مقالات

السير نحو مكارم الأخلاق

الإمام الخامنئي "دام ظلّه"

 

قد يتمتع مجتمع بأناس متفكّرين وعقلاء ومن أهل الصفح والخير والإحسان والتعاون، من أهل الصبر والحلم عند النوائب والشدائد وذوي أخلاق حسنة في التعامل ومن المضحّين، فهذا مجتمع إسلامي .

 

وقد لا يتمتّع مجتمع بأناس يتحلّون بهذه الصفات، كأن لا تكون علاقاتهم مبنيّة على التراحم والمروءة والإنصاف والأخلاق الحسنة، بل على الاستغلال، فيقبل أحدهم الآخر ما دام يوافق مصالحه وإلّا فمستعد للقضاء عليه، فهذا مجتمع جاهلي(1) .

 

الحاجة للأخلاق :

 

علينا أن ندعو الناس إلى الأخلاق الفاضلة مثل الإيثار، الرحمة، المحبّة، الصبر والاستقامة في المهمات، والحلم، وكظم الغيظ، وعدم الخيانة، والأمانة وعدم الكيد للآخرين .

 

فالناس دائمًا بحاجة إلى هذه القيم، ولا يمكن أن نفرض أنّ الناس يمكنهم الاستغناء عن هذه الأمور في وقت من الأوقات. وإذا افتقد المجتمع القيم الأخلاقيّة هذه، فسيصبح مجتمعًا غير صالح حتّى وإن استطاع أن يصل إلى أعلى مدارج الرقي .

 

ومثل هذا المجتمع لا يطاق أبدًا، وهذا ما نراه اليوم في بعض المجتمعات الغربية، هذه المجتمعات نجدها قد وصلت إلى مستوى عال من حيث العلم والمدنيّة والثروة، ولكن الحياة فيها جحيم لا يطاق .

 

في أمريكا هناك بعض المناطق الّتي يتعسّر العيش فيها، الإنسان في تلك المناطق لا أمان له مطلقًا، فلا يأمن على ماله ولا على عرضه ولا على حياته .

 

الشباب هناك لا يأمنون على حياتهم فهم دائمًا معرّضون لمختلف الضغوطات النفسيّة والعصبيّة والّتي تؤثّر وبشدّة على نفسيّاتهم وأرواحهم. هذا ما هو موجود بالفعل في إنجلترا وأمريكا وغيرها من الدول. هم يمتلكون كلّ شيء إلّا أنهم يفتقدون إلى الحياة، وإلى السعادة. والسؤال لماذا؟

 

نقول لأنّ الأخلاق لم تواكب المدنيّة في حركتها التطوّرية المطّردة .الإنسان في المجتمعات الغربيّة يفتخر لكونه يسعى للحصول على المال والثروة .أمّا في المجتمعات الّتي تحكمها المعنويات، فلا يوجد هناك أيّ مدعاة للتفاخر في مجال المادة والثروة؛ لأنّ الوحوش الحيوانيّة هي الأخرى أحدها يفترس الآخر؛ لتبقى على قيد الحياة وتشبع بطنها. فما الداعي للتفاخر والتباهي، الافتخار هو أن يفتخر الإنسان بسعيه للحصول على الفضائل الأخلاقيّة، أن يفتخر بمساعدته للآخرين، بأن يفدي نفسه من أجل الآخرين. وهؤلاء الغربيون لا يرون في كلّ هذه القيم ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز. وإذا رأوا من يفخر بهذه الأمور، يسخرون منه ويعتبرونه إنسانًا ساذجًا .

 

إذن الأخلاق يحتاج إليها في كلّ مكان وفي كلّ زمان ولا يمكن الاستغناء عنها بأيّ حال من الأحوال . ومن الأمور الّتي يحتاجها دائمًا الإنسان المؤمن صاحب الأخلاق هو الوعي السياسي، ولا بدّ للشعب من أن يمتلك التحليل الصحيح والذهنيّة السياسيّة الواعية حتّى لا ينخدع. فالإذاعات الأجنبيّة تسعى إلى إدخال ما تنسجه من أكاذيب وأقاويل إلى أذهان الشعب وبطرق محبّبة، بحيث أنّ كلّ من يستمع إلى هذه الإذاعات لا بدّ وأن يتصوّر نسبة من الصحة وإن كانت قليلة (30 % أو 50 %)، في حين أنّ بعض الأخبار تكون كلّها كذبًا وافتراءً 100  %

 

ولكنّهم يبثّونها بالصورة الّتي لا يعلم كذبها. وقد يكون الخبر صحيحًا، ولكنّهم لا يقصدون الخبر بحدّ ذاته وإنّما يهدفون من وراء الخبر إيصال كلمة لها دلالتها الخاصة ضمن كلمات الخبر، أي أنّهم يريدون من وراء الخبر تفهيم كلمة معيّنة لها أثرها لدى السذّج من الناس الّذين لا يمتلكون قدرة تحليلية للأخبار .

 

ومن هنا بات من الضروري أن يزوّد المؤمن بالتحليل الصحيح كي لا تؤثّر هذه الأساليب الخبيثة فيهم، لأنّه بالتحليل الصحيح يمكن أن نكتشف الزيف والخداع الّذي تمارسه هذه الإذاعات. إذن الوعي السياسي والتحليل السياسي أيضًا من الأمور الّتي نحتاجها في عملية التهذيب والسلوك .

 

وعلى أيّة حال لا بدّ من التأكيد على الجوانب المعنويّة، على الدعاء والتضرّع.... كما أنّه ينبغي التأكيد والتواصي على الجوانب الأخلاقيّة والتزكية والتهذيب، وهذه الجوانب نحتاجها في كلّ مكان وزمان، ولا يمكن تحديدها بزمان أو مكان معيّن ولا يمكن الاستغناء عنها .

 

كما أنّ تبيين الحقائق الّتي من شأنها أن تكرّس حالة الوعي لدى الإنسان المؤمن وتزيد من مقدرته على استيعاب القضايا والمسائل السياسية أيضًا لا يمكن الاستغناء عنها في كلّ الأحوال لتأثيرها على سلوكية الإنسان العامة (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من كلمة ألقاها في 27 رجب 1415 هـ

(2) من كلمة ألقاها بتاريخ 23 شعبان 1415 هـ

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد