فجر الجمعة

الشيخ أحمد الفردان: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا

ألقى سماحة الشيخ أحمد الفردان خطبة الجمعة، 16-8-2024 في مسجد الخضر (ع) بالربيعية، وفيها تناول موضوعًا بعنوان: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" تحدّث فيها حول شجاعة الإمامين الحسنين عليهما السّلام في السّلم والحرب، مؤكّدًا أنّ ما قاما به كان بحسب الظّروف التي تحتّم خيار الحرب أو السلم
 

السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي لا يُبلغ مدحته القائلون، ولا يُحصي نعماءه العادّون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، حمداً دائماً لا ينقطع أبداً، ولا يُحصي له الخلائق عدداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن حبيبه المجتبى وأمينه المرتضى المحمود الأحمد المصطفى الأمجد أبا القاسم محمد صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، الخاتم لما سبق، والفاتح لما غُلِق، والمعلن الحق بالحق. فصلّى الله عليه وآله صلاة لا حدّ لعددها، ولا منتهى لأمدها. عباد الله، أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة الآملين الراجين رحمة الله، وثقة الفارين اللاجئين إلى عفو الله. فاستشعروا بها القلوب، وتزودوا بها إلى يوم الورود، لتفوزوا بما وعد الله به عباده المتقين، إذ قال وقوله الحق ووعده الصدق: "مثل الجنة التي وُعد المتقون تجري من تحتها الأنهار، أكلها دائم وظلها، تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار". جعلنا الله وإياكم من عباده المتقين.

أيها الإخوة والأخوات، ما زلنا نعيش في رحاب مولانا أبي محمد الحسن بن علي المجتبى صلوات الله وسلامه عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا". رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا النص يشير إلى تسنم الحسنين صلوات الله وسلامه عليهما سدة الإمامة والخلافة الإلهية، بمعنى أنه إذا كان الحسن إمامًا فهو خليفة الله في الأرض، وهو يتحلى بكل الكمالات الإنسانية والكرامات الربانية. بالرغم مما صدر عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في حق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه من بيانات تشيد به وتعظمه وتجله، سواء بالاشتراك مع أخيه الحسين، مثل "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، و"الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا"، أو ما اختصه به من كلمات، مثل قوله له: "لك هيبتي وسؤددي"، وقال: "إن ابني هذا سيد"، وغير هذه البيانات التي صدرت من رسول الله صلى الله عليه وآله في حق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه. بالرغم من كل هذه البيانات التي تشير إلى تسلم الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه للإمامة والخلافة الإلهية والكمالات الإنسانية التي لا يحوزها إلا الأوحد من الناس، بالرغم من كل ذلك إلا أنك تجد بعض الأقلام في تقييمها للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه تجحف وتظلم هذه الشخصية العظيمة، سواء جهلاً بمقام الإمام سلام الله عليه، أو تقليلاً لمقام الإمام الحسن سلام الله عليه، أو اتباعاً وتقليداً لكتابات أخرى، مثل كتابات المستشرقين. المستشرق هو الغربي الذي يدرس تاريخ الإسلام بناءً على معلومات سابقة وبناءً على أرضية محدودة عنده، فيقيم الشخصية أو الحدث بناءً على ما يملكه من معلومات محدودة. وبالتالي، فإن أتباع هؤلاء، سواء كانوا مسلمين أو شيعة، يقيمون شخصية الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه على أنها شخصية مسالمة، محبة للراحة، محبة للدعة، وأنه لم يكن شجاعًا كما كان آباؤه، ولم يكن شجاعًا كأخيه الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فالحسين أفضل من الحسن بناءً على هذا التقييم، لأن الحسين ثار ضد بني أمية، أما الحسن فقد سالم وصالح ووادع بني أمية.

هذه الصورة الضيقة والمحدودة التي أخذها هؤلاء عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه، إنما أُخذت من موقف واحد للإمام الحسن سلام الله عليه، وهو صلحه مع معاوية. يقيمون شخصية الحسن بناءً على هذا الموقف الضيق، يأخذون هذه الجزئية الصغيرة من حياة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه، فيقيمون شخصيته العظيمة بناءً على ذلك.

ما رأينا في هذا التقييم؟ قلنا هذا التقييم مجحف وظالم في حق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه. كيف نرد على هذا التقييم المجحف والظالم في حقه سلام الله عليه؟ بالإشارة إلى بعض الحقائق إن وسعنا الوقت في ذلك.

 

الحقيقة الأولى: التأصيل الفقهي والتنظير الشرعي في النظر إلى الحرب والسلم

كيف ينظر الإسلام إلى الحرب والسلم؟ أيهما القاعدة وأيهما الاستثناء؟ من هو المقدم على الآخر؟ هل الحرب هي المقدمة وهي القاعدة والأساس، والسلم والصلح هو الاستثناء؟ أم العكس؟ السلم والصلح هو القاعدة والأساس والمقدم، والحرب هي الاستثناء؟ أيهما يقدمه الإسلام؟ في تقديمه لأحد هذين الأمرين، ينظر الإسلام إلى ضابط وهو المصلحة العامة، بناءً على قاعدة فقهية تُسمى قاعدة التزاحم، تقديم الأهم على المهم. إذا اقتضى تحقيق الأهم مقدمات محرمة، فالأهم هو الوصول إلى هذا الأمر الضروري والمهم. يعطون مثالاً على ذلك، وهو إذا رأيت غريقًا في الماء ولكن لا تستطيع إنقاذه إلا باجتياز أرض ليست ملكًا لك، أي أنك تجتاز أرضًا بدون إذن صاحبها، لا يجوز التصرف في أملاك الغير. هل يجوز التصرف؟ لا يجوز اجتياز هذه الأرض في الوضع العادي، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذن، ولكن لأن إنقاذ روح هذا الغريق، يتطلب اجتياز هذه الأرض المحرمة اجتيازها، فهنا الأهم هو إنقاذ ذلك الغريق، وإن كانت المقدمات محرمة.

فالإسلام يقدم الحرب أو يقدم السلم بناءً على المصلحة العامة. ما هي المصلحة العامة؟ ما الذي يهدف إليه الإسلام؟ الإسلام يهدف إلى حفظ النفوس، الإسلام يهدف إلى توفير الأمن والسلام للناس، إلى حقن دماء الناس، إلى رعاية ومراعاة حقوق الناس. هذا ما يهدف إليه الإسلام. فأي من هذين الأمرين، الحرب أو السلم، يحقق هذا الهدف فهو المقدم. ولهذا نجد سيرة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم ساروا على هذا الأمر. رسول الله صلى الله عليه وآله حينما كانت الحرب هي التي تخدم الهدف حارب: معركة بدر، معركة أحد، حنين، الأحزاب وغيرها من المعارك. حارب رسول الله صلى الله عليه وآله، وحينما كان السلم هو الذي يخدم الهدف والصلح، صالح رسول الله صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية. أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه حينما كان السلم والمسالمة هي التي تخدم الهدف سالم. أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول: "لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة". بكل شجاعة، حارب في معركة الجمل وصفين والنهروان.

كذلك الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه. الإمام الحسن عليه السلام لم يكن جباناً قط، ولم يكن دون أخيه الحسين في الشجاعة أبداً. وقد روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج أن أمير المؤمنين سلام الله عليه رأى ابنيه الحسنين وهما يخوضان الحرب دون خوف في الصفوف الأولى، فخاطب أصحابه قائلاً: "املكوا عني هذين الغلامين"، يعني رأى الإمام الحسن عليه السلام بكل شجاعة وبكل جرأة لا يهاب أحداً في الصفوف الأولى يقتحم الأعداء، فقال: "املكوا عني هذين الغلامين فإني أنفس بهما عن الموت لكي لا ينقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله". ثم لما استشهد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، خطب الإمام الحسن عليه السلام في الناس، وبأسلوبه وتخطيطه جهز جيشاً قوامه 40,000 لمواجهة معاوية. قدم هذا الجيش بقيادة عبيد الله بن العباس، وفيه صناديد أصحاب الإمام مثل قيس بن سعد بن عبادة، حبيب بن مظاهر الأسدي، وغيرهم من أبطال أصحاب الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه.

إذاً، الإمام استعد لاستئصال شأفة معاوية بجيش قوي. ما طبيعة هذا الجيش؟ الشيخ المفيد أعلى الله مقامه في "الإرشاد" يقول: "واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه". ولكن بأسلوبه وتخطيطه، جهز هذا الجيش الأربعيني. قال ثم خف معه أخلاط من الناس، أي متنوعين، هؤلاء الناس متنوعون في التوجهات، متنوعون في الأهواء والأفكار والخطوط. ليسوا على خط واحد، ليسوا على توجه واحد، كما يُعبّرون. لم يكن الجيش جيشاً عقائدياً على دين قائده، وإنما أهواء مختلفة. يقول الشيخ: "بعضهم شيعة له ولأبيه عليهما السلام، وبعضهم محكمة"، المحكمة يعني الخوارج، الخوارج نسبة إلى قضية التحكيم في معركة صفين سُموا بالمحكمة. يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة. هنا الشيخ المفيد يجيب عن هذا السؤال: إذا كان الخوارج قد حاربوا علياً عليه السلام في معركة النهروان، والحسن كان مع أبيه أمير المؤمنين في معركة النهروان، يعني حارب الخوارج، فكيف يقولون إن الخوارج كانوا في جيش الحسن؟ كيف يذكرون الخوارج من ضمن الفئات الموجودة في جيش الحسن؟ الشيخ المفيد يجيب على هذا: يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة. هم هدفهم قتال معاوية بأي صورة كانت. الذي يقاتل معاوية فهم معه، حتى لو كان الحسن عليه السلام. وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، يعني المعنى الذي يُعبّر عنه بالجانب الأموي في جيش الحسن الذي أرسله إلى معاوية. إن شئت قبضنا على الحسن وسلمناه إليك. وبعضهم شكاك، لا يعرفون الحق ممن هو والباطل ممن هو. وبعضهم أصحاب عصبية، اتبعوا رؤساء قبائلهم، لا يرجعون إلى دين. رئيس القبيلة كيف هو توجهه؟ مع الحسن يكونون معه، مع غيره يكونون معه. هذه صفة جيش الإمام الحسن سلام الله عليه. هذا الجيش الذي بهذه العدة وبهذا العتاد، معاوية عرف هذه النفسيات وعرف كيف يتصرف، بالترغيب، ترغيب رؤساء القبائل، ترغيب بعض قادة جيش الإمام الحسن، حتى انفصلوا عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه.

الإمام صلوات الله وسلامه عليه لما رأى تفرق هذا الجيش، طبعاً، يروي ابن الأثير في "الكامل" لما سلم الحسن الأمر إلى معاوية، قيل لما سلم الحسن الأمر إلى معاوية، إنما سلم الحسن الأمر إلى معاوية لأنه لما راسله معاوية في تسليم الخلافة، خطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أنا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين، قتيلاً بصفين تبكون عليه أو تبكون له، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأره، أما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر. ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة". الإمام ابتُلي، يوضح لهم الرؤية وما هو عازم عليه: "فإن أردتم الموت واصلوا معي الحرب، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بضرب السيوف". بكل شجاعة، الإمام صلوات الله وسلامه عليه. "وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا". فما سمع الإمام سلام الله عليه منهم، يقول: "فناداه الناس من كل جانب: البقية، البقية! وأمروا الصلح". وبالتالي، بناءً على هذا، الإمام صلوات الله وسلامه عليه أمضى الصلح لأنه رأى تخاذل هذا الجيش المتفكك، كثير الأهواء، متعدد الآراء ومختلف الخطوط. وبالتالي، الإمام صلوات الله وسلامه عليه وضح سبب ما قام به من صلح مع معاوية. قال لمالك بن ضمرة لما عاتبه على الصلح: "خشيت أن تجتثوا عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين في الأرض ناعي". وقال لأبي سعيد لما سأله عن علة الصلح: "لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قُتل".

الإمام صلوات الله وسلامه عليه يبين أن هذا الصلح إنما هو بحسب الظرف الذي مر فيه الإمام صلوات الله وسلامه عليه. وطبعاً لا يمكن مساواة الإمام الحسن بالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليهما، لأن الظرف في زمان الإمام الحسن سلام الله عليه كان يستدعي الصلح لحفظ الدماء. أما لو قُتل معاوية الحسن وجميع من معه، سوف يُلام الإمام ولن يُعذر فيما قام به، حتى وإن كان إماماً. أما الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فالأمر فيه يختلف. ثم من يفضل الإمام الحسين على الإمام الحسن؟ أيضاً، الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، منذ بداية سنة 61 هجري، كانت نهضته خلال ستة أشهر تقريبًا. أما حين تسلم زمام الإمامة بعد أخيه، كان الإمام الحسين مسالماً طوال مدة إمامته، وكانوا يدعونه إلى النهوض والثورة ضد معاوية وكان الإمام سلام الله عليه يخبرهم أنه سائر على نهج أخيه. بهذه الملاحظة نرى أن الإمام طوال فترة إمامته كان مسالماً، مصالحاً، وماضياً في الصلح مع معاوية إلى أن تغيرت الظروف واستدعت الأمر. إذًا، لما كان السلم يخدم الهدف، الحسين سالم، ولما كانت الحرب هي التي تخدم الهدف، حارب الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه.

إذاً بالتالي، هنا لا تجد أفضلية بين الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم، خصوصاً بحسب ما عبر الشهيد الصدر أعلى الله مقامه: أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف. نعم، المواقف التي اتخذها الأئمة عليهم السلام كانت مختلفة، متعددة، متنوعة: أمير المؤمنين عليه السلام حارب ثم سالم، الحسن يجهز الجيش ثم يسالم، الحسين يسالم ثم يحارب، زين العابدين مثلًا له دور مختلف، الصادقان نشرا العلم، الإمام الكاظم مثلًا يدير شؤون الأمة من غياهب السجون، والإمام الرضا يقبل بولاية العهد. تعدد أدوار، ولكن هدفهم واحد. كما عبر أحد علمائنا، الأئمة عليهم السلام هم إنسان له 250 عاماً. الأئمة من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه إلى الإمام العسكري، 250 عامًا، كل إمام له دوره المختلف ولكن هدفه واحد. الهدف ما هو؟ هو إقامة الحكومة الإلهية العادلة التي سوف تُنشر على وجه الأرض في آخر الزمان على يد إمامنا ومولانا صاحب العصر والزمان.

هذه حقيقة من الحقائق التي لابد من إدراكها ووعيها من قبل من يبحث في شخصية الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه.

 

الحقيقة الثانية: النظرة إلى الرسالة والخلافة

كيف ينظر الإمام الحسن إلى الخلافة والرسالة؟ وكيف ينظر معاوية إلى الرسالة؟ أو لنعمّم: كيف ينظر أهل البيت عليهم السلام إلى الرسالة؟ وكيف ينظر بنو أمية إلى الرسالة؟ أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ينظرون إلى الرسالة على أنها النظام الأصلح لتنظيم حياة البشرية، ولهذا لابد من الحفاظ عليها ولابد من استمرارها. هذا ما ينظر إليه أهل البيت. أما ما ينظر إليه بنو أمية إلى الرسالة، كيف هي الرسالة؟ كيف هي الخلافة والإمامة؟ فينظرون إليها على أنها ملك وزعامة ومختصة بهم. نعطي أمثلة وشواهد على ذلك:

أبو سفيان رأس بني أمية في فتح مكة لما دخل جيش المسلمين مكة. طبعًا، كانوا قلة، لكن الآن ازداد عددهم، جيش قوامه 10,000 يدخل إلى مكة. وكان أبو سفيان على مرتفع مع العباس بن عبد المطلب. فنظر فقال: "لقد علا ملك ابن أخيك وأصبح عظيماً". ماذا قال؟ "ملك". فقال له العباس: "ويحك يا أبا سفيان؟ ليس ملكًا وإنما نبوة، إنها النبوة يا أبا سفيان". إذاً، كلمة الملك هذه سوف تجري على ألسنتهم إلى آخرهم. أيضًا لما آلت الخلافة إلى الخليفة الثالث عثمان، كما يروي ذلك ابن أبي الحديد المعتزلي، دخل أبو سفيان على بني أمية قال هل معكم أحد غيركم، قالوا: لا، قال: "تلاقفوها يا بني أمية تلاقف الصبيان للكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار". يعني لا يوجد رسالة، لا جنة ولا نار، لا يوجد رسالة.

هذا شاهد. الشاهد الثالث: معاوية في النخيلة لما خطب في الناس، قال: "ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتزكوا ولا لتحجوا، وإنكم لتفعلون ذلك. إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون". يعني لا صلاة، لا صوم، هذه الرسالة، الصلاة والصوم والحج والزكاة. هذه تفسير الرسالة. ليس لأجل هذا أنا قاتلتكم، إنما لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون.

الشاهد الأخير: يزيد بن معاوية لما جيء برأس الحسين عليه السلام أمامه استشهد بأبيات ابن الزبعرى الشاعر الجاهلي، ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل، فأهلوا واستهلوا فرحًا، ثم قالوا: "يا يزيد لا تشل! لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل.. لعبت هاشم بالملك". نفس ما ذكره أبو سفيان: "لعبت هاشم بالملك، فلا خبر جاء ولا وحي نزل". لا رسالة ولا شيء، إنما هو الملك، إنما هو الزعامة.

أما بالنسبة إلى أهل البيت، كما قلنا، فينظرون إلى الرسالة على أنها النظام الأصلح والأكمل لصلاح البشرية جمعاء. ولهذا ما صنعه الإمام صلوات الله وسلامه عليه كان الخير كل الخير، كما روي عن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه: "والله، الذي صنعه الحسن بن علي عليهما السلام كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس".

أسأل الله تعالى أن يبصرنا بسيرة أئمتنا وأخذ العبرة والدروس منها، إنه سميع مجيب.

بسم الله الرحمن الرحيم: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد".

وصلى الله على محمد وآل محمد.