الشيخ جعفر السبحاني ..
لقد اتّخذ الأمويون مسألة القدر أداة تبريرية لأعمالهم السيّئة، وكانوا ينسبون وضعهم الراهن بما فيه من شتى ضروب العيث والفساد إلى القدر، قال أبو هلال العسكري: إنّ معاوية أوّل من زعم أنّ اللّه يريد أفعال العباد كلّها. (١)
ولأجل ذلك لمّا سألت أُمّ المؤمنين عائشة، معاوية عن سبب تنصيب ولده يزيد خليفة على رقاب المسلمين فأجابها: إن أمر يزيد قضاء من القضاء وليس للعباد الخيرة من أمرهم. (٢)
وبهذا أيضاً أجاب معاوية عبد اللّه بن عمر عندما استفسر من معاوية عن تنصيبه يزيد بقوله: إنّي أُحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم وأن تسفك دماءهم وإن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم. (٣)
وقد كانت الحكومة الأموية الجائرة متحمّسة على تثبيت هذه الفكرة في المجتمع الإسلامي، وكانت تواجه المخالف بالشتم والضرب والإبعاد.
قال الدكتور أحمد محمود صبحى في كتابه «نظرية الإمامة»: إنّ معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب، ولكن بآيديولوجية تمس العقيدة في الصميم، ولقد كان يعلن في الناس أنّ الخلافة بينه وبين علي عليهالسلام قد احتكما فيها إلى اللّه فقضى اللّه له على علي، وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أنّ اختيار يزيد للخلافة كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة في أمرهم، وهكذا كاد أن يستقر في أذهان المسلمين، أنّ كلّ ما يأمر به الخليفة ـ حتى ولو كانت طاعة اللّه في خلافه ـ فهو قضاء من اللّه قد قدّر على العباد. (٤)
وقد سرى هذا الاعتذار إلى غير الأمويين من الذين كانوا في خدمة خلفائهم وأُمرائهم فهذا عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الإمام الشهيد الحسين عليهالسلام لمّا اعترض عليه عبد اللّه بن مطيع العدوي بقوله: اخترت همذان والري على قتل ابن عمك فقال عمر: كانت أُمور قضيت من السماء، وقد أعذرت إلى ابن عمي قبل الوقعة فأبى إلاّما أبى. (5)
ويظهر أيضاً ممّا رواه الخطيب عن أبي قتادة عندما ذكر قصة الخوارج في النهروان لعائشة فقالت عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق سمعت النبي يقول: تفترق أُمّتي على فرقتين، تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم، مخفون شواربهم، أزرهم إلى أنصاف سوقهم، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقتلهم أحبهم إلي، وأحبهم إلى اللّه. قال : فقلت: يا أُمّ المؤمنين فأنت تعلمين هذا فلم كان الذي منك؟! قالت: يا قتادة وكان أمر اللّه قدراً مقدوراً ، وللقدر أسباب ». (6)
وقد كان حماس الأمويين في هذه المسألة إلى حدّ قد كبح ألسن الخطباء عن الإصحار بالحقيقة، فهذا الحسن البصري الذي كان من مشاهير الخطباء ووجوه التابعين، وكان يسكت أمام أعمالهم الإجرامية ولكن كان يخالفهم في القول بالقدر بالمعنى الذي كانت تعتمد عليه السلطة آنذاك. فلمّا خوّفه بعض أصدقائه من السلطان، وعد أن لا يعود. روى ابن سعد في طبقاته عن أيّوب قال: نازلت الحسن في القدر غير مرّة حتّى خوفته من السلطان، فقال: لا أعود بعد اليوم. (7)
كيف وقد جلد محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية المعروفة في مخالفته في القدر. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : « إنّ محمّد بن إسحاق اتّهم بالقدر، وقال الزبير عن الدراوردي: وجلد ابن إسحاق يعني في القدر. (8)
______________
١ ـ الأوائل : ج ٢ص ١٢٥.
٢ ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ج١ص١٦٧.
٣ ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ج١ص١٧١.
٤ ـ نظرية الإمامة : ص ٣٣٤.
5ـ طبقات ابن سعد : ج ٥ ص ١٤٨ طبع بيروت.
6 ـ تاريخ بغداد : ج ١ص ١٦٠.
7 ـ طبقات ابن سعد : ج ٧ص ١٦٧ طبع بيروت.
8 ـ تهذيب التهذيب : ج ٩ص ٣٨ ـ ٤٦.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان