الشيخ جعفر السبحاني
الجامعات العلمية للشيعة
الإسلام دين العلم والمعرفة، دفع الإنسان من حضيض الجهل والأمّية إلى أعلى مستويات العلم والكمال من خلال تشجيعه على القراءة والكتابة1، والتدبّر في آثار الكون ومظاهر الطبيعة ونبذ التقليد في تبنّي العقيدة فأراد للإنسان حياة نابضة بالفكر والثقافة.
وقد كانت للشيعة خلال القرون الماضية جامعات وحوزات علمية نشير إلى بعضها إجمالا:
1 ـ المدينة المنورة
إنّ المدينة المنوّرة هي المنطلق العلمي الأوّل، لنشر العلم والثقافة فهي المدرسة الأولى للمسلمين نشأ فيها عدّة من الأعلام من شيعة أمير المؤمنين وعلى رأسهم ابن عباس حبر الأمّة، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وأبو رافع. الّذي هو من خيار شيعة الإمام علي مؤلّف كتاب السنن والأحكام والقضاء2 وغيرهم.
جاءت بعدهم طبقة من التابعين تخرّجوا من تلك المدرسة على يد الإمام علي بن الحسين زين العابدين ـ عليهما السلام ـ ولقد روى الكليني عن الإمام الصادق أنّه قال: كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمّد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي من ثقات علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ 3 .
وازدهرت تلك المدرسة في عصر الإمامين الصادق والباقر ـ عليهما السلام ـ وزخرت بطلاّب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية فكان بيتهما، جامعة إسلامية يزدحم فيها رجال العلم وحملة الحديث، يأتون إليها من كل فجّ عميق، وقد عرفت دور الإمامية في بسط العلوم في الفصل الثاني عشر.
2- الكوفة وجامعها الكبير
قد سبق أنّ الإمام أمير المؤمنين هاجر من المدينة إلى الكوفة واستوطن معه خيار شيعته ومن تربّى على يديه من الصحابة والتابعين.
ولقد أتى ابن سعد في طبقاته الكبرى على ذكر جماعة من التابعين الذين سكنوا الكوفة4 ولقد أعان على ازدهار مدرسة الكوفة مغادرة الإمام الصادق المدينة المنوّرة إلى الكوفة أيّام أبي العباس السفاح حيث بقي فيها مدّة سنتين.
اغتنم الإمام فرصة ذهبيّة أوجدتها الظروف السياسية آنذاك وهي أنّ الحكومة العباسية كانت جديدة العهد وقد سقطت الحكومة الأموية. فلم يكن للعباسيين يومذاك قدرة على الوقوف في وجه الإمام لانشغالهم بأمور الدولة. بالإضافة إلى أنّهم كانوا قد رفعوا شعار العلويين للوصول إلى السلطة وقد نشر زمن إقامته بها علوماً جمّة.
ولمّا انتشر نبأ وروده الحيرة تقاطرت وفود للارتواء من منهله العذب. وهذا الحسن بن علي بن زياد الوشاء يحكي لنا ازدهار مدرسة الكوفة في تلك الظروف ويقول:
أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد. ويضيف النجاشي: كان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله كتب ثم ذكر أسماءها5 .
وكان من خريجي هذه المدرسة لفيف من الفقهاء الكوفيين نظراء أبان بن تغلب بن رباح الكوفي، ومحمّد بن مسلم الطائفي، وزرارة بن أعين إلى غير ذلك ممّن تكفّل ذكرهم كتب الرجال وقد وقفت على أسماء عدّة منهم سابقاً باسم تلاميذ الإمام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ .
ولقد ألّف فقهاء الشيعة ومحدّثوهم في هذه الظروف في الكوفة 6600 كتاب ولقد امتاز من بينها 400 كتاب اشتهرت بالأُصول الأربعمائة6 فهذه الكتب هي الّتي أدرجها أصحاب الجوامع الحديثية في كتبهم كما مرّ آنفًا .
ولم تقتصر الدراسة آنذاك على الحديث والتفسير والفقه بل شملت علوماً أخرى ولأجل ذلك خرج منها مؤلّفون كبار صنّفوا كتباً كثيرة في علوم مختلفة ومنوّعة كهشام بن محمّد بن السائب الكلبي ألّف أكثر من مائتي كتاب7 وابن شاذان ألّف 280 كتابًا8 وابن عمير صنّف 194 وابن دول الّذي صنّف 100 كتابًا8 وجابر بن حيان أستاذ الكيمياء والعلوم الطبيعية إلى غير ذلك من المؤلفين العظام، في كافّة العلوم الإسلامية.
3- مدرسة قم والري
دخل الفرس الإسلام وكان أكثرهم على غير مذهب الشيعة نعم كانت قم والري وكاشان وقسم من خراسان مركزاً للشيعة وقد عرفت أنّ الأشعريين هاجروا ـ خوفاً من الحجاج ـ إلى قم وجعلوها موطنهم ومهجرهم، وكانت تلك الهجرة نواة للشيعة في إيران .
كانت مدرسة الكوفة مزدهرة بالعلم والثقافة، ولكن ربّما كانوا يعانون من الضغط العباسي. ففي هذه الفترة إلى حوالي سنة 250 هاجر إبراهيم بن هاشم الكوفي تلميذ يونس بن عبدالرحمان وهو من أصحاب الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ إلى قم ونشر فيها حديث الكوفيين فصارت مدرسة قم والري مزدهرة بعد ذاك بالمحدّثين والرواة الكبار. وساعد على ذلك، بسط الدولة البويهية نفوذهم على تلك البلدان ولقد خرج من تلك المدرسة علماء ومحدّثون نظراء:
1. علي بن إبراهيم شيخ الكليني. الّذي كان حيّاً سنة 3079 .
2. محمّد بن يعقوب الكليني. المتوفّى سنة 329. مؤلّف الكافي في الفروع والأصول.
3. علي بن الحسين بن بابويه والده الشيخ الصدوق صاحب الشرائع المتوفّى 329.
4. ابن قولويه أبو القاسم جعفر بن محمّد (285 ـ 368) من تلامذة الكليني وأستاذ الشيخ المفيد. والّذي يدل على وجود النشاط الفكري في أوائل القرن الثالث ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة أنّه أنفذ الشيخ حسين بن روح ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ، النائب الخاص للإمام المنتظر ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ كتاب التأديب إلى فقهاء قم. وقال لهم: اُنظروا ما في هذا الكتاب. وانظروا فيه شيء يخالفكم10 .
فهذه الرواية وغيرها تعرب عن وجود نشاط فكري وفقهي في ذينك البلدين في القرن الثالث والرابع، وكفى في فضلها أنّ كتاب «الكافي» وكتاب «من لا يحضره الفقيه» وكتب محمّد بن أحمد بن خالد البرقي ت 274 من ثمار هذه المدرسة العظيمة.
4- مدرسة بغداد
كانت مدرسة الكوفة تزدهر بمختلف النشاطات العلمية عندما كانت بغداد عاصمة الخلافة. ولمّا دبّ الضعف في السلطة العباسية وصارت السلطة بيد البويهيين تنفّس علماء الشيعة في أكثر مناطق العراق فأسّست مدرسة رابعة للشيعة في العاصمة أنجبت شخصيات مرموقة تفتخر بها الإنسانية ومن نتائجها ظهور أعلام نظير:
1. الشيخ المفيد (336 ـ 413) تلك الشخصية الفذّة الّذي اعترف الموافق والمخالف بعلمه، ترجم له اليافعي في مرآة الجنان بقوله: عالم الشيعة وإمام الرافضة، صاحب التصانيف الكثيرة، المعروف بالمفيد، وبابن المعلم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان ينازع كل عقيدة بالجلالة والعظمة ومقدّماً في الدولة البويهية وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة، والصوم، خشن اللباس وكان عضد الدولة ربّما زار الشيخ المفيد وكان شيخاً ربعة، نحيفاً أسمر، عاش ستّاً وسبعين سنة وله أكثر من 200 مصنّف وكان يوم وفاته مشهور وشيّعه 80 ألفاً من الرافضة والشيعة وأراح اللّه منه11 .
2. السيد المرتضى.
3. السيد الرضي وهما كوكبان في سماء العلم والأدب غنيان عن التعريف.
4. الشيخ الطوسي (385 ـ 460) وهو شيخ الطائفة ومن أعلام الأمّة، تربّى على يد شيخه المفيد والسيد المرتضى وله كتاب «التبيان في تفسير القران» و «التهذيب» و «الاستبصار» وهما من المصادر المهمّة عند الشيعة وكانت مدرسة بغداد زاهرة في عهد هذه الأعلام الثلاثة واحد بعد الآخر، وقام كل منهم بدور كبير في تطوير العلوم وتقدّمها، وكان يحضر في حلقات دروسهم مئات من المجتهدين والمحدثين من الشيعة والسنّة.
إلى أن ضعفت سلطة البويهيين، ودخل طغرل بك الحاكم التركي بغداد، وأشعل نار الفتنة بين الطائفتين السنّة والشيعة، وأحرق دوراً في الكرخ ولم يكتف بذلك حتّى كبس دار الشيخ الطوسي وأخذ ما وجد من دفاتره وكتبه، وأحرق الكرسي الّذي كان الشيخ يجلس عليه12 .
ـــــــــــــــــــــــ
1. قال سبحانه: ﴿ ... اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ وهي أوّل سورة نزلت على النبي الأكرم. وأقسم اللّه عزّوجلّ بالقلم وقال سبحانه: ﴿ ... ن وَالْقَلَمِ ... ﴾ . وبذلك أوقف المجتمع الانساني، على قيمة وعلو شأنه.
2. النجاشي: الرجال 64 برقم 1 .
3. الكليني الكافي، كما في تأسيس الشيعة 299 .
4. الطبقات الكبرى 6و قسّمهم على تسع طبقات.
5. النجاشي: الرجال 1 / 137 رقم 79 .
6. وسائل الشيعة ج 20 الفائدة الرابعة وقد بيّنا الفرق بين الكتاب والأصل في كتابنا «كليات في الرجال».
7. الطهراني: الذريعة 1 / 17.
8. a. b. المصدر نفسه.
9. الطهراني: الذريعة 4 / 302 برقم 1316.
10. الطهراني: الذريعة 3 / 210 برقم 775 .
11. مرآة الجنان 3 / 28 حوادث عام 413 .
12. ابن الجوزي: المنتظم حوادث عام 447 ـ 449، ج 16 / 8 و 16 ط بيروت.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان