قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

المؤمنون في قوله تعالى﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ﴾

 

الشيخ محمد صنقور
ما المقصود بالمؤمنين في قوله تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...﴾(1)؟ وإذا كان المقصودُ هم أهل البيت (ﻉ) أفلا يكون هناك إشكال بوصف أهل البيت (ﻉ) بلفظ يصلح أن يكون لغيرهم من سائر الناس المؤمنين؟
استفاضت الروايات الواردة عن أهل البيت (ﻉ) في أنَّ أعمال العباد تُعرَض على رسول الله (ص) والأئمة (ﻉ) بل لا يبعدُ القول بتواترها المعنوي، وقد أفاد الكثيرُ منها أنَّ المقصود من المؤمنين في قوله تعالى: ﴿فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾(2) هم خصوص الأئمة (ﻉ) فهم الشهداء على أعمال العباد.
 

استعمال العام وإرادة الخاص:
وأما أنَّ عنوان المؤمنين ممَّا يصحُّ اتِّصاف غير الأئمة (ﻉ) به فذلك لا يضرُّ باختصاص إرادتِهم من هذا العنوان في الآية المباركة، فبعد أنْ لم يكن ريبٌ في صدق عنوان المؤمنين عليهم بل إنَّهم المصداقُ الأتمُّ لهذا العنوان فإنَّ استعمال العام وإرادة الخاص أمرٌ شايع في استعمالات أهل اللغة فيقال للفقير مثلاً: مَن الذي بنى بيتك؟ فيقول: بناه أهل الإحسان والخير، وهو لا يقصد يقيناً أنَّ الذي بنى بيتَه هو كلُّ مَن يتصف بهذا العنوان وإنَّما يقصدُ بعضهم مِمَّن يتَّصف بهذا العنوان، وهم معيَّنون في ذهنه.
وكذلك فإنَّ استعمال العنوان العام وإرادة الخاص شائع في الخطاب القرآني فمثلاً قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾(3) فإنَّ الكثير من المفسِّرين السنَّة قالوا إنَّ المراد من أهل الذكر هم علماء اليهود والنصارى(4) رغم أنَّ عنوان أهل الذكر مما يصح إطلاقه على الأعم منهم ومن علماء المسلمين وغيرهم أيضاً، فالآية بناءً على ذلك تكونُ قد استَعملتْ عنواناً عاماً وأرادت خصوص علماء أهل الكتاب.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ -إلى قوله تعالى- ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾(5).
فإن عنوان المرسلين الوارد في هذه الآيات وإنْ كان يصدق على عموم الرسل (ﻉ) إلا أنَّ المراد منه في هذه الآيات هم أفراد معيَّنون من الرسل ذكرهم المفسِّرون من الشيعة والسنة، فالمرسَلون في قوله تعالى: ﴿إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ وقوله ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ هم أولئك المرسلون الثلاثة المعيَّنون وليسوا مطلق المرسلين كما أجمع على ذلك عموم المفسِّرين.
إذن لا مانع لغةً وعرفاً منْ أنْ يكون المعنيُّ من ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ في قوله ﴿فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ هو خصوص أئمةِ أهلِ البيت (ﻉ).
نعم يقع الكلام فيما هو الدليل على أنَّهم المعنيِّون من عنوان المؤمنين في الآية المباركة..... إلا أنَّه يكفي أن نشير إلى أنَّ الدليل على ذلك هو ما ورد في الروايات(6) المتكاثرة التي تصدَّت للإخبار عن أنَّ المعنيِّين من عنوان المؤمنين في هذه الآية هم أئمة أهل البيت (ﻉ).
فلأننا نعتقد أنَّ أهل البيت (ﻉ) هم الأعلم بمعاني آيات الكتاب المجيد، فإذا ورد عنهم تفسيرٌ لآيةٍ من آيات القرآن فإنَّ ذلك التفسير يكون هو المتعيِّن واقعاً في اعتقادنا، لأن تفسيرَهم ليس عن اجتهادٍ بل هو متلقَّى عن الرسول (ص).

________________________________________
1- سورة التوبة آية رقم 105.
2- سورة التوبة آية رقم 105.
3- سورة النحل آية رقم 43.
4- لاحظ جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج14 ص144، ج17 ص8، معاني القرآن للجصاص ج4 ص68، تفسير ابن كثير- ابن كثير- ج2 ص591.
5- سورة يس آية رقم 13-20.
6- راجع كتاب الكافي- الشيخ الكليني- باب عرض الأعمال على النبي (ص) والائمة (ﻉ) ج1 ص219، بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار- باب الاعمال تُعرض على رسول الله (ص) والائمة (ﻉ) ص444، وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج16 ص107 باب وجوب الحذر من عرض العمل على الله ورسوله والائمة (ﻉ)، مستدرك الوسائل- الميرزا النوري- باب وجوب الحذر من عرض العمل على الله ورسوله والائمة (ﻉ) ج12 ص161، جامع أحاديث الشيعة باب ما ورد من الأمر بالحذر من عرض الأعمال على الله ورسوله والائمة (ﻉ) ج13 ص301.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد