مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ د .أحمد الوائلي
عن الكاتب :
ولد الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن سعيد الوائلي عام 1927 في مدينة النجف الأشرف، أظهر الوائلي نبوغاً في صغره ودرس في الحوزة العلمية متتلمذاً على يد ثلة من العلماء والمراجع المحققين وقد كان ينهل من علومهم ومعارفهم محققاً تفوقاً لافتاً في كل صنف من صنفي دراسته الحوزوية والأكاديمية العليا التي تابعها حتى حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة تميز شعر الوائلي بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات فقد كان يُعنى بأناقة قصائده لذلك وهو يعتبر شاعراً محترفاً من الرعيل الأول المتقدم من شعراء العراق، جمعت بعض قصائده التي تنوعت في مضامينها في ديوانه المسمى باسم "ديوان الوائلي" وهي قصائد في المدح والرثاء والسياسة وفي أهل البيت ورثاء بعض الأئمة. وافاه الأجل في الرابع عشر من يوليو سنة 2003م.

رمي الشيعة بالرفض (1)

 

الشيخ أحمد بن سعيد الوائلي
إن هذا الزمن الذي نشأ فيه نعت الشيعة بالروافض هو في أيام الأمويين، ولذلك جاءت النصوص تنعت الروافض بأنهم قسم من الشيعة لا الشيعة كما يريد البعض ومن تلك النصوص:
1 - محمد مرتضى الزبيدي في تاج العروس قال:
والروافض كل جند تركوا قائدهم والرافضة فرقة منهم، والرافضة أيضًا فرقة من الشيعة، قال الأصمعي سموا بذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى وقال لا كانا وزيري جدي فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه (1).
2 - إسماعيل بن حماد الجوهري قال في الصحاح:
عند مادة رفض موردًا نفس المضمون الذي ذكره الزبيدي فكأنه نسخة طبق الأصل (2).
3 - القاضي عياض:
فرق القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك بين الشيعة والرافضة وذلك حينما قارن مذهب الإمام مالك بغيره فقال:
فلم نر مذهبًا من المذاهب غيره أسلم منه فإن فيهم الجهمية والرافضة والخوارج والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك فإنا ما سمعنا أحدًا من نقلة مذهبه قال بشئ من هذه البدع (3).
ومن الواضح من هذه الجملة أن الرافضة غير الشيعة لمكان التغاير الناتج من العطف. ومن هذا ومن غيره مما نقله أصحاب المقالات مما لا يخرج عن نفس المضمون يتضح أن اصطلاح الروافض مأخوذ بمعناه اللغوي في أنه لكل جند رفضوا قائدهم، وتطبيقه على أصحاب زيد من باب تطبيق الكلي على أحد مصاديقه وإلى هنا فإن المسألة طبيعية. لكن الذي يلفت النظر أن يكون أصحاب زيد طلبوا منه البراءة من الشيخين فإن ذلك محل تأمل طويل للأسباب التالية:


1 - إن هؤلاء الذين طلبوا البراءة لو كانوا شيعة فلا بد أنهم حريصون على نصر زيد وكسب المعركة ضرورة أن مصيرهم مرتبط بمصير زيد فإذا هزم فمعنى ذلك القضاء عليهم قضاء تامًا خصوصًا وأن خصومهم الأمويون الذين يقتلون على الظنة والتهمة كل من يميل إلى آل أبي طالب، فما الذي دفعهم إلى خلق هذه البلبلة التي أدت إلى انفضاض جند زيد عنه وبالتالي إلى خسارته للمعركة فموته شهيدًا على أيدي الأمويين فلا بد أن يكون هؤلاء ليسوا من الشيعة وإنما هم جماعة مندسة أرادت إحداث البلبلة للقضاء على زيد واحتمال كسبه للمعركة.
2 - وعلى فرض التنزل والقول بوجود فرقة خاصة من رأيها رفض الشيخين فما معنى سحب هذا اللقب على كل شيعي يوالي أهل البيت حتى أصبح هذا الأمر من المسلمات فوجدنا الإمام الشافعي يقول في أبياته الشهيرة:
يا راكبًا قف بالمحصب من منى * واهتف بقاعد جمعها والناهض* سحرًا إذا فاضل الحجيج إلى منى * فيضًا كملتطم الفرات الفائض* أعلمتم أن التشيع مذهبي * إني أقول به ولست بناقض* إن كان رفضًا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني رافضي. البيت الأخير من هذه الأبيات ذكره الزبيدي في تاج العروس في مادة رفض (4) وباقيها في ترجمة الشافعي بمختلف الكتب.
إن تعبير الإمام الشافعي: إن كان رفضًا حب آل محمد يدل على أن هناك إرادة لسحب اللقب وهو رافضي على كل شيعي مبالغة في التشهير بهم وشحن المشاعر ضدهم مما سنلمح كثيرًا من الأمثلة له، ومما يؤيد على أنها تتمشى مع تخطيط شامل يستهدف محاصرة التشيع والتشهير به وبكل وسيلة سليمة كانت أم لا.
3 - قد يقال إنه لا شك في وجود جماعة شتامين للصحابة فما هو السبب في كونهم من هذا الصنف في حين تدعون أن الشتم لا تقره الشيعة ولا أئمتهم وللجواب على هذا السؤال لا بد من الرجوع إلى مجموعة من الأسباب تشكل فعلًا عنيفًا استوجب رد الفعل ومن هذه الأسباب ما يلي:
 

أسباب الشتم 
أ - المطاردة والتنكيل المروع للشيعة وبالشيعة وما تعرضوا له من قتل وإبادة على الظنة والتهمة وفي أحسن الحالات الملاحقة لهم والمحاربة برزقهم ومنعهم عن عطائهم من بيت المال وفرض الضرائب عليهم وعزلهم اجتماعيًّا وسياسيًّا وبوسع القارئ الرجوع إلى التاريخ الأموي في الكوفة وغيرها من المدن الشيعية ليقف بنفسه على ما وصلت إليه الحالة وما انتهى إليه ولاة الأمويين من قسوة ومن هبوط في الإنسانية إلى مستويات يتبرأ منها الوحش في العهدين الأموي والعباسي (5).
إن مثل هذا الاضطهاد يستلزم التنفيس عن الكبت فقد يكون هذا التنفيس في عمل إيجابي بشكل من الأشكال وأحيانًا قد يكون سلبيا فيلجأ إلى هذا الشتم.
ولسنا نبرر ذلك بحال من الأحوال لما سبق أن ذكرناه من أسباب.

ب - إن الذي أسس هذه الظاهرة هم الأمويون أنفسهم لأنهم شتموا الإمام عليًّا (ع) على المنابر وشتموا أهل البيت لمدة ثمانين سنة واستمر هذا الوضع حتى أن محاولة الرجل الطيب عمر بن عبد العزيز لم تنجح في منع الشتم وكانت كلمة الأمويين وبالذات معاوية أنهم إنما أسسوا شتمه ليدرج عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، فنشأت مقابل ذلك ردة الفعل. ومما عمق هذه الظاهرة: هو الالتواء في معالجة هذه المشكلة من قبل أعلام السنة. وعلى سبيل المثال نجد ابن تيمية يؤلف كتابه الصارم المسلول في كفر من شتم الرسول أو أحد أصحاب الرسول، ويحشد فيه الأدلة على كفر الشاتم ولكنه مع ذلك ومع علمه بما قام به معاوية والأمويون لا يقول بكفر الأمويين الذين قاموا بشتم الإمام (ع) وأهله. إن علي بن أبي طالب أخو رسول الله (ص) ومن ضحى بكل ذرة من كيانه في خدمة الإسلام والمسلمين فلماذا لا يكفر شاتمه؟ وستسمع الجواب طبعا بأنه تاب وغفر الله له وانتهى الأمر.
ـــــــــــ
(١) تاج العروس ج ٥ ص ٣٤.
(2) صحاح الجوهري ج 3 ص 1078 تسلسل عام الكتاب.
(3) ترتيب المدارك ج 1 ص 51.
(4) تاج العروس ج ٥ ص ٣٥.
(5) انظر مروج الذهب للمسعودي ج‍ ٣ ص ١٢ ص ٥٠، وانظر تاريخ الطبري ج ٦ ص ٣٤٤.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة