استحالة رؤية الله في الدنيا والآخرة:
فيما ذهبت بعض الفرق الإسلامية إلى أن الله سبحانه يراه المؤمنون في يوم القيامة عيانًا، ويرونه في هذه الدنيا في المنام، تؤكد الإمامية استحالة ذلك في الدنيا والآخرة، حقيقة أو في عالم الرؤيا، وتتمسك بما جاء في القرآن {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[1] وقوله تعالى مخاطبًا نبيّه موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي}[2] وقد تكاثرت الأحاديث عن المعصومين في امتناع هذا الأمر، سواء كان على الأنبياء العظام أو غيرهم!
كذلك فإنه يمتنع وصف الخالق بحق صفته، وتمامها مهما أوتي من البلاغة والفصاحة، وجهة ذلك واضحة؛ فإن الوصف التام هو نوع إحاطة والإحاطة به تستلزم المحدودية، والله سبحانه غير محدود، ولعله إلى مثل هذا تكون إشارة أمير المؤمنين عليه السلام بقوله «ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود» وكذلك يمتنع على الإنسان صفته لجهة أخرى وهي أنه لكي تصف شيئًا فلا بد من رؤيته أو على الأقل تصوره «والإحاطة به ذهنيًّا» فلو أردت أن تصف نخلة فإما أن تراها ثم تأتي بأوصافها أو على الأقل يكون لديك تصور عنها وإنها مماذا تتركب فتصفها بناء على هذا التصور الذهني الموجود لديك عنها.
فإذا كانت رؤية البشر لله ممتنعة على أبصارهم.. فكيف يتم وصفه؟! وهكذا إذا لم يمكن (تصور) الله فكيف يمكن وصفه؟ وذلك أن ما يتصوره الإنسان ومنه ما يزعم بعضهم أنه رأى ربه في المنام لا يرتبط بالله تعالى، فهذه الصورة مخلوقة للإنسان بينما الله هو الخالق.
وهذا ما تشير له الفقرة الثالثة من كلامها عليها السلام «الممتنع من الأوهام كيفيته». وقد يؤيد هذا الكلام ما نقله في البحار عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله «كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم.. ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله تعالى زبانيتين فإن ذلك كمالها ويتوهم أن عدمها نقصان لمن لا يتصف بهما»[3].
وبهذه الكلمات فالزهراء عليها السلام تنفي إمكانية الرؤية العيانية لله تعالى في الدنيا أو الآخرة، يقظة أو منامًا، بل تنفي كل نوع من أنواع الإحاطة اللفظية بالتوصيف أو الوهمية بتشكيل الصور.
وبالتالي فإن ما جاء في كتب بعض المسلمين من أن الله يُرى يوم القيامة وأنه يكشف عن ساقه! ليتعرف عليه المؤمنون، ولا أعلم لماذا الساق فهل رأيت أحدًا يُعرف من ساقه؟ وأنهم عندما ينكرونه يكشف عنها فيخرون سجدًا.. إلى آخر ما قيل[4]، لا يمكن قبوله مع تصريح سيدة النساء بخلافه، والملفت للنظر أن أحدًا من الحاضرين الذين خطبت فيهم وهم جمهور المهاجرين والأنصار لم يعترض عليها في ذلك!.
وهذا النمط من الحديث والفكر هو أحد الأدلة التي تثبت صحة انتساب هذه الخطبة للسيدة فاطمة وإلا فمن يستطيع أن يتكلم بهذا النحو من الدقة والعمق؟.
ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها وصورها بلا احتذاء أمثلة امتثلها:
ثم تقول ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وقد ورد هذا التعبير في كلام أمير المؤمنين[5] والإمام الرضا عليهما السلام، فلم يكن هناك شيء يحتاجه ربنا ليخلق منه الأشياء وإلا لكان ذلك الشيء قديـمًا مع الخالق!، لاحظوا أيها الأحبة أن صنع الإنسان رهين ثلاثة أمور:
الأول: الغاية والسبب.
الثاني: المادة.
الثالث: المثال.
فلنفترض أنك تريد أن تبني بيتًا فالأمر الأول: تحتاج إلى سبب، لماذا تريد أن تبني هذا البيت؟ تريده لتسكن فيه، الأمر الثاني: المادة وهي المواد اللازمة للبناء، الأمر الثالث: الحاجة للمثال أو نموذج للبناء.
الله سبحانه وتعالى حين ابتدع الخلق لم يحتج لهذه الأمور لابتداء الخلق فهو لا ينتظر فائدة من الخلق ولا يحتاج إلى مادة يخلق بها الخلق ولا يحتاج إلى مثال، هذا ما تعنيه الزهراء عليها السلام بهذه الأسطر ابتدع الأشياء، ابتدع: أنشأ من غير سابقة، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها فلا يحتاج الله إلى شيء ليخلق شيئًا آخر، إذ الاحتياج نقص وعجز ينزه عنه الله تعالى.
ولا كان يحتاج إلى هذا الخلق في خلقه إياهم، وإنما كان السبب في ذلك: المنة على الخلائق بخلقهم والتحنن عليهم بالإنعام، وظهور حكمته في تمام نعمته عليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). الأنعام:103
(2). الأعراف: 143 وهذا الطلب لم يكن من نبي الله موسى وإنما كان بتعلل اليهود المكذبين له، وأنه إن كان صادقًا في أنه يوحى إليه فـ {أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَة} وبحسب ما ورد في الروايات فإن نبي الله موسى استكثر هذا الطلب وعده جرأة وتجاوزًا، فأوحى إليه ربه أن يسأله ما طلبوا فلن يحاسبه بسؤالهم، وذلك لكي يثبت هذا المعنى (لن تراني) ويردفه بحادثة الصاعقة حتى يبقى وقعها في الأذهان وأن ذلك من الأمور الممتنعة والمستحيلة.
(3). المجلسي، بحار الأنوار٦٦/ ٢٩٥/ ولم أجده في مصدر من المصادر الحديثية الأساسية.
(4). الألباني، ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ٢/١٢٦: أنهم سألوا رسول الله ﷺ: هل نرى ربنا عز وجل يوم القيامة؟ قال: «هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر صحوًا ليس فيها سحاب؟» قالوا: لا. قال: «فإنكم لا تضامون في رؤية أحدهما. فإذا كان يوم القيامة نودي ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد شيئًا إلا تبعه، حتى لا يبقى إلا المؤمنون، فيأتيهم الله عز وجل» فيقول: «أنا ربكم» فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا. فيقول: «هل بينكم وبينه آية؟» فيقولون: نعم. «يكشف عن ساق»، فلا يبقى أحد ممن كان يعبد الله عز وجل إلا خر له ساجدًا». أقول: فيه ما سبق ذكره من استحالة الرؤية وأنه ماذا يعني أن تكون علامة الله التي يعرفها عباده هي ساقه؟ فمتى رأوها في السابق حتى إذا رأوها في القيامة يميزونها؟ وكيف يأتيهم الله؟ هل يكون في مكان فيخلو منه سائر الأمكنة؟
(5). الصدوق ابن بابويه، التوحيد، ص 41: الحمد للّه الواحد الأحد الصّمد المتفرد الذي لا من شيء كان، ولا من شيء خلق ما كان.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان