله العديد من المقالات المنشورة في المجلّات والمواقع الإلكترونية.

مقتل الحسين (ع) بصمة الكعبي الكربلائيّة

تعبر السنوات على أجسادنا متتالية متشابهة، فعاشوراء مثل عاشوراء مع بسيط من التفاصيل المختلفة، ولكن أن تعبر عاشوراء دون أن تعبرك نواعي عبدالزهراء الكعبي، فتلك عاشوراء لم تُكلل بالحرقة، ولم تشبع الروح بطعم الفجيعة على سيد الشهداء (ع).

الشيخ عبدالزهراء الكعبي، الصوت الصادح بفادحة عاشوراء عبر الإذاعات وعبر الأثير لسنواتٍ، حتى بات هذا الصوت ملاصقاً لعاشوراء، كلما عادت عاد معها توأماً يرافقها أينما حلَّت.

 

هذا الشيخ نذرته يد الغيب جندياً دؤوباً لحمل مهمة إثراء المنبر الحسيني، وكأنَّ السيدة الزهراء (ع) كانت تُحيطه بعنايتها، ليطرق أبواب الدنيا عام 1909م في يوم ذكرى ولادتها فكان اسمه عبدالزهراء تبركاً بها، فهو عبدالزهراء، وعاش في كربلاء بجنب مرقد ابن الزهراء (ع) كانت هذه العلاقة كافية لتربطهُ ربطاً وثيقاً بالحسين (ع) وخدمته.

نشأ وترعرع في كربلاء المقدسة التي نزح إليها والده من المشخاب واستوطنها مقراً لإقامتهم، منذ الطفولة بدأت عليه ملامح الجد، فبادر لحفظ القرآن الكريم صغيراً في سن مبكرة، وانعطف للتزود بالعلوم كعلم العَروض، وفي سن مبكرة أصبح أستاذاً في الحوزة العلمية، وأضاف إلى دروسه درس تعليم الخطابة لما للخطابة من حاجة مُلحة للتبليغ ولإيصال المثل الكربلائية ورسالة أهل البيت (ع) في الأصقاع كافة.

 

ودون الإلمام بفنون الخطابة ومقوماتها لن يتسنى لطالب العلم أن يرتقي منابرها، فهو لم يتمكن من فن الخطابة إلا بعد أن تتلمذ عن عَلَمٍ من أعلامها وأخذ عنه طُرقَ البيان، كان أستاذه الذي عني به وأبرزه لعلم الخطابة الحسينية الشيخ محسن أبو الحب وهو من الشعراء البارزين.

بتوجيه من المرجعية بادر للخطابة في مناطق متعددة كالبحرين والقطيف والإحساء وجنوب إيران، أينما حلّ تجد الفئة الشبابية ملتفة حوله، كان مغناطيساً رسالياً يجذبهم إليه، فكانوا يلمسون في ملامحه زهداً حقيقياً وصدقاً في العلاقة وإخلاصاً في تأدية رسالته.

 

عانى كثيراً من النظام البعثي في العراق ضريبة جرأته وعدم صمته عن ما لا ينبغي الصمت عليه، ولقد طاله السجن والأذى على أنه لم يتوان عن جسارته وصلابته، ولم يتراجع حتى بات مرصوداً وأصبح هدفاً وخصماً غير مرغوب فيه.

يتميز منبر الكعبي بقوة البيان وتطعيم السيرة بما يُشابهها، كذلك يتميز منبره بإبرازه للدور القرآني في الخطابة الحسينية مصحوباً بالحديث الشريف، ولا ينسى الأدب العربي وما له من قُدرة على استمالة القلوب، مؤكداً بالدرجة الأولى على حفظ القرآن والأحاديث الشريفة، لما لها من أثر على النفس والشخصية الرسالية.

 

أما صدقه وإخلاصه فهناك الكثير من الثوابت التي تؤيد هذا ومنها أنه بعد أن أنهى مجلساً حسينياً أعطاه صاحب المجلس ظرفاً فيه أجرة المجلس، وهو في طريق الخروج وبصحبته أحد المرافقين، فاستلم الظرف ودسّه في جيبه وانصرف برفقة صاحبه، أثناء مسيره في الطريق جاءه أحدهم طالباً دعماً مالياً لطارئ أصابه، فما كان منه إلا أن أخرج الظرف وناوله صاحب الحاجة، كانت الدهشة على وجه مرافقه بادية وما كان ليُخفيها دون أن يُبادره بسؤال الفضول قائلًا: كيف تعطيه الظرف دون أن تعلم بما فيه؟! ودون أن تعلم كم أعطيت؟! فكان جوابه غاية اليقين والإخلاص، قال إن الذي أعطيت لوجهه هو أعلم بكم أُعطيت وكم أعطيت.

ويتميز منبر الكعبي بغزارة البحوث التاريخية والعقائدية، وقدرته على استدرار الدمعة بنعي حدَّاء جميل وصوت هو قيثارة حزن حسينية تُشجيك أوتارها، وهو يصف الإباء الحسيني تسمعه يُجلجل بأبيات من عينية السيد حيدر الحلّي:

كيفَ يلوي علـى الدَّنيةِ جيداً

لسوى الله ما لواهُ الخضوعُ

فأبى أن يعيش إلا عزيزاً

أو تجلّى الكفاحُ وهو صريعُ

 

يتفرّد الكعبي بترتيل المقتل باسلوبٍ يضعك في صميم المعركة، وهو يسرد تفاصيل الواقعة مرتبة معززة بأراجيز البطولة والفداء، في زمان يُقارب ساعتين من الوقت جاعلاً من تلاوته تلك تلاوة يُعادُ ترتيلها في كل عام، تتنوع ألحانه في الأراجيز، ويبدع في أداء أبيات بن نصَّار بأسلوبه الخاص الذي سنَّهُ للخطباء من بعده، ولقد كان في تلاوة مقتله صوت حق يبلغ رسالته، فتسمعُ عصفاً من القوة والثبات وهو يلقي كلمات الإمام الحسين (ع) يُحاجج بها الجيش الأموي، ونبرات صوت واثقة وهو يسرد محاورات الإمام وأفراد الجيش السُفياني.

وتنخفضُ وتيرةُ صوته عند موقف الرقّة، وعند نزول الأحداث الجسام، ويكفي للمتأمل في ما يتلوه الكعبي أن يعيش واقعة عاشوراء بكل ما فيها من حيثيات ودقائق الأمور، ولا يخفى على الـمُتتبع لهذه التلاوة ما قام به الكعبي من إضافات فنية للأبيات الفصيحة والشعبية بين الحدث والآخر، وذلك من أجل كسر وتيرة السماع.

 

كثيرون هم الذين قرأوا مقتل الحسين (ع) يوم عاشوراء، إلا أنهم لم يحظوا بما حظي به الكعبي، باعتقادي أنّ الإخلاص هو العنصر الأكبر في عمله هذا، وهذا ما جعله مخلداً، فالله يرفع أعمال المخلصين ويتقبلها منهم ويقبل بقلوب الناس إليها ويذيعها فيهم، للشيخ الكعبي رحمة الله عليه ديوان شعر (دموع الأسى) لكنه لم يُطبع بعد إلا أنه مقل في هذا الجانب.

وأخيراً عندما ضاق النظام البعثي به ذرعاً باتت وسيلة الغدر طريقة للتخلص من الشيخ الكعبي، ... فدسّت له السم يدٌ أثيمة أثناء تواجده في حرم أبي الفضل العبّاس (ع)، ولم يتمكن من إتمام مجلسه لسقوطه متأثراً بالسم من المنبر، ولقد انتقل إلى جوار ربه أثناء نقله إلى المستشفى، بعد أن أدّى دوراً تبليغياً حسينياً منبرياً في ما يُقارب خمسة عقود متواصلة.

إلى رضوان الله، نسأل الله أن يُلحقك وفي بحبوحة جنانه يُسكنك، وعند محمّد وآل محمّدٍ يحشرك، ومن كأس الكوثر يسقيك وبشفاعة الحسين (ع) يدثرك، وبرؤية جميل ما أخلصت به يمتعك.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد