قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

البسملة، جزئيّتها والجهر بها (2)

السبع المثاني هي فاتحة الكتاب

قد تضافرت الروايات عن علي وابن مسعود وغيرهما من الصحابة وكثير من التابعين على أنّ المراد من السبع المثاني في قوله سبحانه: (وَلَقَدْ َآتيناكَ سَبعاً مِن المَثَانِيَ والقُرآنَ العَظِيم) (1) هذا من جانب، ومن جانب آخر، إنّ آياتها لا تبلغ سبعاً إلاّ إذا عُدّت البسملة آية منها، فإليك الكلام في المقامين.

أمّا ما دلّ على المراد من السبع المثاني هو سورة الفاتحة، فهو على قسمين:

ما يفسر السبع المثاني بفاتحة الكتاب من دون تصريح بأنّ البسملة جزء من فاتحة الكتاب.

ما يفسر السبع المثاني بفاتحة الكتاب مع التصريح بأنّ البسملة من آياتها.

أمّا القسم الأوّل فإليك بعض ما وقفنا عليه لا كلّه، لأنّه يوجب الإطناب في الكلام.

1. أخرج الطبري عن عبد خير، عن علي عليه السَّلام قال: «السبع المثاني فاتحة الكتاب».(2)

2. أخرج الطبري عن ابن سيرين قال: سئل ابن مسعود عن سبع من المثاني، قال: فاتحة الكتاب.(3)

3. أخرج الطبري عن الحسن في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي) قال: هي فاتحة الكتاب.

وأخرج أيضاً عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: فاتحة الكتاب.

4. أخرج الطبري عن أبي فاختة في هذه الآية (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني والقرآن العظيم) قال: هي أُمّ الكتاب.(4)

5. أخرج الطبري عن أبي العالية في قول اللّه: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني) قال: فاتحة الكتاب سبع آيات، قلت لربيع: إنّهم يقولون السبع الطول فقال: لقد أنزلت هذه وما أنزل من الطول شي.

6. أخرج الطبري عن أبي العالية قال: فاتحة الكتاب، قال: وإنّما سمّيت المثاني، لأنّه يثنّى بها كلّما قرأ القرآن قرأها، فقيل لأبي العالية: إنّ الضحاك بن مزاحم يقول: هي السبع الطول، فقال: لقد نزلت هذه السورة سبعاً من المثاني وما نزل شيء من الطوال.

7. أخرج الطبري عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير قال: السبع من المثاني هي فاتحة الكتاب.

8. أخرج الطبري عن ابن جريج عن ابن مليكة قال: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني) قال: فاتحة الكتاب، وذكر فاتحة الكتاب لنبيّكم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تذكر لنبي قبله.

8. أخرج الطبري عن أبي هريرة، عن أبىّ قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا أُعلّمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، قلت: بلى.

قال: إنّي لأرجو أن لا تخرج من ذلك الباب حتّى تعلّمها، فقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقمت معه فجعل يحدثني ويده في يدي، فجعلت أتباطأ كراهية أن يخرج قبل أن يخبرني بها، فلمّا قرب من الباب قلت: يا رسول اللّه السورة التي وعدتني، قال: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأ فاتحة الكتاب، قال: هي هي، وهي السبع المثاني التي قال اللّه تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني والقرآن العظيم) الذي أعطيت.(5)

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.(6)

10. أخرج الطبري عن أبي هريرة، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: هي أُمّ القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني.(7)

11. أخرج الطبري عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فاتحة الكتاب، قال: هي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم.(8)

وأمّا القسم الثاني وهو ما يفسر السبع المثاني بفاتحة الكتاب ويجعل البسملة أوّل آية منها.

12. أخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والحاكم ـ وصحّحه ـ والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنّه سُئل عن السبع المثاني، قال: فاتحة الكتاب استثناها اللّه لأمّة محمّد، فرفعها في أُمّ الكتاب، فدخرها لهم حتى أخرجها ولم يعطها أحداً قبله، قيل: فأين الآية السابعة؟ قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم .(9)

13. أخرج الطبري عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني) قال: فاتحة الكتاب، فقرأها على ست، ثمّ قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم، الآية السابعة.

قال سعيد: وقرأها ابن عباس علىَّ كما قرأها عليك، ثمّ قال: الآية السابعة، بسم اللّه الرحمن الرحيم.(10)

14. أخرج الطبري عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: فاستفتح ثمّ قرأ فاتحة الكتاب ثمّ قال: تدري ما هذا (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني).

ولا شهادة في قوله: «فاستفتح ثمّ قرأ فاتحة الكتاب» على خروج البسملة من جوهرها، وذلك لأنّ البسملة لما كانت موجودة في صدر عامة السور فأشار إلى البسملة بقوله: «فاستفتح» ثم أشار إلى سائر آياتها التي تتميز عن سائر السور بقوله: «ثمّ قرأ فاتحة الكتاب».

وبما ذكرنا يفسر الحديث التالي:

15. أخرج الطبري عن أبي سعيد بن المعلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعاه وهو يصلّي فصلّى ثمّ أتاه فقال: ما منعك أن تجيبني، قال: إنّي كنت أُصلّي، قال: ألم يقل اللّه (يا أَيُّها الّذِين آمنُوا اسْتَجِيبُوا للّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحييكُمْ) (11)، قال: ثمّ قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأُعلمنك أعظم سورة في القرآن، فكأنّه بينها أو نسي، فقلت: يا رسول اللّه الذي قلت.

قال : الحمد للّه ربّ العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيته.(12)

16. أخرج الدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة «أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قرأ ـ وهو يؤم الناس ـ افتتح بسم اللّه الرحمن الرحيم» قال أبو هريرة: آية من كتاب اللّه، اقرأوا إن شئتم فاتحة الكتاب، فإنّها الآية السابعة.(13)

17. أخرج الدارقطني والبيهقي في السنن بسند صحيح عن عبد خير، قال: سئل علي رضي اللّه عنه عن السبع المثاني، فقال: «الحمد للّه ربّ العالمين » فقيل له: إنّما هي ست آيات! فقال: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» آية.(14)

18. أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أُمّ سلمة قالت: قرأ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم * الحمد للّه ربّ العالمين * الرّحمن الرّحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وقال: هي سبع يا أُمّ سلمة.(15)

 

فاتحة الكتاب سبع آيات مع البسملة

إنّ فاتحة الكتاب آيات سبع، إذا قلنا بكون التسمية جزءاً منها، ولذلك ترى أنّ المصاحف المعروفة تعد البسملة آية من سورة الفاتحة، وإن كان يترك عدّها آية من سائر السور، وعلى ذلك يكون عدد الآيات سبعاً كالشكل التالي:

(بسم اللّه الرّحمن الرحيم(1) الحَمدُ للّه رَبّ العالمين(2) الرّحمن الرَّحيم(3) مالكِ يَوم الدِّين(4) إيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعين(5) اِهدِنا الصِّراط المُسْتَقيم(6) صِراطَ الَّذِينَ أَنعمت عَلَيْهِم غَير المَغضُوب عَلَيْهِمْ وَلا الضّالّين(7)).

فترى أنّ كلّ آية جملة تامة، وأمّا من لم يجعل التسمية من السبع فقد جعل (صراط الّذين أنعمت عليهم) آية، (غير المغضوب عليهم ولا الضّالين) آية أُخرى، ومعنى ذلك جعل المبدل منه آية والبدل آية أُخرى، وهذا ما لا يستسيغه الذوق السليم.

كما أنّ من حاول أن يجعل (إيّاك نعبد) آية، (وإيّاك نستعين) آية أُخرى فقد سلك مسلكاً وعراً، فإنّ الجملتين كسبيكة واحدة تنص على التوحيد في العبادة والاستعانة فما معنى الفصل بينهما.

هذا بعض ما وقفنا عليه من روايات أهل السنّة الدالة على أنّ البسملة جزء من الفاتحة، ويدلّ عليه أيضاً أمران آخران:

1. ما سيمرّ عليك من أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه كانوا يجهرون بالبسملة.

2. ما يدلّ على أنّ البسملة جزء من كلّ سورة.

غير أنّه رعاية لنظام البحث فصلنا ما يدلّ على الجهر بالبسملة في قراءة الفاتحة عن ذكر البسملة، كما فصلنا ما يدلّ على أنّ البسملة جزء من كلّ سورة.

 

روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)

أمّا ما روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فحدِّث عنه ولا حرج، ولنذكر بعض ما روي عنهم (عليهم السلام):

1. أخرج الشيخ في «التهذيب» عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن السبع المثاني والقرآن العظيم، أهي الفاتحة؟ قال: «نعم»، قلت: بسم اللّه الرّحمن الرحيم من السبع؟ قال: نعم، هي أفضلهن.(16)

2. أخرج الشيخ في «التهذيب» عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، عن أبيه قال: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من ناظر العين إلى بياضها».(17)

3. أخرج الكليني عن معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللّه الرّحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: «نعم».(18)

4. أخرج الصدوق في «عيون الأخبار» عن الحسن ابن علي العسكري (عليه السلام)، قال: قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) أخبرنا عن بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، أهي من فاتحة الكتاب؟ قال: «نعم، كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأها ويعدها آية، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني».(19)

إلى غير ذلك ممّا ورد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في جزئيّة البسملة من الفاتحة.

ويؤيّد ذلك أنّ المأثور المشهور عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ ببسم اللّه أقطع، وكلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أبتر أو أجذم».(20)

ومن المعلوم أنّ القرآن أفضل ما أوحاه اللّه تعالى إلى أنبيائه ورسله وأنّ كلّ سورة منه ذات بال وعظمة، تحدّى اللّه بها البشر فعجزوا عن أن يأتوا بمثلها، فهل يمكن أن يكون القرآن أقطع؟ تعالى اللّه وتعالى فرقانه الحكيم وتعالت سوره عن ذلك علوّاً كبيراً.

والصلاة هي الفلاح وهي خير العمل كما ينادى به في أعلى المنائر والمنابر ويعرفه البادي والحاضر، لا يوازنها ولا يكايلها شيء بعد الإيمان باللّه تعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر، فهل يجوز أن يشرعها اللّه تعالى بتراء جذماء؟! إنّ هذا لا يجرؤ على القول به برّ ولا فاجر، لكن الأئمّة البررة مالكاً والأوزاعي وأبا حنيفة رضي اللّه عنهم ذهلوا عن هذه اللوازم، وكلّ مجتهد في الاستنباط من الأدلّة الشرعية معذور ومأجور إن أصاب وإن أخطأ.(21)

ـــــــــــــــــــــــــــ

1 . الحجر: 87 .

2 . تفسير الطبري: 14/37.

3 . تفسير الطبري: 14/37.

4 .  تفسير الطبري: 14/38.

5 . تفسير الطبري: 14/40.

6 . المستدرك: 2/258.

7 . تفسير الطبري: 14/41.

8 . تفسير الطبري: 14/41.

9 . الدر المنثور: 5/94.

10 . تفسير الطبري: 14/38.

11 . الأنفال: 24.

12 . تفسير الطبري: 14/41.

13 . السنن الكبري: 2/47; سنن الدارقطني: 1/305.

14 .  سنن الدارقطني: 1/311; السنن الكبرى: 2/45.

15 . الدر المنثور: 1/12.

16 .  التهذيب: 2/289، برقم1157.

17 .  التهذيب: 2/289، برقم 1159.

18 . الكافي: 3/312، الحديث1.

19 .  عيون أخبار الرضا: 2/11.

20 . التفسير الكبير للرازي: 1/198.

21 .  مسائل فقهية: 28ـ 29.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد