علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

القدرة


الشيخ جعفر السبحاني ..

اتفق الإِلهيون على أَنَّ القدرة من صفاته الذاتيَّة الكمالية كالعِلْم. ولأَجل ذلك يُعَدّ القادر من أسمائه سبحانه(1).
القدرة لغة - كما عرّفها أَصحاب المعاجم - الملك والغِنى واليَسار. قال ابن منظور: يقال قَدِرَ على الشَّيء قُدْرَةً أي مَلَكَهُ فهو قادر وقدير. يقول سبحانه (عند مَليك مقتدر)(2) أي قادر، والقَدْر الغنى واليَسار.
وقال الراغب: القدرة إذا وُصِفَ بها الإِنسان فاسم لهَيْئة له، بها يتمكن من فعل شيء ما. وإذا وصف الله تعالى بها فهو نفي العجز عنه. ا. هـ. و لا يخفى أن تفسير الراغب القُدرة في الله سبحانه بإرجاعها إلى الصفات السلبية (نفي العجز عنه) خطأ واضح، لأن القدرة كمال ولا يشذّ كمال عن ذاته.


تعريف القدرة:
ثم إِنَّ الفلاسفة والمتكلّمين فسروا القدرة بوجوه أبرزها:
1ـ القُدرة بمعنى صحة الفعل والتَّرك، فالقادر هو الذي يصح أَنْ يفعل ويصح أَنْ يترك.
2ـ القدرة هي الفعل عند المشيئة، والترك عند عدمها. فالقادر من إِنْ شاء فعل وإِنْ شاء لم يفعل، أَو إِنْ لم يشَأْ لم يفعلْ.
وقد أَورد على التعريف الأَول بأنَّ معنى صحة الفعل والترك إِمكانُهما للقادر. وهذا الإِمكان إما إِمكان ماهَويٌ يقع وصفاً للماهية ويقال: الإِنسان بما هو إِنسان يمكن أَنْ يفعل ويمكن أَنْ لا يفعل. وإِمَّا إمكانٌ استعداديٌ يقع وصفاً للمادة المستعدة لأَن تتصف بكمال مثل قولنا: الحَبَّة لها إمكان أَنْ تكون شجرة. وعلى كلا التقديرين فلا يصح تبيين قدرته سبحانه بهذه العبارة لأَن الله سبحانه مُنَزَّه عن الماهية بل هو وجودٌ كُلُّه، فكيف يمكن توصيفه بإِمكان هو من عوارضها. كما أنَّه سبحانه منزَّه عن المادّة والاستعداد، فكيف يصح تبيين قدرته بشيء يقوم بالمادة والاستعداد، هذا.
وقد أورد على التعريف الثاني بأَنَّ ظاهره كونُ الفاعل موجِداً للفعل بالمشيئة، ولازمه أَنْ لا يكون الفاعل تامّاً في الفاعلية إِلاّ بضم ضميمة إليه وهي المشيئة وهو مستحيل على الله سبحانه، لأَنَّه غنيٌّ في الفاعلية عن كل شيء سوى ذاته حتى المشيئة الزائدة عليها.


دفاع عن التعريفين
إِنَّ الهدف من وصفه تعالى بالقدرة هو إِثبات كمال وجمال له وتنزيهُه عن النقص والعيب. فلو كان لازم بعض التعاريف طروءَ نقص أو توهّم في حقه سبحانه، وَجَب تجريدها عن تلك اللوازم وتمحيضها في الكمال المطلق. وهذا لا يختص بالقدرة بل كل الصفات الجارية عليه سبحانه تتمتع بذلك الأَمر.
مثلا: إِنَّ الحياة مبدأ الكمال والجمال، ومصدر الشعور والعلم، فليس الهدف من توصيفه سبحانه بالحياة إلاّ الإِشارة إلى ذاك الكمال. وأَمَّا الذي ندركه من الحياة، وننتزعه من الأَحياء الطبيعية، فإِنه يمتنع توصيفه تعالى به لاستلزامه كونَه سبحانه موجوداً طبيعيّاً مستعداً للفعل والانفعال إلى غير ذلك من خصائص الحياة المادية. ولأجل ذلك يجب أَن نَصِفَه سبحانه بالحياة مجردةً عن النقائص. وهذه ضابطة كلية في جميع الصفات الإِلهية فلا توصف ذاته سبحانه بشيء منها إلاّ بهذا المِلاك، وهذا ما يسعى إليه الحكيم العارف بالله سبحانه. وعند ذلك يصح تفسير قدرته سبحانه بما ورد في التعريفين ولكن بتجريد كل واحد منهما عما يستلزمه من النقائص، ككونه سبحانه ذا ماهية أو مادة مستعدة، كما في التعريف الأَول. أو كونه سبحانه فاعلاً بمشيئة زائدة على الذات، كما في التعريف الثَّاني.


وعلى ذلك فالذي يمكن أن يقال هو إنَّ نسبة الفعل إلى فاعله لا تخلو عن أقسام ثلاثة:
الأول: أنْ يكون الفاعل متقيداً بالفعل فلا ينفك فعله عنه، وذلك هو الفاعل المضطر كالنار في إحراقها، والشمس في إشراقها.
الثاني: أنْ يكون الفاعل متقيِّداً بترك الفعل فيكون الفعل ممتنعاً عليه.
الثالث: أنْ لا يكون الفاعل متقيّداً بواحدة من النِسْبَتَيْن فلا يكون الفعل ممتنعاً حتى يتقيَّد بالترك، ولا الترك ممتنعاً حتى يتقيد بالفعل. فيعود الأَمر في تفسير القدرة إلى كون الفاعل مطلقاً غيرَ مقيد بشيء من الفعل والترك(3).
هذا ما نفهمه من توصيفه سبحانه بالقدرة سواءٌ أفُسِّرت بصحة الفعل والترك أم فُسِّرت بـ «إن شاء فَعَل وإِنْ شاء لم يفعل». فإِنَّا نأْخذ من التعريفين كمال القدرة ونطرح نقائصها. فيصح أنْ يقال إنَّ القدرة في حقّه سبحانه بمعنى صحة الفعل والترك، بمعنى تجرده عن التقيد بالفعل أو الترك. كما يصح أن يقال بالتعريف الثاني، لا بمعنى كونه فاعلاً بالمشيئة الزائدة، بل ما عرفت من تجرده عن أي إلزام بأحد الطرفين.


1.الفرق بين الصفة و الإِسم عبارة عن أنَّ الأول لا يُحْمَل على الموضوع فلا يقال «زَيْدٌ عِلْمٌ» بخلاف الثاني فيحمل عليه و يقال «زَيْدٌ عالِمٌ» و على ذلك جرى الاصطلاح في أسمائه و صفاته سبحانه. فالعِلْمُ و القُدْرةُ و الحياةُ صفات و «العالِم» و «القادِر» و الحيّ» أَسماؤهُ تعالى.
2.سورة القمر: الآية 55.
3.و بذلك تعرف أَنْ توصيفه سبحانه بالقدرة بمعنى تجرُّدِه عن الإِلزام بأحد الطرفين يلازم ثبوت وصف الإِختيار له سبحانه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد