قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

أدلة جزئية البسملة للقرآن


السيد أبو القاسم الخوئي ..

في هذه المسألة أقوال أخر شاذة لا فائدة في التعرض لها ، ولكن المهم بيان الدليل على المذهب الحق ويقع ذلك في عدة أمور :

1 ـ أحاديث أهل البيت :
وهي الروايات الصحيحة المأثورة عن أهل البيت : الصريحة في ذلك (1) وبها الكفاية عن تجشم أي دليل آخر بعد أن جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عدلاً للقرآن في وجوب التمسك بهم والرجوع إليهم (2).
1 ـ عن معاوية بن عمار قال :
« قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال : نعم. قلت : فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة ، قال : نعم » (3).
2 ـ عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال :
« كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام)  جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ : ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي : ليس بذلك بأس ، فكتب بخطه : يعيدها ـ مرتين ـ على رغم أنفه ، يعني العباسي » (4).
3 ـ وفي صحيحة ابن أبي أذينة :
« .. فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سم باسمي فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ثم أوحى الله إليه أن احمدني فلما قال : الحمد لله رب العالمين ، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفسه شكراً فأوحى الله عز وجل إليه قطعت حمدي فسم باسمي فمن أجل ذلك جعل في الحمد : الرحمن الرحيم مرتين ، فلما بلغ ولا الضالين قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) الحمد لله رب العالمين شكراً فأوحى الله إليه قطعت ذكري فسم باسمي فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ثم أوحى الله عز وجل إليه إقرأ يا محمد نسبة ربك تبارك وتعالى قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد » (5).


2 ـ أحاديث أهل السنة :
وقد دلت على ذلك أيضاً روايات كثيرة من طرق أهل السنة نذكر جملة منها :
1 ـ ما رواه أنس قال :
« بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر .. » (6).
2 ـ ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن علي (عليه السلام)   :
« أنه سئل عن السبع المثاني ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقيل له : إنما هي ست آيات ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم آية » (7).
3 ـ ما أخرجه الدارقطني أيضاً بسند صحيح عن أبي هريرة قال :
« قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني. وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها » (8).
4 ـ ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال : « السبع المثاني فاتحة الكتاب. قيل : فأين السابعة؟ قال : بسم الله الرحمن الرحيم » (9).
5 ـ ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال :
« استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن : بسم الله الرحمن الرحيم » (10).
6 ـ ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
« كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت » (11).
7 ـ ما رواه سعيد عن ابن عباس :
أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا جاءه جبرئيل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم أن ذلك سورة (12).
8 ـ ما رواه ابن جريج قال :
« أخبرني أبي أن سعيد بن جبير أخبره ، قال : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني قال : هي أم القرآن ، قال أبي : وقرأ علي سعيد بن جبير بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال سعيد بن جبير : وقرأها علي ابن عباس كما قرأتها عليك ، ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال ابن عباس : فأخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم » (13). إلى غير ذلك من الروايات. ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع مظانها.


الروايات المعارضة :
وليس بإزاء هذه الروايات إلا روايتان دلتا على عدم جزئية البسملة للسورة :
1 ـ إحداهما : رواية قتادة عن أنس بن مالك ، قال : صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمرو عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (14).
2 ـ ثانيتهما : ما رواه ابن عبد الله بن مغفل يزيد بن عبد الله ، قال :
« سمعني أبي وأنا أقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : أي بني! إياك قال : ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أبغض إليه حدثاً في الاسلام منه ، فإني قد صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  ومع أبي بكر وعمر ، ومع عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقولها فلا تقلها ، إذا أنت قرأت فقل : الحمد لله رب العالمين » (15).

والجواب عن الرواية الأولى :
ـ مضافاً إلى مخالفتها للروايات المأثورة عن أهل البيت : ـ أنها لا يمكن الاعتماد عليها من وجوه :
الوجه الأول : معارضتها بالروايات المتواترة معنى ، المنقولة عن طرق أهل السنة ، ولا سيما أن جملة منها صحاح الأسانيد ، فكيف يمكن تصديق هذه الرواية؟ مع شهادة ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأم سلمة على أن رسول الله كان يقرأ البسملة ويعدها آية من الفاتحة ، وإن ابن عمر كان يقول : لم كتبت إن لم تقرأ! وإن علياً (عليه السلام ) كان يقول : من ترك قراءتها فقد نقص وكان يقول : هي تمام السبع المثاني (16).
الوجه الثاني : مخالفتها لما اشتهر بين المسلمين من قراءتها في الصلاة ، حتى أن معاوية تركها في صلاته في يوم من أيام خلافته ، فقال له المسلمون : أسرقت أم نسيت؟ (17).
ومع هذا كيف يمكن التصديق بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده لم يقرأوها !
الوجه الثالث : مخالفتها لما استفاض نقله عن أنس نفسه (18) فالرواية موضوعة ما في ذلك من شك.

والجواب عن الرواية الثانية :
ـ وهي رواية ابن عبد الله بن مغفل ـ يظهر مما تقدم في الجواب عن الرواية  الأولى ، على أنها تضمنت ما يخالف ضرورة الإسلام ، فإنه لا يشك أحد من المسلمين في استحباب التسمية قبل الحمد والسورة ، ولو بقصد التيمن والتبرك ، لا لأن البسملة جزء ، فكيف ينهى ابن مغفل عنها بدعوى أنها حدث في الإسلام !


3 ـ سيرة المسلمين :
لقد استقرت سيرة المسلمين على قراءة البسملة في أوائل السور غير سورة براءة ، وثبت بالتواتر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقرأها ، ولو لم تكن من القرآن للزم على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصرح بذلك ، فإن قراءته ـ وهو في مقام البيان ـ ظاهرة في أن جميع ما يقرأ قرآن ، ولو لم يكن بعض ما يقرأ قرآنا ثم لم يصرح بلك لكان ذلك منه إغراء منه بالجهل وهو قبيح ، وفي ما يرجع إلى الوحي الإلهي أشد قبحاً ، ولو صرح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)  بذلك لنقل الينا بالتواتر مع أنه لم ينقل حتى بالآحاد.


4 ـ مصاحف التابعين والصحابة :
مما لا ريب فيه أن مصاحف التابعين والصحابة ـ قبل جمع عثمان وبعده ـ كانت مشتملة على البسملة ، ولو لم تكن من القرآن لما أثبتوها في مصاحفهم ، فإن الصحابة منعت أن يدرج في المصحف ما ليس من القرآن ، حتى أن بعض المتقدمين منعوا عن تنقيط المصحف وتشكيله. فإثبات البسملة في مصاحفهم شهادة منهم بأنها من القرآن كسائر الآيات المتكررة فيه.
وما ذكرناه يبطل احتمال أن إثباتهم إياها كان للفصل بين السور. ويبطل هذه الدعوى أيضاً إثبات البسملة في سورة الفاتحة ، وعدم إثباتها في أول سورة براءة. ولو كانت للفصل بين السور ، لأثبتت في الثانية ، ولم تثبت في الأولى. وذلك يدلنا قطعاً على أن البسملة آية منزلة في الفاتحة دون سورة براءة.
____________________
1 ـ وللاطلاع على الروايات المذكورة يراجع فروع الكافي باب قراءة القرآن ص 86 ، والاستبصار باب الجهر بالبسملة ج 1 ص 311 ، والتهذيب ـ باب كيفية الصلاة وصفتها ج 1 ص 153 ، 218 ، ووسائل الشيعة باب أن البسملة آية من الفاتحة ج 1 ص 352.
2 ـ تقدم بعض مصادر هذا الحديث في الصفحة 18 ، 398 من هذا الكتاب.
3 ـ الكافي ج 3 ص 312 ط دار الكتب الاسلامية.
4 ـ نفس المصدر ص 313.
5 ـ الكافي ج 3.
6 ـ صحيح مسلم باب حجة من قال البسملة آية ج 2 ص 12 ، وسنن النسائي باب قراءة البسملة ج 1 ص 143 ، وسنن أبي داود باب الجهر بالبسملة ج 1 ص 125.
7 ـ الاتقان النوع 22 ـ 27 ج 1 ص 136 ، ورواهما البيهقي في سننه باب الدليل على أن البسملة آية تامة ج 2 ص 45.
8 ـ نفس المصدر السابق.
9 ـ نفس المصدر ، ورواه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 551.
10 ـ نفس المصدر ص 135 ، ورواه البيهقي في سننه باب افتتاح القراءة في الصلاة ج 2 صفحة 50.
11 ـ مستدرك الحاكم ج 1 ص 232 قال الحاكم : هذا صحيح على شرط الشيخين.
12 ـ مستدرك الحاكم ج 1 ص 231.
13 ـ نفس المصدر السابق كتاب فضائل القرآن ص 550.
14 ـ مسند أحمد ج 3 ص 177 ، 273 ، 278. وصحيح مسلم باب حجة من لا يجهر بالبسملة ج 2 ص 12. وسنن النسائي باب ترك الجهر بالبسملة ج 1 ص 144. وروى قريبا منه عن عبد الله بن مغفل.
15 ـ مسند أحمد ج 4 ص 85 ، ورواه الترمذي باختلاف يسير باب ما جاء في ترك الجهر بالبسملة ج 2 ص 43.
16 ـ انظر التعليقة رقم (14) لمعرفة أن البسملة جزء من القرآن بشهادة جملة من الاحاديث ـ في قسم التعليقات.
17 ـ انظر التعليقة رقم (15) قصة نسيان معاوية لقراءة البسملة واعتراض المسلمين عليه ـ في قسم التعليقات.
18 ـ انظر التعليقة رقم (16) للوقوف على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقرأ البسملة في كل صلاة ، ثم توجيه رواية أنس ـ في قسم التعليقات .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد