فجر الجمعة

السيد حسن النمر: الإيمان وحس المسؤولية تجاه الآخر

تحدّث سماحة السيد حسن النمر في خطبة له بعنوان: الإيمان وحس المسؤولية تجاه الآخر، مؤكدًا أن المؤمن صاحب حس مسؤول، ومن مسؤولياته أن يكون ناصحًا لإخوانه المؤمنين، وذلك في 1446/03/23 هـ في مسجد الحمزة عليه السلام بسيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وإن من التقوى ألا يسترسل الإنسان في أقواله وأفعاله دون التثبت من صوابها وخطئها. فإن كانت صوابًا أقدم عليها، وإن كانت خطأ أحجم عنها، ولا فرق في أقوال الإنسان وأفعاله بين ما كان منها متعلقًا بذاته أو بغيره. فقد قال الله تعالى في بيان أحوال الإنسان يوم القيامة: "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (سورة الزلزلة: 1-8).

 

وقال تعالى: "وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (سورة البقرة: 134). وقال تعالى في بيان أحوال الظالمين خاصة: "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ" (سورة الصافات: 24). فالإنسان كل إنسان مسؤول، ولهذا تعارف الناس على وصف الإنسان المهتم بما يجب أن يهتم به بأنه إنسان مسؤول، مسؤول بمعنى أنه لا يبالي بما أوكل إليه من مهمات، أو أنه لا يوثق بهمته وعزيمته بين يدي الله تعالى، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت".

فالمؤمن، أيها المؤمنون، صاحب حس مسؤول، ومن مسؤولياته أن يكون ناصحًا لإخوانه المؤمنين، بل لكل من يجالسه أو يخالطه. وقد تناول الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ذلك كله، فقد قال عن حق الجليس وهو من تحضر مجلسه أو يحضر مجلسك قال: "وأما حق جليسك فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجازاة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن تجلس إليه يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته وتحفظ خيراته ولا تسمعه إلا خيرًا".

 

وأن تلين الجانب تعني أن تبدي لمن تجلس إليه ويجلس إليك التواضع والأريحية دون ترفع ولا تكبر ولا تبجح. وأما الإنصاف في مجازاة اللفظ فيعني ألا تصادر حق الكلام بأزيد مما يحق لك أو يليق بك، سائلًا كنت أو مجيبًا، محاورًا كنت أو مناقشًا. وأما الاستئذان عند الخروج من المجلس فإنه مشعر بالاهتمام والمحبة والاحترام، وأما نسيان الزلات بمعنى عدم تسجيلها عليه وتعييره بها.

فذلك يعني أن الجليس قد يقع في خطأ بقصد أو بغير قصد، لكن مجالسته خصوصًا إذا كثرت تشفع له بأن لا يُشهّر به ولا يُحط من كرامته. وأن من شأن نسيان زلاته أن تكون سببًا في صلاحه، وأما حفظ خيراته فتعني إكرامه بسببها بالإشادة به عليها ومكافأته بالقول أو الفعل عليها، فإن من شأن ذلك أن يثبته عليها ويعوده عليها. وأما الاقتصار على إسماعه الخير، فإن هذا هو ما يليق بالكريم من الناس أن يفعله، فإنما يقابل الخير هو الشر، ولا يستحسن ذلك من المؤمن أبدًا.

 

هذا عن الجليس الذي يكثر اختلافه إليك وتردده عليك أو يكثر اختلافك إليه وترددك عليه، وأما الصاحب، وهو من يصحبك في سفر أو حضر ولو أحيانًا، فقد بين الإمام السجاد عليه السلام حقه بقوله: "وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالفضل والإنصاف وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، فإن سبق كافأته وتوده كما يودك، وتزجره عما يهم به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابًا ولا قوة إلا بالله".
فلا ينبغي للصحبة حتى الطارئة منها أن تكون على باطل، بل أن تكون على المكارم في القول والفعل، وأزيد من ذلك على التنافس فيها. وأما الخليط فهو من يكثر مخالطته لك بسبب علاقة نسبية أو سببية كالزوج وزوجته، والأخ وأخيه، والصديق وصديقه، والأستاذ وتلميذه، والعامل ورب العمل، وأمثالهم من الأرحام والأصدقاء وأشباههم، وإن كان الإمام عليه السلام قد أفرد لبعض هؤلاء حديثًا مستقلًا.

وقد بين الإمام زين العابدين عليه السلام حق الخليط بقوله: "وأما حق الخليط فأن لا تغره ولا تغشه ولا تخدعه، وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره". وأفعال الغرور والغش والخداع أيها المؤمنون من واد واحد، يجمعها عدم النصح، بأن يقال له -أي الخليط - كل قول صوابًا كان أو حقًا. وهذا نوع من الاسترسال، ويمارس معه كل فعل حقًا كان أو باطلًا، ويشار عليه بكل مشورة نافعة كانت أو ضارة. إن هذا وأشباهه استرسال مستقبح، بل يجدر بالمخالط أن يكون ناصحًا لمخالطه، بأن لا يقال له إلا الصواب، ولا يفعل معه وله إلا الحق، ولا يُشار عليه إلا بالنافع. فبهذا تكون المخالطة حسنة ونافعة للطرفين، ويؤجر عليها طرفاها في الدارين.

 

ومن أمثلة حس المسؤولية تجاه الآخر:


 أولًا، أن لا يستغفل البسطاء، ولا يستغل حسن النية منهم. فقد يثق بك الناس لحسن ظنهم فيك فيسألونك فيما يعتقدون أنك محيط به، ومن المسؤولية ألا تجيبهم إن لم تكن كذلك، وليس من العذر للتسرع في الإجابة الاستخفاف بالسؤال، وأنه ليس معقدًا، ولا بالسائل، وأنه ليس مدققًا، فإن كرامة المسؤول ومسؤوليته تفرضان عليه ألا يتصدى للجواب ما لم يكن قد سبق منه التحقيق فيما سئل عنه ووصل إلى إحاطة معتد بها.

ولكم نموذج سيء فيما يتراسله الناس في الواتساب ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن كل من هب ودب يتكلم في كل شيء يعنيه وما لا يعنيه، ويعرفه وما لا يعرفه. فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "من ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله". وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر له أن رجلًا أصابته جنابة على جرح كان به -يعني كان جريحًا- فأمر في هذا المجروح المجنب، فأمر بالغسل فاغتسل فكُز فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قتلوه قتلهم الله، إنما كان دواء العي السؤال". وبهذا يتبين أن من حس المسؤولية أيضًا أن لا يراجع إلا من كان عالـمًا بما يراد المراجعة فيه أو يشهد له بذلك في الفقه وغير الفقه.

وقد روي عن إمامنا الباقر عليه السلام، أنه قال في التأكيد على هذا المبدأ: "إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عن كتاب الله". ثم قال في حديثه هذا: "إن الله نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال". فقالوا -أي الحاضرون-: يا ابن رسول الله، وأين هذا من كتاب الله؟ يعني أرادوا أن يطبق القاعدة. قال: "إن الله عز وجل يقول في كتابه: لا خير في كثير من نجواهم" وقال: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا"، وقال: "لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم"، فوضع لكل بند ذكره آية ذكر مصدرها الذي تؤخذ منه.

 

ثانيًا: إن من حس المسؤولية أن لا يبادر الإنسان إلى تقديم المشورة في أمر لا يحسنه، فقد يترتب عليه الضمان المالي إذا ترتب على مشورته الخاطئة الخسارة، وقد يترتب إيجاب بالصلاح والجدارة في حق من سئل عنه أو عنها في الزواج ولم يكن الواقع كما أجاب، وكان الرجل -أي المسؤول عنه والمستشار في حقه- وكان الرجل ليس جديرًا بأن يُزوج، ولا المرأة أهلًا أن يقترن بها. وقد روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: "من ضل مشيره بطل تدبيره".

 

ثالثًا: إن من حس المسؤولية ألا يستغفل المسترسل، وهو الشخص العفوي الذي يحسن الظن في الناس أو في خصوص من يتعامل معه. فهناك من يتشدد في معاملاته فلا يثق في كل بائع ولا يعتمد أي جواب، بل يحرص على أن يفحص ما يريد شراءه من كل جانب، وهذا حال حسن إذا لم يبلغ حد الارتياب في الناس. وهناك في المقابل من يحمل عموم الناس أو جماعة معينة أو شخصًا محددًا على حسن الظن، فيعطيه كامل ثقته فيشتري منه دون سؤال ولا فحص، وهي حال قد تحمد أحيانًا وقد تُذم أحيانًا ما لم تصل إلى حد البلاهة فتُذم مطلقًا.

وعلى كل حال فإن المسترسل قد يشتري ويقبل بأن يُؤخذ منه من الثمن ما لا تستحقه السلعة. وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "غبن المسترسل سحت". وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه حرام في لفظ أو ربا في لفظ آخر. وفي هذا من الذم ما فيه، فإن البائع قد يجد لنفسه عذرًا بأن المعاملة وإن كان فيها غبن لكنها ليست باطلة ما لم يقف المشتري على الغبن فيها، لكن الحديث على هذا النحو من التعامل ويعيب المال الذي حصل عليه البائع منها ووصف بالسحت، وهذا يعني أنه مال حرام أو غير مبارك. فهذا البائع لم يستشعر حس المسؤولية تجاه المشتري المسترسل.


رابعًا: ومن افتقاد حس المسؤولية احتكار السلع المحرم احتكارها. فقد روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: "الحكرة في الخصب -أي الرخاء- 40 يومًا، بعدها لا يجوز، وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام. فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون".

 

خامسًا: وإن من حس المسؤولية تنظيم العلاقة بين الزوجين على قاعدة المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف، فليس للزوج أن يقصر في حق أهله، وليس للزوجة أن تقصر في حق زوجها، فلكل منهما حقوق على الآخر. وإن من الأخطاء الفاحشة، بل الخطايا المنكرة عند الطلاق الذي هو سلوك آخذ فالانتشار بصورة مقلقة أن يتظالم الزوجان إذا قررا الانفصال، دون أن يراعيا ما يجب عليهما أن يراعياه في نفسيهما أو في أبنائهما إن كان قد رُزق الولد، فيكون الأبناء ضحية الطلاق بين الأبوين.

 

والقاعدة العامة في المسؤولية بين الزوجين هي العيش بالمعروف أو التسريح عند الاضطرار ولكن بإحسان. فاللازم على المؤمن والمؤمنة، أيها المؤمنون، أن يستشعرا حس المسؤولية تجاه الناس، اتفقوا معهم أو اختلفوا عنهم. ولا يكون ذلك إلا بأن نلزم ما شرعه الله لهم من الحقوق فلا نقصر فيها في قول ولا فعل قدر استطاعتنا. جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين. اللهم من أرادنا بسوء فأرده، ومن كادنا فكده. اللهم اشفِ مرضانا وارحم موتانا وأغنِ فقراءنا، وأصلح ما فسد من أمور ديننا ودنيانا، ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد