علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

سرّ أسلوب مذاكرة الدّروس الفعّالة

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

مقدمة البرفسور رضي حسن  المبيوق 

 

لكل طالب طريقته الخاصة في التعلم وقد تكون طريقة تعلمه فاعلة وناجعة وقد لا تكون. وحتى لو كانت مجدية وفعالة بالنسبة له؛ فقد لا تكون كذلك لغيره.

 

بقدر ما تعطينا الدراسة التي بين يديك من معلومات ثرية وعملية عن طرق التعلم الفعالة، بقدر ما تثير أسئلة مهمة عن كيف تنشأ أساليب التعلم، وما هي المؤثرات الداخلية النابعة من الطالب والمؤثرات الخارجية، التي تشمل توجيه المربين والمدرسين ومحاكاة زملاء الدراسة وغيرها.

 

بالنسبة لنشأة عادات أو استراتيجيات التعلم، فهناك عدة عوامل تتحد فيها المؤثرات الداخلية والخارجية، ومنها الحاجة لانتهاج طريقة ما لتعلم شيء معين. قد تكون طريقة التعلم هي الحفظ عن ظهر قلب، أو الحفظ مع فهم الفكرة أو الدرس، وقد تكون الطريقة متقدمة بحيث تتجاوز الحفظ والفهم إلى تحليل وتقييم المعلومات وصولًا إلى طرق تطبيق الفكرة.

 

المربون والمعلمون لهم دور كبير وتأثير عميق في طريقة (أو طرق) تعلم الطلاب. أسلوب التدريس الذي ينتهجه المدرس بطبيعته يكرس عادة أو طريقة تعلم معينة لدى الطالب. فإذا كان اعتقاد المدرس بأن هدف الدرس هو حفظ المادة الدراسية، فالطالب سيتأثر مباشرةً بهذا الأسلوب وسيعتقد بأن طريقة التعلم منحصرة بهذه الطريقة وسيتبناها حتى يستطيع اجتياز امتحان المادة الدراسية.

 

أمّا لو كان أسلوب التدريس هو التركيز على الحفظ والفهم معًا للصعود إلى محاكمة المعلومة وتحليلها وربطها بمعلومات سابقة أخرى، وكيفية الاستفادة منها، وطرق تطبيقها، فذلك من شأنه أن يرسخ المعلومة أكثر ويقوي الترابط بينها وبين مختلف المعلومات السابقة في ذهن الطالب.

 

وهذه النقطة بالذات ركزت عليها الدراسة التالية، وتسمى العملية بالربط بين معلومة سابقة وأخرى لاحقة  (elaboration) (1) وتتميز بربط المعلومة الجديدة بالمعلومة السابقة في ذهن الطالب لكي يسهل عليه فهمها واستيعابها. على سبيل المثال، وضع المفردة الجديدة أو المصطلح الجديد في جمل مختلفة، من شأنه أن يعين الطالب على فهم المعنى ويرسخه بشكل أكثر في الذاكرة لو وظّفه الطالب بشكل صحيح، وربما بطرق إبداعية، في كلامه أو كتاباته.

 

ونقطة أخيرة لا بد من ذكرها، وهي بأن طريقة التعلم التي تنشأ عند الطالب ناتجة عن اعتقاده بقيمتها وفعاليتها وأي محاولة لتغيير أسلوب التعلم عند الطالب لا بد أن يأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار.

 

الدراسة

 

كيف نتعلم بفعالية؟ استرجاع المادة الدراسية (الدروس)، التي تعلمناها، من الذاكرة على فترات زمنية معينة يعدّ من الأمور المهمة للتعلّم، ولكن هذا ليس إلّا واحدًا من أساليب استذكار المادة الدراسية. وللحصول على نتائج أفضل، من الأفضل التعلم الفعال بأساليب مختلفة، كما يزعم باحثون في ورقتهم التي نُشرت في المجلة المرموقة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (2) (PNAS).

 

الذاكرة البشرية معقدة وتعتمد على الكثير من العوامل، ولهذا السبب، ترجمة نتائج كل من الدراسات العلمية إلى نصائح عملية للتعلم الفعال ليس من السهولة بمكان. بيد أن الدراسات السابقة تشير إلى أن التعلّم قد يصبح أكثر فعالية لو استطعنا استرجاع المادة الدراسية (الدرس) من الذاكرة بدلاً من مجرد تكرار قراءتها، وكذلك عندما تتوزع جلسات التعلم (المذاكرة أو مراجعة الدرس) على فترات زمنية متفرقة، وليس على سبيل المثال، مراكمتها قبل الامتحان بليلة واحدة (3،  4).

 

هل بإمكاننا أن نذاكر الدرس بشكل أكثر فعالية؟

 

إيوا بوتوسكا-بوتشينسكا Ewa Butowska-Buczyńska من كلية علم النفس في  العلوم الاجتماعية والإنسانية  SWPS في وراسو بولندا، وماتشي هانكزاكوفسكي Maciej Hanczakowski وكاتارزينا زافادزكا Katarzyna Zawadzka من جامعة آدم ميكيويتز في بوزنان، وبولينا كليس Paulina Kliś، خريجة جامعة SWPS، قرروا ليعرفوا ما إذا كان من الممكن دعم عملية حفظ المادة الدراسية بطريقة أخرى. اتضح أن ذلك ممكن. وهذا يتطلب ما يسمى بالتعلم المتغير، والذي يتضمن إدراج التنوع في طريقة الحفظ. وهذا يعني التعلم عن ظاهرة معينة من وجهات نظر مختلفة، وفي سياقات مختلفة، وبطرق عديدة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون عملية الاسترجاع (التذكر)  متنوعة أيضًا، أي أن تتم الاستجابة لقرائن مختلفة، وليست بالضرورة متطابقة، تؤدي إلى الإجابة الصحيحة.

 

في ورقة بحثية بعنوان "دور استرجاع المعلومات المتغير في التعلم الفعال" نُشرت في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم (2)، وصف الباحثون سلسلة من التجارب التي طلبوا فيها من المشاركين تعلّم كلمات أجنبية (فنلندية). أُدرجت هذة الكلمات في جمل عُرضت على المشاركين بلغتهم الأم، على سبيل المثال، "Dad is sweeping the lattia" والتي تعني "الأب يمسح الأرضية" (بالفنلندية: lattia تعني الأرضية). خلال الدراسة، كل كلمة أجنبية عُرضت على المشاركين عدة مرات، إما في نفس الجملة ("الأب يمسح أرضية الغرفة" عُرضت عليهم 5 مرات) أو في جمل مختلفة (على سبيل المثال "الأب يمسح أرضية الغرفة"، "كلب مستلقٍ على أرضية الغرفة"،  "طفل يلعب على أرضية الغرفة"، "سجادة مفروشة على أرضية الغرفة"، "قطة تنزلق على أرضية الغرفة". حُقق أداء ذاكرة (أي قدرة على تخزين ذاكرة واسترجاعها) أفضل لترجمة الكلمات الأجنبية الـمُدرجة في الجملة أو الجمل المعروضة عندما عُرضت جمل مختلفة على المشاركين أثناء عملية التعلم من التي لو كُرّرت  نفس الجملة عدة مرات. وقد لوحظت فوائد هذه الطريقة في اكتساب المعرفة سواء مباشرة بعد فترة الدراسة (المذاكرة) أو بعد 24 ساعة من فترة الدراسة (المذاكرة).

 

ومن المثير للاهتمام أن المشاركين كانوا مقتنعين بأن حفظهم للكلمات الأجنبية عندما تعلموها باستخدام الجمل نفسها دائمًا كان أسهل بالنسبة لهم، وهو ما لا يتسق مع نتائج اختباراتهم الفعلية. يُطلق على هذا "وهْم ما فوق الإدراك" (5، 6) - وهو اعتقاد خاطئ بفعالية حالات أو شروط تعليمية معينة، ما قد يؤدي في النهاية إلى اختيار أساليب تعلمية أقل فعالية.

 

الذاكرة أفضل بوجود صعوبة في طريقة التعلم

 

فكرة تعلم جوانب مختلفة من المعلومات في كل جلسة تعليمية ليست جديدة، تشكيل ذاكرة طويلة الأمد (7) يعدّ أمرًا بالغ الأهمية. يمكن مقارنة ذلك بإيجاد مسارات متعددة للمعلومات المحفوظة في الذاكرة، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك لاسترجاع المعلومات من الذاكرة. كلما زاد عدد هذه المسارات التي نوجدها أثناء عملية التعلم، زادت فرصة استرجاع المعلومات التي نبحث عنها بشكل فعال، على سبيل المثال، عندما نُسأل أثناء الامتحان سؤالًا يناسب أحد المسارات المحتملة فقط.

 

أساليب التعلم المتنوعة هذه، حيث لا نقتصر على جانب واحد من المعلومات التي يجب تعلمها، تُعدّ صعبة على ذاكرتنا. لذا تتطلب جهداً أكبر من التعلم المستمر والمتكرر، ولكن هذا الجهد يساعد على اكتساب المعرفة. ولذلك يمكننا القول إن وجود بعض الصعوبة في عملية التعلم أمر مرغوب فيه. لو رغبنا في أن تكون معرفتنا مفيدة، أي يمكن استرجاعها في ظروف أو حالات مختلفة أو حين نحتاجها للإجابة على أسئلة اختبار مختلفة، ينبغي أن نثري جلسات دراستنا (مذاكرتنا) بالصعوبات التالية: محاولة استرجاع (استذكار) المعلومات التي تعلمناها سابقًا (بدلاً من تكرار قراءتها عدة مرات) توزيع جلسات المذاكرة على فترات زمنية (بدلاً من مراكمتها في جلسة تعلم أو مذاكرة  واحدة)، واسترجاع المعلومات من الذاكرة بأساليب مختلفة (وليس فقط استجابة لحالة واحدة أو بأسلوب واحد).كما توضح المؤلفة المشاركة في الدراسة، إيوا بوتوسكا-بوزينسكا Butowska-Buczyńska, من كلية علم النفس في جامعة SWPS.

 

يشير مؤلفو الورقة البحثية إلى أنه من الممكن استخدام نتائج دراستهم لتطوير إرشادات للتعلم الفعال. لكنهم يؤكدون أن الأبحاث التي أجريت حتى الآن تقتصر على حالات تجريبية محددة، وهناك حاجة إلى مزيد من الدراسة لتعزيز هذه الطريقة في التعلم على نطاق أوسع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- "الربط بين معلومة سابقة وأخرى لاحقة eleboration" هي عملية إيجاد اقترانات وروابط مفيدة بين أفكار أو مفاهيم أو خبرات أو معلومات مسبقة بالفكرة أو المعلومة أو بالمصطلح الجديد عملية يطلق عليها. ورغم أن عملية الربط هذه تبدو معقدة، إلا أنها عملية بسيطة يمكن تكييفها وملاءمتها بسهولة مع مختلف السياقات، وهي فعالة لجميع مستويات التعلم. عملية الربط هذه ضرورية لتدريس وتعلم المفاهيم الجديدة، ويمكن أن تمهد الطريق للتعلم في الأمد الطويل. لكي تتمكن أدمغتنا من معالجة المعلومات وترسيخها في الذاكرة، تحتاج شبكات الدماغ العصبية الناشئة إلى ربط المعرفة الجديدة بالشبكات العصبية القديمة. وبذلك تترسخ المعلومات في الذاكرة  بشكل أسرع وتستمر لمدة أطول؛ وبها تتحقق ميزة تعليمية فريدة". تُرجمت من نص ورد على هذا العنوان:

https://the-learning-agency-lab.com/learning-strategies/elaboration/

2- https://www.pnas.org/doi/10.1073/pnas.2413511121

3- https://psycnet.apa.org/record/2013-00960-002

4- http://https://www.nature.com/articles/s44159-022-00089-1

5- “يشير وهم الفوق الإدراكي إلى الأخطاء المنهجية في المراقبة فوق الإدراكية [تقييم عملية التعلم أو الحالة الحالية للمعرفة (5)]، المنبثقة من أحكام غير دقيقة حول فعالية استراتيجية من الاسنتراتيجيات قد لا يتمكن الطلاب الذين لديهم أوهام فوق إدراكية من التنظيم الذاتي لعملية تعلمهم، أو قد يقومون بذلك بشكل غير فعال". ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.eurekalert.org/news-releases/1071493 

6- http://https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC7298225/

7- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/h0048509

المصدر الرئيس

https://www.eurekalert.org/news-releases/1071493

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد