مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

العوامل الدّاعية إلى حبّ النبي (ص)

لم يكن أمر اللّه سبحانه بحبّ النبيّ أمراً اعتباطياً بل كان لأجل وجود عوامل اقتضت البعث إلى حُبّه والحث على مودته نشير إلى بعضها:

1- إنّ الإيمان إذا نضج في قرارة الإنسان، واعتقد بنبوة الرسول - صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم - وأدرك أنَّ سعادته تكمُن في ما جاء به أصبح حبه للنبيّ في قلبه أشدّ من حبه لأبنائه وآبائه فضلاً عن إخوانه وعشيرته، لأنّه يشعر بقوة الإيمان ونوره أنّه سعد بالنبي الأكرم، ونجا من الشقاء ببركته وفضله، فعندئذ يتفانى في حبّه ويتهالك في وُدّه، فيكون الحث على حبّ النبيّ استجابة لهذه الرغبة النفسية السليمة المنطقية، وتأكيداً لها.

2- صلة النبيّ الوثيقة باللّه سبحانه وارتباطه بخالق الكون، فيكون الحث على حبّ النبيّ وإضمار المودّة له تقديراً لهذه العلاقة وتثميناً لهذه الصلة المقدسة بالخالق.

3- ما فاق به على جميع الناس من مناقب وفضائل وما يحمله بين جوانحه من محاسن الأخلاق ومحامدها.

4- سعيه الحثيث في هداية الأمّة بحيث كان يبذل جهداً كبيراً في هداية أمّته إلى حدّ التضحية براحته بل بنفسه، وكان يُصيبه الحزن الشديد إذا رأى إعراضهم عن رسالته ولأجل ذلك نزل الذكر الحكيم يُسلّيه بقوله: (فَلَعلَّكَ باخِعٌ نَفسكَ على ءَاثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُوَمِنُوا بهذا الحَديثِ أَسَفَا).

 

وقال عزَّ من قائل: (فَلا تَذْهَبْ نَفسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرات إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ).

إنَّ النبي كاد أن يُهلك نفسه أسفاً على الذين يُفضّلون الضلالة على الهدى، ويُعرضون عن الهداية والرشاد، أوَليس هذا مُستحقاً لأن تحبّه القلوب وتودّه الأفئدة؟

أوَليس هذا التأسّف دليلاً على رحمة هذا النبي بالناس، وحبه العميق للبشرية، وهل يمتلك القلب إن كان سوياً إلاّ أن يبادل النبيّ العطوف الخلص، الحبَ والمودَّة؟

ولقد انعكس حُبُّه للأمّة وتفانيه في الهداية والإرشاد، في غير واحدة من الآيات نعرض بعضها قال سبحانه: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَليظَ القَلْبِ لانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ في الأمْر).

وقد بلغ حسن خلقه وكرامة نفسه إلى حدّ يصفه القرآن الكريم بالعظمة ويقول: (وَإنَّ لَكَ لأجْراً غَيْرَ مَمْنُونِ * وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم).

 

وهذا هو البوصيري يعكس مضمون الآية في قصيدته المعروفة:

فاق النبيّين في خَلقٍ وفي خُلُقٍ

ولم يُدانُوه في علمٍ ولا كَرَمِ

أكْرِم بِخَلق نبيٍ زانه خُلُقٌ

بِالحُسن مُشتَمِلٌ بالبِشرِ مُتَّسِمِ

وهل يمكن للنفس أن لا تعشق رسول اللّه – صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم - عشقاً جمّاً وهو الشفيع الأكبر يوم القيامة وقد أعطاه اللّه تعالى تلك المنزلة الرفيعة إذ قال: (وللآخِرةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ الأولى * وَلَسْوفَ يُعْطِيكَ رَبُكَ فَتَرْضى).

وقد فُسّرت في غير واحد من الأحاديث بمقام الشفاعة.

 

وهل يرضى – صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم - وهو نبيّ الرحمة ببقاء مؤمن به في النار بل ودخوله فيها إلاّ إذا كان مقطوع الصلة باللّه تعالى ورسوله بسبب الموبقات؟

أم هل يمكن للنفس أن لا تحب ذلك النبي الكريم الرؤوف الرحيم بأمّته، الحريص على هدايتهم بنص القرآن الكريم إذ يقول عزَّ وجلّ: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ بالموَمِنينَ رَءُوفٌ رَحِيم).

ثمَّ إنَّ للشيخ العلاّمة: محمّد الفقي أحد الأزهريين كلاماً في مكانة النبي نأتي بنصّه:

 

مكانة النبيّ وعلوّ كعبه عند ربّه:

وقد شرّف اللّه تعالى نبيّه بأسمى آيات التشريف، وكرَّمه بأكمل وأعلى آيات التكريم، فأسبغ عليه نعمه ظاهرةً وباطنةً، فذكر منزلته منه جلَّ شأنه حيّاً وميتاً في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ وملائكَتهُ يُصَلّونَ عَلَى النَبِيّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيماً).

فأيّ تشريف أرفع وأعظم من صلاته سبحانه وتعالى هو وملائكته عليه؟

وأيّ تكريم أسمى بعد ذلك من دعوة عباده وأمره لهم بالصلاة والسلام عليه؟

ولم يقف تقدير اللّه تعالى عند هذا التقدير الرّائع بل هناك ما يدعو إلى الإعجاب ويلفت الأنظار إلى تعظيمٍ على جانب من الأهمية.

 

ألم تر في قوله تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون) ما يأخذ بالألباب ويدهش العقول فقد أقسم سبحانه وتعالى بحياة نبيّه في هذه الآية، وما سمعت أنّه تعالى أقسم بحياة أحد غيره.

والقرآن الكريم تفيض آياته بسمو مقامه، وتوحي بعلوّ قدره وجميل ذكره، فقد جعل طاعته طاعةً له سبحانه إذ قال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ).

وعلَّق حبَّه تعالى لعباده على اتّباعه فيما بعث به وأرسل للعالمين إذ يقول سبحانه: (قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُونَ اللّهَ فَاتَبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

وممّا يدلّ على مبلغ تقديره ومدى محبّة اللّه وتشريفه لرسوله – صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم - قوله تعالى: (وإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبيينَ لَما ءَاتَيتُكُمْ مِن كِتابٍ وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُوَمِنُنَّ بِه وَلَتَنْصُرُنَّهُ...).

وقد قال علي – عليه ‌السلام-: لم يبعث اللّه نبياً من آدم فمن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمّد، لَئِن بُعِثَ وهوَ حيٌ لَيُوَمِنَنَّ به ولينصرنَّه ويأخذ العهد.

 

وتتحدث آية أخرى عن مدى ذلك التقدير والجلال فتقول: (يا أَيُّها النَّبِيّ إنّا أَرْسَلْنَاكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنذِيراً * وداعياً إلى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجَاً مُنِيرَاً).

إنَّ هذه الآية في روعتها لتتكلم بأجلى بيان عن أروع ما يتصوّره بشر في هذه الحياة من عظمةٍ وإكبارٍ وتقديرٍ لذاته – صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم - وتعبّر عن الموهبة الربانيّة والعطيةِ الإلهية التي لم يتمتع بها نبيٌ ولا رسولٌ قبله.

وهناك نواحٍ أخرى بعيدة المدى تنطق بسمّوِ منزلته، وبالغ قدره وتوجّه الثقلين إلى مبلغ تعظيم اللّه تعالى له ويتحدث به قوله تعالى: (يَا أَيّها الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوقَ صَوتِ النَّبيّ وَلا تَجهَرُوا لَهُ بالقَولِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالكُمْ وأَنْتُمْ لا تَشْعُرُون).

وقوله تعالى: (إنَّ الَّذينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلْتَقْوى).

وقوله تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً...) فأيّ إجلال أبلغ من هذا وأيّ تقدير أروع من هذا التقدير؟

وهل نال بشرٌ في هذا الوجود مثل ما نال هذا النبيُّ العظيم الذي يصفه مولاه بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم).

وهذه الآيات تدعو المؤمنين إلى توقيره وتعظيمه حال مخاطبته.

 

ولست أقف بك عند هذه الروائع والـمُثل العليا التي يمتاز بها هذا النبيّ العظيم والرسول الصادق الأمين ولكنّي أُحدثك عن شؤون أخرى لها خطرها في التقدير والتعظيم، وتتجلّى فيها مكانته ومقامه، قال سبحانه: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِن أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتّم حَريصٌ عَليكُم بالمُوْمِنينَ رَءُوفٌ رَحِيم). ففيه أروع وصف من أوصافه تعالى (رؤوف رحيم) وأبلغ نعت يقرّره له مولاه، فإنّ هذين الوصفين ممّا اتّصف به سبحانه وتعالى من جلائل الأوصاف.

وقد بلغت مكانته عند اللّه سبحانه إلى حد لا يأخذ أُمّته بمعاصيها وذنوبها ما دام هو فيهم يقول سبحانه: (وَما كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم ومَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون).

فأيّ كرامة أولى وأعظم من معجزته الخالدة الباقية ما بقيت الشمس وضحاها؟

وأية رحلة تاريخية قام بها أكبر من رحلته التاريخية التي نص بها القرآن الكريم وقال: (سُبْحانَ الذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إلى المَسْجِدِ الاَقْصى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ...).

وقد تضافرت الروايات على أنّ جبرئيل كان يلازمه من مكّة إلى بيت المقدس فهذه الملازمة أكبر مظهر من مظاهر الشرف والفخار وأسمى آية من آيات التقدير للرسول الأعظم في حياة الأمم وتاريخها.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد