إن الذي يرى في المنام وقوع حادثة معينة بيوم معين، ثم تقع الحادثة في عالم الواقع باليوم المعلوم الذي أخبر به، إن مثل هذا الإنسان لا يمكن أن ندّعي له أن نفسه كانت على صلة وارتباط بحادثة لم تقع بعد؛ والسبب أن الصلة الوجودية بين الموجود والمعدوم من المحالات.
وكذلك بالنسبة لمن يرى في المنام أن ثمة وعاء مدفونًا في مكان معين، أو أن ثمة مقدارًا من سكك الذهب والفضة مدفونة في الوعاء، ثم يأتي للبقعة أو المكان بعد استيقاظه فيحفره ونعثر على الوعاء وفيه الذهب والفضة كما رآهما في المنام، فمثل هذا الإنسان لا يمكن أن نزعم له أن ثمة اتصالًا بين نفسه وبين الوعاء المدفون أان اتصال النفس بالأمور المادية لا يكون إلّا عن طريق الحواس. ولطالما كان الوعاء مدفونًا على مسافة تحت الأرض فلا يمكن القول بوجود رابطة حسية بين الاثنين بحيث ندّعي أن الوعاء كان قابلاَ للإدراك الحسّي.
لذلك قالوا (أهل الفن والاختصاص) إن ارتباط النفس بمثل هذه الحوادث والأشياء لا يكون إلّا عبر الاتصال بعللها وأسبابها.
وتوضيح ذلك أن عالم الوجود ينطوي على ثلاثة عوالم، هي:
عالم الطبيعة: وهو العالم الذي نعيش فيه ونعيه بشكل كامل.
عالم المثال: وهو في مرتبته الوجودية فوق عالم الطبيعة؛ موجوداته صور غير مادية لها صفة العلة بالنسبة للموجودات المادية في عالم الطبيعة.
عالم العقل: هو فوق عالم المثال، وحقائق الموجودات فيه موجودة دون مادة وصورة؛ لهذا العالم صفة العلية بالنسبة لموجودات عالم المثال.
وعليه، فإن النفس الإنسانية حين تتجرّد تتفق في سنخيتها مع عالم فوق الطبيعة. ففي وقت النوم حين لا تكون مشغولة بالإدراكات الحسية تعود النفس إلى العالم الذي تتفق معه في السنخية، وتنفتح على مشاهدة حقائقه بقدر ما تحمل من استعدادات لذلك.
إن النفس الكاملة لها القدرة على إدراك المجردات في صيغة تجردها العقلي، وبالتالي يكون بمقدورها أن تدرك العلل والأسباب على نحو كلّي. بينما النفس التي لم تبلغ هذه المرتبة من الكمال لا تدرك الحقائق الكلية إلّا على نحو جزئي.
إن النفس تعبّر عن مدركاتها بتصورات دالة عليها، فكما أننا نقرّب حالة السرعة الكلية من خلال جسم يتحرك بسرعة، وكما ندلل على معنى العظمة من تصوّر الجبل، فكذلك النفس حين لا تبلغ مرحلة التجرّد العقلي تتوقف في عالم المثال فتحكي ما تشاهد وتدل عليه من خلال الصور والمعاني. في حين يحصل لها أحيانًا أن ترى علل وأسباب الأشياء في عالم المثال بصورتها الواقعية فيكون لها أثر عليها وتقدر على أن تتصرف بها.
وهذا هو ما يحصل بالنسبة للأحلام والرؤية الصريحة التي يراها في الغالب أهل الصدق والصفاء.
ويحصل أحيانًا أن ترى النفس الموجودات المثالية بصور مأنوسة بها، فترى العلم بصورة النور، والجهل بصورة الظلمة، حتى يمكن للذهن في مثل هذه الحالات أن ينتقل من معنى إلى معنى مضاد له.
من بين أمثال هذه الأحلام الرؤية المشهورة التي تنقل، ومؤدّاها أن رجلًا جاء إلى ابن سيرين مفسّر الأحلام المعروف، وقال: رأيت بيدي خاتمًا، وأنا أختم على أفواه الناس وعوراتهم. أجاب ابن سيرين: ستغدو مؤذنَا يصوم الناس بأذانك ويمتنعون عن الطعام والاتصال الجنسي.
نوعا الرؤيا
نستخلص مما مرّ أن الرؤيا تقع على قسمين، هما: الرؤيا الصريحة المباشرة التي لا تتصرف بها نفس الرائي وإنما تنقل ما شاهدته كما هو. ثم هناك الرؤيا غير المباشرة التي تكون نفس الرائي قد تصرفت بها، فتحتاج حينئذ إلى التفسير وإلى من يعيد الصورة الذهنية إلى صورتها الحقيقية الأولى..
وبدورها تنقسم الرؤيا غير المباشرة إلى قسمين؛ الأول: الذي يكون التعبير فيها واضحًا بحيث يسهل ردّ رموزها وصورها الذهنية إلى الأصول والحقائق التي تدل عليها...
أما القسم الثاني: فيمثل الأحلام التي تصرّفت النفس بصورها بشكل معقد يفضي إلى الغموض والإبهام بحيث يصعب على المفسّر أن يعيد الصور المرئية إلى أصولها الأولى أو لا يكون ذلك له ممكنًا أصلاً.
هذا النوع من الأحلام هو الذي يطلق عليه «أضغاث أحلام».
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ باقر القرشي
الشيخ حسين مظاهري
السيد عباس نور الدين
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ جعفر السبحاني
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب