في المادة فكرتان علميتان، تناولهما العلماء بالبحث والدرس منذ آلاف السنين: إحداهما: أن جميع المواد المعروفة في دنيا الطبيعة، إنما تتركب من عدة مواد بسيطة محدودة، تسمى بالعناصر. والأخرى: أن المادة تتكون من دقائق صغيرة جدًّا، تسمى الذرات.
أما الفكرة الأولى فقد أخذ بها الإغريق بصورة عامة، وكان الرأي السائد هو اعتبار الماء والهواء والتراب والنار، عناصر بسيطة، وإرجاع جميع المركبات إليها، بصفتها المواد الأولية في الطبيعة، وحاول بعض علماء العرب بعد ذلك، أن يضيفوا إلى هذه العناصر الأربعة ثلاثة عناصر أخرى هي الكبريت والزئبق والملح، وقد كانت خصائص العناصر البسيطة - في رأي الأقدمين - حدودًا فاصلة بينها، فلا يمكن أن يتحول عنصر بسيط إلى عنصر بسيط آخر.
وأما الفكرة الثانية (فكرة ائتلاف الأجسام من ذرات صغيرة) فكانت موضوع صراع بين نظريتين: النظرية الانفصالية، والنظرية الاتصالية. فالنظرية الانفصالية هي النظرية الذرية للفيلسوف الإغريقي (ديمقريطس)، القائلة إن الجسم مركب من أجزاء صغيرة، يتخلل بينها فراغ، وأطلق على تلك الأجزاء اسم الذرة، أو الجزء الذي لا يتجزأ. والنظرية الاتصالية هي النظرية الغالبة، التي أخذ بها أرسطو ورجال مدرسته. والجسم في زعم هذه النظرية، ليس محتويًا على ذرات، ومركبًا من وحدات صغيرة، بل هو شيء واحد متماسك يمكننا أن نقسمه فنخلق منه أجزاء منفصلة بالتقسيم، لا أنه يشتمل سلفًا على أجزاء كهذه.
وقد جاء بعد ذلك دور الفيزياء الحديثة، فدرست الفكرتين درسًا علميًّا، على ضوء اكتشافاتها في عالم الذرة. فأقرت الفكرتين بصورة أساسية، فكرة العناصر البسيطة، وفكرة الذرات، وكشفت في مجال كل منهما عن حقائق جديدة، لم يكن من الممكن التوصل إليها سابقًا.
ففيما يخص الفكرة الأولى، استكشفت الفيزياء ما يقارب مائة من العناصر البسيطة، التي تتكون منها المادة الأساسية للكون والطبيعة، بصورة عامة. فالعالم وإن بدا لأول نظرة، مجموعة هائلة من الحقائق والأنواع المختلفة، ولكن هذا الحشد الهائل المتنوع، يرجع في التحليل العلمي إلى تلك العناصر المحدودة.
والأجسام - بناء على هذا – قسمان: أحدهما جسم بسيط، وهو الذي يتكون من أحد تلك العناصر كالذهب والنحاس والحديد والرصاص والزئبق. والآخر هو الجسم المركب من عنصرين، أو عدة عناصر بسيطة، كالماء المركب من ذرة أوكسجين وذرتين من الهيدروجين، أو الخشب المركب في الغالب من الأوكسجين والكربون والهيدروجين.
وفيما يخص الفكرة الثانية، برهنت الفيزياء الحديثة علميًّا، على النظرية الانفصالية، وأن العناصر البسيطة مؤلفة من ذرات صغيرة ودقيقة إلى حد أن المليمتر الواحد من المادة، يحتوي على ملايين من تلك الذرات. والذرة عبارة عن الجزء الدقيق من العنصر، الذي تزول بانقسامه خصائص ذلك العنصر البسيط.
والذرات تحتوي على نواة مركزية لها، وعلى كهارب تدور حول النواة، بسرعة هائلة، وهذه الكهارب هي الإلكترونات. والإلكترون هو وحدة الشحنة السالبة. كما أن النواة تحتوي على بروتونات ونيوترونات. فالبروتونات هي الدقائق الصغيرة. وكل وحدة من وحداتها تحمل شحنة موجبة، تساوي شحنة الإلكترون السالبة. والنيوترونات دقائق أخرى تحتويها النواة، وليس عليها أي شحنة كهربائية.
وقد لوحظ على ضوء الاختلاف الواضح، بين طول موجات الأشعة التي تنتج عن قذف العناصر الكيماوية بقذائف من الإلكترونات أن هذا الاختلاف بين العناصر، إنما حصل بسبب اختلافها في عدد الإلكترونات، التي تحتويها ذرات هذه العناصر. واختلافها في عدد الإلكترونات، يقتضي تفاوتها في مقدار الشحنة الموجبة في النواة أيضًا.
لأن الذرة متعادلة في شحناتها كهربائيًّا، فالشحنة الموجبة فيها بمقدار السالبة. ولما كانت زيادة عدد الإلكترونات، في بعض العناصر على بعض. يعني زيادة وحدات الشحنة السالبة فيها، فيجب أن تكون نواتها، محتوية على شحنة موجبة معادلة. وعلى هذا الأساس أعطيت الأرقام المتصاعدة للعناصر. فالهيدرجين = (1)، بحسب رقمه الذري. فهو يحتوي في نواته على شحنة واحدة موجبة، يحملها بروتون واحد، ويحيط بها إلكترون واحد ذو شحنة سالبة. والهليوم أرقى منه في الجدول الذري للعناصر، لأنه = (2)، باعتباره يحتوي في نواته على ضعف الشحنة الموجبة، المرتكزة في نواة الهيدروجين أي على بروتونين ويحيط بنواتها إلكترونان. ويأخذ الليثيوم الرقم الثالث. وهكذا تتصاعد الأرقام الذرية إلى اليورانيوم - وهو أثقل العناصر المستكشفة لحد الآن - فرقمه الذري - (92). بمعنى أن نواته المركزية تشتمل على (92) وحدة، من وحدات الشحنة الموجبة، ويحيط بها ما يماثل هذا العدد من الإلكترونات. أي من وحدات الشحنة السالبة.
وفي هذا التسلسل للأرقام الذرية، لا يبدو للنيوترونات الكامنة في النواة أدنى تأثير، لأنها لا تحمل شحنة مطلقًا. وإنما تؤثر في الوزن الذري للعناصر، لأنها في وزنها مساويه للبروتونات. ولأجل ذلك كان الوزن الذري للهيلوم - مثلاً - يعادل وزن أربع ذرات من الهيدروجين، باعتبار اشتمال نواته على نيوترونين وبروتونين، في حال أن النواة الهيدورجينية، لا تحتوي إلا على بروتون واحد.
ومن الحقائق التي أتيح للعلم إثباتها هو إمكان تبدل العناصر بعضها ببعض وعمليات التبدل - هذه - بعضها يتم بصورة طبيعية ، وبعضها يحصل بالوسائل العلمية. فقد لوحظ أن عنصر اليورانيوم، يولد أنواعًا ثلاثة من الأشعة، هي أشعة ألفا، وبيتا، وجاما. وقد وجد (رذرفورد) - حين فحص هذه الأنواع - أن أشعة (ألفا) مكونة من دقائق صغيرة، عليها شحنات كهربائية سالبة، وقد ظهر نتيجة للفحص العلمي، أن دقائق (الألفا) هي عبارة عن ذرات هليوم، بمعنى أن ذرات هليوم تخرج من ذرات اليورانيوم، أو بتعبير آخر أن عنصر هليوم يتولد من عنصر اليورانيوم. كما أن عنصر اليورانيوم، بعد أن شع ألفا، وبيتا، وجاما، يتحول تدريجيًّا إلى عنصر آخر، وهو عنصر الراديوم. والراديوم أخف في وزنه الذري من اليورانيوم، وهو بدوره يمر بعده تحولات عنصرية، حتى ينتهي إلى عنصر الرصاص.
وقام (رذرفورد) بعد ذلك، بأول محاولة لتحويل عنصر إلى عنصر آخر، وذلك أنه جعل نوى ذرات الهليوم (دقائق الألفا)، تصطدم بنوى ذرات الآزوت، فتولدت البروتونات، أي نتجت ذرة هيدروجين من ذرة الآزوت، وتحولت ذرة الآزوت إلى أوكسجين. وأكثر من هذا، فقد ثبت أن من الممكن، أن تتحول بعض أجزاء الذرة إلى جزء آخر، فيمكن لبروتون - أثناء عملية انقسام الذرة - أن يتحول إلى نيوترون، وكذلك العكس.
وهكذا أصبح تبديل العناصر من العمليات الأساسية في العلم. ولم يقف العلم عند هذا الحد، بل بدأ بمحاولة تبديل المادة إلى طاقة خالصة، أي نزع الصفة المادية للعنصر بصورة نهائية، وذلك على ضوء جانب من النظرية النسبية ل (آينشتين)، إذ قرر أن كتلة الجسم نسبية، وليست ثابتة، فهي تزيد بزيادة السرعة، كما تؤكد التجارب التي أجراها علماء الفيزياء الذرية، على الإلكترونات التي تتحرك في مجال كهربائي قوي، ودقائق (بيتا) المنطلقة من نويات الأجسام المشعة. ولما كانت كتلة الجسم المتحرك تزداد بزيادة حركته، وليست الحركة إلا مظهرًا من مظاهر الطاقة، فالكتلة المتزايدة في الجسم هي إذن طاقته المتزايدة، فلم يعد في الكون عنصران متمايزان، أحدهما المادة التي يمكن مسها وتتمثل لنا في كتلة. والآخر الطاقة، التي لا يمكن أن ترى، وليس لها كتلة. كما كان يعتقد العلماء سابقًا، بل أصبح العلم يعرف أن الكتلة ليست إلا طاقة مركزة.
ويقول آنشتين في معادلته: إن الطاقة = كتلة المادة * مربع سرعة الضوء (وسرعة الضوء تساوي (186000) ميلاً في الثانية) كما أن الكتلة = الطاقة ÷ مربع سرعة الضوء. وبذلك ثبت، أن الذرة بما فيها من بروتونات وإلكترونات ليست في الحقيقة إلا طاقة متكاثفة، يمكن تحليلها وإرجاعها إلى حالتها الأولى.
فهذه الطاقة هي الأصل العلمي للعالم في التحليل الحديث، وهي التي تظهر
في أشكال مختلفة، وصور متعددة صوتية ومغناطيسية وكهربائية وكيمياوية وميكانيكية. وعلى هذا الضوء، لم يعد الازدواج بين المادة والإشعاع، بين الجسيمات والموجات، أو بين ظهور الكهرب على صورة مادة أحيانًا، وظهوره على صورة كهرباء أحيانًا أخرى. أقول، لم يعد هذا غريبًا، بل أصبح مفهومًا بمقدار، ما دامت كل هذه المظاهر صورًا لحقيقة واحدة وهي الطاقة.
وقد أثبتت التجارب عمليًّا صحة هذه النظريات، إذ أمكن للعلماء أن يحولوا المادة إلى طاقة، والطاقة إلى مادة. فالمادة تحولت إلى طاقة، عن طريق التوحيد بين نواة ذرة الهيدروجين ونواة ذرة ليثيوم. فقد نتج عن ذلك نواتان من ذرات الهليوم، وطاقة هي في الحقيقة. الفارق بين الوزن الذري لنواتين من الهليوم، والوزن الذري لنواة هيدروجين ونواة ليثيوم. والطاقة تحولت إلى مادة، عن طريق تحويل أشعة (جاما) - وهي أشعة لها طاقة وليس لها وزن - إلى دقائق مادية، من الإلكترونات السالبة والإلكترونات الموجبة التي تحاول بدورها إلى طاقة، إذا اصطدم الموجب منها بالسالب.
ويعتبر أعظم تفجير للمادة توصل إليه العلم، هو التفجير الذي يمكن للقنبلة الذرية، والهيدروجينية أن تحققه، إذ يتحول بسببهما جزء من المادة إلى طاقة هائلة. وتقوم الفكرة في القنبلة الذرية، على إمكان تحطيم نواة ذرة ثقيلة، بحيث تنقسم إلى نواتين أو أكثر، من عناصر أخف. وقد تحقق ذلك بتحطيم النواة، في بعض أقسام عنصر اليورانيوم، الذي يطلق عليه اسم اليورانيوم 235، نتيجة لاصطدام النيوترون بها.
وتقوم الفكرة في القنبلة الهيدروجينية، على ضم نوى ذرات خفيفة إلى بعضها، لتكون بعد اتحادها نوى ذرات أثقل منها، بحيث تكون كتلة النواة الجديدة، أقل من كتلة المكونات الأصلية. وهذا الفرق في الكتلة، هو الذي يظهر في صورة طاقة. ومن أساليب ذلك دمج أربع ذرات هيدروجين، بتأثير الضغط والحرارة الشديدين، وإنتاج ذرة من عنصر الهليوم، مع طاقة، هي الفارق الوزني بين الذرة الناتجة، والذرات المندمجة، وهو كسر ضئيل جدًّا في حساب الوزن الذري.
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها