عنوان الخطبة: الولاية العلوية وسُلَّم الكمال القرآني
الشيخ: عبد الجليل الزاكي
المكان: مسجد عيد الغدير بسيهات
التاريخ: الجمعة ٢١ مارس ٢٠٢٥م – الموافق ٢٠ رمضان ١٤٤٦هـ
تحدث الخطيب عن علاقة القرآن الكريم بالإنسان في الدنيا والآخرة، مبينًا أن درجات الجنة مرتبطة بالوعي القرآني، كما أكد على أن الولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام تمثل النعمة العظمى التي تكتمل بها رسالة الإسلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين،
ثم الصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين،
المبعوثِ رحمةً للعالمين، المُسمّى في السماءِ بأحمد، وفي الأرضِ بأبي القاسمِ المصطفى محمد
اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد.
وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.
ربِّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عُقدةً من لساني يفقهوا قولي، برحمتك يا أرحم الراحمين.
السلامُ عليكَ يا أميرَ المؤمنين،
السلامُ عليكَ يا سيدَ الموحّدين، وإمامَ المتقين، وقائدَ الغُرّ المُحجّلين،
السلامُ عليكَ يومَ وُلدت،
ويومَ حييت، ويومَ استُشهدتَ في محرابك،
ويومَ تُبعثُ حيًّا.
نرفعُ أحرّ آياتِ التعازي إلى مقامِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله،
وإلى فاطمةَ الزهراء،
والحسنِ والحسينِ، سيّدي شبابِ أهلِ الجنة،
وإلى الأئمةِ الأطهار، لا سيّما بقيةَ اللهِ في الأرضين،
صاحبَ العصرِ والزمان،
أرواحُنا لترابِ مقدمهِ الفداء،
وإلى الأمةِ الإسلامية، وإليكم بهذه الفاجعةِ العظمى والمصيبةِ الكبرى،
ذكرى استشهادِ وليِّ اللهِ الأعظم،
نفسِ الرسولِ الأكرم،
القرآنِ الأكرم، أعزِّ الأعزاء، والكتابِ الإلهي،
وأنفسنا وأنفسِكم، أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب، صلواتُ الله وسلامُه عليه.
(فضل القرآن وتأثيره في الدنيا والآخرة):
قد كان حديثُنا يدور حول فضل القرآن الكريم، وبيّنا مجموعةً من النقاط الواضحة المهمّة في معرفة ذلك، من مسألة الثواب، ومسألة الأجر، وأنّ هذه الدنيا، في الحقيقة، انعكاسٌ للآخرة، فموقفُك في الحياة الدنيا ينعكس في الآخرة أيضًا.
كما أنّك الآن، في هذه الحياة الدنيا، إن كنتَ سيّء الخُلُق، فإنّ ذلك يتحوّل هناك إلى دركات، وإن كنتَ ذا حسن أخلاق ومبادئ وقِيَم، فإنّ ذلك ينعكس عليك في يوم الآخرة إلى درجات، فتقرأ وترقى بسبب ذلك، وبمقدار ما تتمسّك بآيات القرآن الكريم، بمضامينه، ومفاهيمه، وقيمه، فكريًّا، وعاطفيًّا، وشعورًا، وإحساسًا، وكذلك سلوكًا على الواقع الخارجي، بمقدار ما يكون لذلك معنى: "اقرأْ فارتقِ".
فحقيقتها: البصيرة والوعي بالقرآن ومبادئه وقيمه، ومعنى ذلك: وعيك بمبادئك الإسلامية الأصيلة، الإسلام المحمدي الأصيل، وعيك، وبصيرتك، والتزامك بذلك الوعي وتلك البصيرة، من خلال ما حصلت عليه من فهم وبصيرة للقرآن الكريم، ومن تعاليم السنّة الطاهرة، من تعاليم رسول الله ﷺ، ومن تعاليم الأئمة الأطهار، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
(الولاية وأثرها في الارتقاء القرآني):
﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ (سورة الإسراء: 84)، من خلال التزامك بالولاية لمحمد وآل محمد، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، ومن خلال التزامك بهذه الولاية، ولاية أهل البيت، تُوصلك إلى تلك المقامات العظيمة، فتتشكّل تلك الطينة: "شيعتُنا خُلقوا من فاضل طينتنا، يحزنون لحزننا، ويفرحون لفرحنا"، فإذا كان شيعتُنا منّا أهل البيت يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، فقد خُلقوا من فاضل طينتنا. هذه المعاني لا تتحقق إلا بواقعها، بمقدار ما تجعل الأئمة الأطهار، العترة الطاهرة، هم القدوة لك في كل حياتك، في كل صغير وكبير، على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأسرة، وعلى مستوى المجتمع والأمة، وعلى مستوى العبادة، والمعنويات، والروحية، وعلى مستوى الفكر، والشعور، والإحساس، والمواقف، وغير ذلك من شؤون الحياة. الكلام يطول في هذا المقام، لكننا نشير إليه إشارةً كما أشرنا سابقًا، فالثواب الأخرويّ بقراءة القرآن إنما هو وجهٌ آخر لتكامل الإنسان في الحياة الدنيا بهذا القرآن.
(درجات الجنة مرتبطة بقراءة القرآن في الدنيا):
قلنا سابقًا في الجمعة الماضية: إنّ درجات الإنسان في الجنة بسبب قراءته للقرآن تُضاهي درجاته التكاملية في الحياة الدنيا، فبمقدار ارتباطك بالقرآن، وتعلّقك به، وقراءتك له، وتلاوتك له، تنال من الله تلك المقامات، فهذه النعمة من الله – قراءة القرآن في الحياة الدنيا – هي المدخل الذي يوصلك إلى ذلك الطائف، إلى الدخول في طاعة الله سبحانه وتعالى، وفي زمرة: "اقرأْ واصعدْ"، كما جاءت في الروايات. ذكرنا أنّ هنالك دواوين يوم القيامة، كما جاء في الروايات في فضل القرآن الكريم، ففي الجمعة الماضية تحدّثنا عن ذلك، والرواية تقول: إنّ الدواوين يوم القيامة ثلاثة:
ديوان النِّعَم، وديوان الحسنات، وديوان السيئات.
فالدواوين ثلاثة، من هذه الدواوين – كما تُبيِّن الرواية – ديوان فيه النِّعَم، وديوان فيه الحسنات، وديوان فيه السيئات. فيُقاضى بين ديوان النِّعَم وديوان الحسنات، يعني تبدأ المقابلة بين الدواوين، وأول مقابلة تكون بين ديوان النِّعَم وديوان الحسنات، فحتماً ما لا يكون؟ فالنِّعَم تستغرق الحسنات، لأنّ نعم الله لا تُحصى.
(تفاضل النعم والحسنات ويوم الحساب):
ومهما عملتَ، ومهما أتيتَ من حسنات، فإنّ حسناتك لا توازي شيئًا مقابل نِعَم الله، نعمُ الله: نعمةُ الوجود، نعمةُ الحياة، نعمةُ البصر، نعمةُ الجوارح، والنِّعَم الأخرى الكثيرة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، التي تذكرها والتي لا تذكرها، التي تألفها والتي لا تألفها. نحن ألفْنا الشمس، ولكن هذه الشمس من أعظم نِعَم الله على الكون، فإنّ هذه الشمس الساطعة، لو ابتعدت عن الأرض، لتحوّلت الأرض إلى قطعة من الجليد، ولو اقتربت أكثر من اللازم، لتحوّلت الأرض إلى نار ولهيب وجحيم، فهذه النعمة الإلهية العظيمة تُذكّرنا كل يوم بعظمة الخالق. لكن أعظم الشموس، وأسطعها، هو النبي محمد ﷺ، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، لولاك لما خلقتُ الأفلاك، وعليٌّ هو نفس النبي، فلولا ولاؤه لما خُلقت هذه الأفلاك. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (سورة النحل: 18)، فهذه النِّعَم لا يمكن أن تُقابَل بالحسنات، لأنّ الحسنات لا تساوي شيئًا أمام هذه النِّعَم الإلهية، ولو عُدّت من باب العبادة والشكر. ولذلك تقول الرواية: "فتستغرق النِّعَمُ الحسنات"، ويبقى ديوان السيئات، وهنا يُدعى ابنُ آدم المؤمن للحساب، فيتقدّم القرآن أمامه في أحسن صورة، فيقول: "يا رب، أنا القرآن، وهذا عبدُك المؤمن، قد كان يتعب نفسَه بتلاوتي، ويُطيل ليله بترتيلي، وتفيض عيناه في التهجّد، فارضَ عنه كما أرضاني".
(شفاعة القرآن ومراتب التلاوة):
فيقول الله عزّ وجلّ – العزيز الجبار –: "عبدي، ابسُطْ يمينك"، فيملأها من رضوان الله، ويملأ شماله من رحمة الله، ثم يقول له: "هذه الجنة مباحة لك، فاقرأْ واصعدْ". لماذا؟
بسبب تلك الأمور الثلاثة الرئيسية في علاقتِك بالقرآن:
١. أنك أتعبتَ نفسَك في التلاوة،
٢. أطلتَ الليل بترتيله،
٣. تفيضُ عيناك في التهجّد والطاعة والانقطاع إلى الله.
ولذلك، كان العرفاء يقولون: إذا أردت أن ترفع مستواك في السير والسلوك إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تكون من أهل المعرفة، فاقرأ أجزاء القرآن، واختمه في جوف الليل، وخاصة وقت السَّحَر، وتفيض عيناك في التهجّد، وتخشع في الطاعة، وتنقطع إلى الله تعالى. فيقول القرآن: "قد كان يتعب نفسه بالتلاوة، ويُطيل ليله بترتيلي، وتفيض عيناه إذا تهجّد، فارضِه كما أرضاني". فيقول الله سبحانه وتعالى: "هذه الجنة مباحة لك، فاقرأ واصعد". فكلما قرأ آية، صعد درجة. وقلنا سابقًا: إنّ النِّعَم نازلة من عند الله سبحانه وتعالى، أما الحسنات والسيئات فهي صاعدة من قبل العباد إلى الله.
(دور الحسنات في تغطية السيئات وشكر النعم):
ولا بدّ أن تغطّي الحسناتُ السيئات، بمعنى أن تكون الحسناتُ حاجزًا بينك وبين السيئات، فالحسنات لها دورٌ مزدوج:
الدور الأول تغطية السيئات، بأن تستر عليك السيئات وتحبطها، فلا تبقى لك سيئة مكشوفة يوم الحساب، وقد بيّنا هذا المعنى في الأسبوع الماضي، وذكرناه في الجمعة السابقة أيضًا،
والدور الثاني: أنّ كل حسنةٍ هي أيضًا شكرٌ لله، فهي تغطّي السيئات من جهة، وتُعدّ أداءً لشكر الله سبحانه وتعالى من جهة أخرى، فلا بد أن يُكافَأ هذا الشكر من الجميل، من الله تعالى،
فعليه، فإنّ للحسناتِ دورًا مزدوجًا كما ذكرنا:
• تغطية السيئات،
• وأداء الشكر على نعم الله.
نعم، هذه الحسنات لا تُكافئ العمل الإلهي، ولا توازي النِّعَم الإلهية مهما عظمت، ولكنّها تعبّر عن التوجّه الصادق، والتفاعل الإيماني، والاستجابة الطيّبة لما أنزل الله سبحانه وتعالى.
(القرآن وسُلّم الكمال في الدنيا والآخرة):
وبعد أن ذكرنا جانبين من هذه المعاني، نأتي إلى كلامهم في منزلة هذا الإنسان، في تفسيرنا لهذا المعنى العظيم، حيث يقول رسول الله ﷺ: "يُقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارتقِ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإنّ منزلتك عند آخر آيةٍ تقرؤها"، وهذه الرواية تدل على أمرين مهمّين:
أولًا، منزلة الإنسان ودرجاته في الآخرة هي نفسها نتيجة ما اكتسبه في الحياة الدنيا من تكامل، فدرجات الجنة انعكاسٌ لدرجات كمال الإنسان في الدنيا، وليست منفصلة عنها.
ثانيًا، منزلة الإنسان في الدنيا هي بمقدار ما قرأ من القرآن، لأنّ القرآن هو سُلَّم كمال الإنسان ونموّه في الحياة الدنيا، وآيات القرآن هي درجات، فكلما قرأ الإنسان آية من القرآن عن وعيٍ وبصيرة، صعد درجة أخرى، فبالبصيرة والوعي بالقرآن، ينمو الإنسان ويتكامل، وتتمّ به حركته التصاعدية نحو الله سبحانه وتعالى، ودرجات كمال الإنسان في الدنيا بمقدار ما يأخذ من القرآن، وبقدر ما يُعطي للقرآن من نفسه، فدرجة الإنسان في تلاوة القرآن، ووعيه، وبصيرته، هي درجته في الكمال، ودرجته في القرب من الله سبحانه وتعالى، وهي درجته في الجنة.
(عليٌّ مع القرآن والقرآن مع علي):
ورسولُ الله ﷺ يقول: "عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، يدور معه حيث دار". وقد ذكرنا هذه الرواية في عدة مواقف ومواضيع سابقة، وهذه الرواية متفق عليها بين الفريقين – الشيعة والسنة – فقد رواها الذهبي في الميزان، واعتبرها صحيحة على شرط الشيخين: البخاري ومسلم. وإذا جئنا إلى هذه الرواية، نجد أنها تقول: "عليٌّ مع القرآن"، أي أنّ عليًّا لا ينفصل عن القرآن، و"القرآن مع عليّ"، أي أن القرآن لا ينفصل عن علي، فكلاهما واحد، ودرجات الحياة الدنيا التي تأخذها من حسنات وقراءة للقرآن بوعيٍ وبصيرة، تنعكس في الآخرة في درجاتك في الجنة، أو عدمها، ويكون الارتباط بالولاية لعليٍّ هو العلامة، لأنّ عليًّا والقرآن لا ينفصلان، وعليٌّ يقول: "هذا القرآن الصامت، وأنا القرآن الناطق"، أي: أنا المُجسِّد للقرآن، أنا حقيقة القرآن الكريم.
(الولاية أعظم نعمة والقرآن شاهد على ذلك):
وعليٌّ هو الحسنة الكبرى، والنعمة العظمى التي منَّ الله بها على العباد، كما بيّن الله سبحانه وتعالى ذلك على لسان رسوله ﷺ في غدير خُم، حين قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (سورة المائدة: 67)، ثم قال عزّ وجلّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (سورة المائدة: 3)، أي: النعمة التي أُتِمّت، والدين الذي كَمُل، هو بالولاية لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، فحقيقة الإسلام المحمدي الأصيل لا تكتمل إلا بالولاية، وهذا ليس من عندي، بل من القرآن، والنبيُّ الأكرم ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، هو الذي أمرنا بحبّ عليّ وآل علي، وبالولاء لهم واتباعهم، وقد قال ﷺ: ﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (سورة آل عمران: 31)، وهذا الاتباع الحقيقي للنبي لا يتحقّق إلا باتباع عليٍّ، لأنّ عليًّا هو نهج النبي، ونهج النبي هو نهج الإسلام، ونهج الإسلام هو نهج الله سبحانه وتعالى.
(الولاية والاتباع الواعي لعليّ وآل البيت):
فبمقدار ما يكون حبُّك وولاؤك لعليٍّ وآله عن وعيٍ وبصيرة، يكون ارتباطُك الحقيقيُّ بالقرآن، لأنّ من تمسّك بالقرآن وحده دون العترة فقد انحرف، ومن تمسّك بالعترة وحدها دون القرآن فقد زاغ، وإنما النجاة في التمسّك بهما معًا، وقد قال النبي ﷺ: "إني تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا". وهذا التعبير يدلّ على أن التمسك بأحدهما دون الآخر يؤدّي إلى الضلال والانحراف، لأنّ القرآن والعترة قرينان لا يفترقان، كما في الحديث الشريف: "لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض". والقرآن هو أجر الرسالة، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (سورة الشورى: 23)، فالله تعالى فرض علينا محبة أهل البيت، وعلى رأسهم علي وفاطمة والحسن والحسين، وسائر الأئمة من ذريتهم، لأنّ حبهم هو اتباعهم، والاتباع هو سلوك نهج النبي، ونهج النبي هو الإسلام الحق.
(حب عليّ واتباعه هو تجلٍّ لمحبة النبي ورضا الله):
إذًا، بمقدار حبك لعليٍّ وولائك له، يكون مقدار ارتباطك الحقيقي برسول الله ﷺ، لأنّ حبّ النبي يعني اتباعه، واتباعه يعني التزام نهجه، ونهجه هو عليٌّ وآله، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (سورة الحشر: 7)، ورسول الله هو الذي أمرنا بحبّ علي، وأمرنا بولايته، وأمرنا بالاقتداء به، وأمرنا بحب فاطمة والحسن والحسين، وأمرنا باتباع أهل البيت، لأنّ ذلك هو طريق النجاة. ولذلك نقول: أيها المؤمن، أيتها المؤمنة، يا عزيزي، يا عزيزتي، اعلم أن مقدار ارتباطك بالقرآن لا ينفك عن ارتباطك بالولاية، فإذا انفصلت عن أحدهما، انفصلت عن الآخر، وفُتحت لك أبواب التيه والضلال، ومتى ما اقترنت بالقرآن، اقترنت بالولاية، لأنّ عليًّا لا ينفصل عن القرآن، والقرآن لا ينفصل عن علي، فهما متلازمان في الدنيا والآخرة، وعند الحساب والشفاعة.
(مواقف عليّ وشهاداته في التاريخ):
وإذا أتينا إلى مناقب عليّ، فإنها تشهد له بهذا الاتباع الكامل، وهذه الطاعة التامة لرسول الله ﷺ، ولله عزّ وجلّ. ألم يقل له النبي ﷺ: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيَّ بعدي؟"
هل قالها لغير عليّ بن أبي طالب؟
كلا. ألم يقل عنه النبي ﷺ يوم الأحزاب: "برز الإيمانُ كلُّه إلى الشركِ كلِّه"؟ عندما واجه عليٌّ عمروَ بن عبد ودّ العامريّ، ذاك الفارس الذي اجتاز الخندق، وكان جيشُ المشركين خلفه، ولم يجرؤ أحدٌ على مواجهته، إلا عليٌّ، ثلاث مرات يقول النبي ﷺ: "من لي بهذا الرجل، وأنا ضامنٌ له الجنة؟" ولم يقم إلا عليّ، حتى قال له النبي: "اجلس، إنه عمرو". فردّ عليه: "وأنا علي". فخرج لمبارزته، وقال عنه النبي ﷺ: "ضربة عليٍّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين".
ما معنى هذا؟ يعني أن تلك الضربة لم تكن مجرّد شجاعة، بل كانت تجسيدًا للإيمان، والانقياد التام لأمر النبي، ولأمر الله، وتضحية بكل شيء في سبيل الحق، ولذلك قال النبي ﷺ: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله".
وهذه الضربة التي قال عنها النبي ﷺ إنها تعدل عمل الثقلين إلى يوم القيامة، تعني أنك ما كنت لتحصل على الإيمان ولا الإسلام، لولا ذلك الموقف من علي بن أبي طالب عليه السلام، ولولا تلك التضحية الكبرى في سبيل الله.
فمن هو علي؟ من الذي صعد على منكبي رسول الله ﷺ ليكسر الأصنام في الكعبة؟ من الذي وُلد في جوف الكعبة؟ إنه علي بن أبي طالب عليه السلام. وُلد في بيت الله، ومات في بيت الله، خُتمت حياته في المحراب، بين السجود والركوع، في أقدس اللحظات، وفي أقدس الأمكنة، فكانت الكعبة مهده، وكان المحراب لحده، وكان قلبه معلّقًا بالله من المهد إلى اللحد.
ونحن اليوم، في هذه الأيام، نعيش جرح علي، ويُتم الأمة بفقده، فنحن أيتام لك يا علي، فلا تنسنا يا أبا الحسن، نحن نأمل شفاعتك، ونتوسل بك إلى الله، أن تشفع لنا في الدنيا والآخرة، بثباتنا على نهجك، وصدق اتباعنا لك، وصدق ولائنا لك ولأهل بيتك الطاهرين.
(دعاء وختام الخطبة):
الكلام يطول، والحديث عن عليٍّ لا يُملّ، ولكنّ الوقت قد أدركنا، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يُثبّتنا وإياكم على ولاية عليّ بن أبي طالب وأهل بيته الطاهرين. اللهم اجعلنا معهم في الدنيا والآخرة، ولا تُفرّق بيننا وبينهم طرفة عينٍ أبدًا.
اللهم عجّل لوليك الفرج والنصر والعافية، واقضِ حوائجَه فوق رغبته، وحوائج نبيك يا كريم، وامنُن علينا برضاه، وهبْ لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره، ما ننال به سعةً من رحمتك، وفوزًا عندك يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين،
واقتل الكفر والكافرين والمنافقين،
وأيّد المؤمنين حيثما كانوا بتأييدك،
وانصرهم بنصرِك، وأعزّهم بعزّك،
واحفظهم بحفظِك، واحرسهم بحراستِك،
بمحمدٍ وآل محمد، صلواتُك عليهم أجمعين.
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسين الخشن
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
التعددية الدينية
زيادة الذاكرة
الضمائر في سورة الشمس
متى وكيف تستخدم الميلاتونين المنوم ليساعدك على النوم؟
تراتيل الفجر، تزفّ حافظَينِ للقرآن الكريم
في رحاب العيد
لنبدأ انطلاقة جديدة مع الله
المنطقة تحتفل بعيد الفطر، صلاة ودعاء وأضواء وتواصل
من أعمال وداع شهر رمضان المبارك
العيد الامتحان الصعب للحمية