الشيخ جعفر السبحاني
6- مدرسة النجف الأشرف
إنّ هذه الحادثة المؤلمة الّتي أدّت إلى ضياع الثروة العلمية للشيعة وقتل الأبرياء، فدعت الشيخ لمغادرة بغداد واللجوء إلى النجف الأشرف وتأسيس مدرسة علمية شيعية في جوار قبر أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ، وشاء اللّه تبارك وتعالى أن تكون هذه المدرسة مدرسة كبرى أنجبت خلال ألف سنة من عمرها، عشرات الآلاف من العلماء والفقهاء والمتكلّمين والحكماء.
المعروف أنّ الشيخ هو المؤسّس لتلك الجامعة العلمية المباركة. وهو حق لا غبار عليه، ومع ذلك يظهر من النجاشي وغيره أنّ الشيخ ورد عليها وكانت غير خالية من النشاط العلمي. يقول في ترجمة الحسين بن أحمد بن المغيرة: له كتاب عمل السلطان. أجازنا بروايته أبو عبداللّه بن الخمري الشيخ صالح في مشهد مولانا أمير المؤمنين سنة 400 عنه13.
ولقد استغلّ الشيخ تلك الأرضية العلمية وأعانه على ذلك، الهجرة العلمية الواسعة الّتي شملت أكثر الأقطار الشيعية فتقاطرت الوفود إليها، من كل فجّ، فصارت حوزة علمية وكلية جامعة في جوار النبأ العظيم علي أمير المؤمنين ـ من عصر تأسيسها 448 ـ إلى يومنا هذا. ولقد مضى على عمرها قرابة 1000 سنة. وهي بحق شجرة طيبة أصلها في الأرض وفرعها في السماء آتت اُكلها كل حين بإذن ربّها.
إنّ لجامعة النجف الأشرف حقوقًا كبرى على الإسلام والمسلمين عبر القرون، فمن أراد الوقوف على تاريخها والبيوتات العلمية الّتي أنجبتها، فعليه الرجوع إلى كتاب «ماضي النجف وحاضرها» في ثلاثة أجزاء14 ، وقد قام الباحث، وهو الشيخ هادي الأميني بتخريج أسماء لفيف من العلماء الذين تخرّجوا من هذه المدرسة الكبرى.
7- مدرسة الحلّة
في الوقت الّذي كانت جامعة النجف تزدهر وتنجب أفذاذاً، إذ أسّست الشيعية في الحلّة الفيحاء جامعة كبيرة أخرى كانت تحتفل بكبار العلماء، وتزدهر بالنشاط الفكري عقدت فيها ندوات البحث والجدل، وحلقات الدراسة والمدارس والمكاتب، وظهر في هذا الدور فقهاء كان لهم الأثر الكبير في تطوير الفقه الشيعي وأصوله نأتي بأسماء بعضهم:
1. المحقق الحلّي: نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد، من كبار فقهاء الشيعة يصفه تلميذه ابن داود بقوله: الإمام العلاّمة واحد عصره، كان ألسن أهل زمانه وأقواهم بالحجّة وأسرعهم استحضارًا15 توفّي عام 676 هـ . له من الكتب «شرائع الإسلام» في جزأين، وهو أثر خالد شرحه العلماء وعلّقوا عليه. واختصره في كتاب أسماه «المختصر النافع» وشرحه أيضاً وأسماه «المعتبر في شرح المختصر».
2. العلامة الحلّي، جمال الدين حسن بن يوسف (648 ـ 726 هـ) تخرّج على يد خاله المحقق الحلّي في الفقه، وعلى يد المحقق الطوسي في الفلسفة والرياضيات، وعرف بالنبوغ، وهو بعد لم يتجاوز سن المراهقة، وقد بلغ الفقه الشيعي في عصره القمة، وله موسوعات فيه أجلّها «تذكرة الفقهاء» ولعلّه لم يؤلّف مثله.
3. فخر المحققين، محمّد بن الحسن بن يوسف (682 ـ 771 هـ) ولد العلاّمة الحلّي، تتلمذ على يد أبيه ونشأ تحت رعايته وعنايته، وألّف والده لفيفاً من كتبه بالتماس منه، وقد تتلمذ عليه إمام الفقه الشهيد الأوّل (734 ـ 786 هـ ).
إلى غير ذلك من رجال الفكر كابن طاووس وابن ورام، وابن نما وابن أبي الفوارس الحلّيين، الذين احتلفت بهم مدرسة الحلّة، ولهم على العلم وأهله أيادي بيضاء لا يسعنا ذكر حياتهم .
8- الجامع الأزهر
امتدّ سلطان الدولة الفاطمية من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ونافست الدولة الفاطمية الشيعية، خلافة الحكّام العباسيين في بغداد، وكان المعز لدين اللّه أحد الخلفاء الفاطميين بمصر رجلا مثقّفاً ومولعاً بالعلوم والآداب وقد اتّخذ بفضل تدبير قائده العكسري القاهرة عاصمة للدولة الجديدة، وبنى الجامع الأزهر، وعقدت فيه حلقات الدرس، وكان يركز على نشر المذهب الشيعي بين الناس وقد أمر أن يؤذّن في جميع المساجد بـ «حيّ على خير العمل» ومنع من لبس السواد شعار العباسيين .
إنّ المسلمين عامة وفي طليعتهم المصريين مدينون في ثقافتهم وازدهار علومهم وتقدّمهم في مجال العلم والصنعة للفاطميين وهممهم العالية، فانّ الجامع الأزهر لا يزال مزدهراً من يوم بني إلى يومنا هذا كأعظم الجامعات العلمية16 وهي كانت جامعة شيعية من بدء تأسيسها إلى قرنين.
وإن شئت أن تقف على صورة صغيرة من خدماتهم الجليلة فاقرأ ما كتبه السيد مير علي: «كان الفاطميون يشجّعون على العلم، ويكرمون العلماء فشيّدوا الكليّات والمكاتب العامة، ودار الحكمة، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون، والآلات الرياضية، لتكون رهن البحث والمراجعة، وعيّنوا لها أشهر الأساتذة، وكان التعليم فيها حرّاً على نفقة الدولة كما كان الطلاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجّانياً، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتى فروع العلم، كالمنطق والرياضيات والفقه والطب، وكان الأساتذة يتشحون بلباس خاص عرف بالخلعة، أو العباءة الجامعية ـ كما هي الحال اليوم ـ وأرصدت للإنفاق على تلك المؤسّسات وعلى أساتذتها، وطلاّبها وموظّفيها أملاك بلغ إيرادها السنوي 43 مليون درهم، ودعي الأساتذة من آسيا والأندلس لإلقاء المحاضرات في دار الحكمة، فازدادت بهم روعة وبهاء17 .
وقد ألّف غير واحد من المؤرّخين كتباً ورسائل حول الأزهر الشريف ومن أراد التفصيل فليرجع إليه.
مدارس الشيعة في الشامات
كانت الشيعة تعيش تحت الضغط والارهاب السياسي من قبل الأمويين والعباسيين، ولمّا دبّ الضعف في جهاز الخلافة العباسي وظهرت دول شيعية في العراق خصوصاً دولة الحمدانيين في الموصل وحلب، استطاعت الشيعة أن تجاهر بنشاطها الثقافي، وفي ظل هذه الحرية أسّست مدارس شيعية في جبل عامل، وحلب فقد خرج من مدرسة حلب شخصيات كبيرة كأبناء زهرة وغيرهم.
الذين احتفل تاريخ حلب الشهباء بذكرهم، وأمّا مدرسة جبل عامل فقد كانت تتراوح بين القوة والضعف، إلى أن رجع الشهيد الأوّل من العراق إلى مسقط رأسه تتراوح بين القوة والضعف، إلى أن رجع الشهيد الأوّل من العراق إلى مسقط رأسه «جزين»، فأخذت تلك المدرسة في نفسها نشاطاً، واسعاً، وقد خرج من تلك المدرسة منذ تلك العهود إلى يومنا هذا مئات من الفقهاء والعلماء لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه، ومن أكبر الشخصيات المنتجبة في هذه المدرسة المحقق الشيخ علي الكركي (ت 940) مؤلّف «جامع المقاصد» وبعده الشيخ زين الدين المعروف بالشهيد الثاني (911 ـ 966) الّذي كان منذ صباه تظهر منه ملامح النبوغ والذكاء، وله الأثر الخالد الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية»
هذا غيض من فيض وقليل من كثير ممّن أنجبتهم هذه التربة الخصبة بالعلم والأدب.
ولنكتف بهذا المقدار من الإشارة إلى الجامعات الشيعية فإنّ الإحصاء يحوجنا إلى بسط في المقال، ويطيب لنا الإشارة إلى أسماء المعاهد الأخرى مجردة.
جامعات أخر للشيعة في أقطار العالم
كانت للشيعة جامعات في أقطار العالم ولم تزل بعضها زاهرة إلى اليوم.
إنّ الشرق الاسلامي كأفغانستان والباكستان والهند تزخر بالشيعة ولهم هناك جامعات وكليّات في هرات وبمباي ولكهنو، كما أنّ للشيعة نشاطات ثقافية في آسيا الجنوبية الشرقية كماليزيا وتايلند، ومن أراد الوقوف على الخريجين من هذه المدارس فعليه أن يقرأ تاريخ هذه البلاد خصوصاً بلاد الهند.
فمذ تسنّم الصفويون منصّة الحكم أسّست في إيران حوزات فقهية، كلامية، فلسفية زاهرة، وقد تخرج منها آلاف من العلماء كجامعة أصفهان، وطهران، وخراسان، وتبريز، وقزوين، وزنجان، وشيراز وأخيراً الجامعة الكبرى للشيعة في قم المحمية بجوار الحضرة الفاطمية الّتي أسّسها رجل العلم والزهد الشيخ عبدالكريم اليزدي (1274 ـ 1355) سنة 1340 هـ ، ولم تزل هذه الجامعة مُشعَّة زاهرة، وقد تقاطرت إليها الأساتذة ووفود الطلاب من نقاط شتّى، من جنسيات مختلفة منذ أوّل يومها ويتجاوز عدد الطلاب فيها في هذه السنين 25000 وفيها مكتبات زاخرة، ومؤسّسات علمية، ومراكز تحقيقية، ومطابع حديثة، وعمالقة الفكر وأساتذة القلم، ومنها تفجّرت الثورة الإسلامية على يد أحد خريجيها الإمام الخميني ـ قدس سره ـ فانبثقت أنوارها على ربوع العالم وأيقظت الأمّة من سباتها العميق18 .
• 13. النجاشي: الرجال 1 / 190 برقم 163 .
• 14. تأليف الشيخ جعفر آل محبوبة طبع النجف.
• 15. ابن داود: الرجال / القسم الأول 62 برقم 304.
• 16. بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية 2 / 108.
• 17. السيد مير علي: مختصر تاريخ العرب 510 ط 1938 .
• 18. من كتاب: بحوث في الملل والنحل لآية الله الشيخ جعفر السبحاني، ج6 ص629-639، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ١٤١٥ هـ.ق.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان