الشيخ جعفر السبحاني
الشيخية هم طائفة من الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ولقّبوا بهذا الاسم نسبة إلى شيخهم ومعلمهم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، وهم لا يختلفون في أُصول الدين وأُمهات المسائل الشرعية عن سائر الشيعة الإمامية، وليسوا أخباريّين كما ربما يتوهّم، نعم لهم بعض الآراء والمعتقدات الخاصّة كما نشير إليها.
وهم اليوم موجودون في إيران والعراق والكويت والأحساء، وينقسمون إلى فرقتين: «الركنية» و «الكشفية»، ولكلّ فرقة آراؤها الخاصّة.
ومبدأ نشوء هذه الطائفة هو بعد بروز الشيخ أحمد الأحسائي في مطلع القرن الثالث عشر الهجري كعالم أوحد متميز له بعض النظريات والأفكار الجديدة في علم الفلسفة والعقائد الإسلامية، وحيث كان الشيخ ذا عبقرية فذة وعرف منه الزهد والإغراق في العبادة ـ هذا بالإضافة إلى مقامه العلمي الشامخ ـ لذا كان ذا جاذبية قوية ومؤثرة أدّت إلى وجود تيار جارف من الموالين والأنصار له، ومعظم أنصاره كان من إيران، وبعضهم من العراق ودول الخليج، وهؤلاء هم كانوا النواة والقاعدة الّتي تحوّلت فيما بعد إلى طائفة مستقلة تسمّى بـ «الشيخية».
لذا وقبل كل شيء لابد أن نعرج على سيرة وحياة الشيخ أحمد الأحسائي.
سيرة الشيخ أحمد الأحسائي : ( [1])
أحمد بن زين الدين بن إبراهيم بن صقر بن إبراهيم الأحسائي المطيرفي.
كان فقيهاً، إمامياً، حكيماً، مشاركاً في فنون شتى، له شهرة وأتباع أسّسوا ما يُعرف بفرقة الكشفية، ويقال لها أيضاً الشيخية.
ولد في المُطيرف (من قرى الأحساء) سنة ست وستين ومائة وألف .
وتلقّى مبادئ العلوم عن محمد بن محسن الأحسائي، وغيره .
وارتحل إلى العراق في سنة (1186 هـ)، فحضر في كربلاء على: محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني، والسيد محمد مهدي بن أبو القاسم الشهرستاني، والسيد علي بن محمد علي الطباطبائي، وفي النجف على جعفر كاشف الغطاء.
وأجاز له أساتذته الشهرستاني والطباطبائي وكاشف الغطاء، وآخرون مثل: السيد محمد مهدي بحر العلوم، وأحمد بن حسن الدمستاني، وحسين بن محمد العصفوري البحراني.
وقد أقام في البحرين مدّة أربع سنين، ثمّ سكن البصرة بعد أن زار العتبات المقدسة سنة (1212 هـ). وسافر إلى إيران، فلبث في يزد مدة ثمّ انتقل إلى كرمانشاه بطلب من محمد علي ميرزا بن السلطان فتح علي شاه القاجاري، وزار عدة مدن في إيران.
ثمّ ارتحل إلى العراق، فاستقرّ في كربلاء.
وكان مواظباً على المطالعة والبحث والتدريس، وعلى بثّ أفكاره ونشر طريقته بالخطابة والكتابة والتأليف والرحلات .
تتلمذ عليه وروى عنه جمع، منهم: ابناه محمد تقي، وعلي نقي، والسيد كاظم بن قاسم الرشتي وهو أشهر تلامذته وعميد طريقته، ومحمد باقر بن حسن النجفي صاحب الجواهر، وأسد الله بن إسماعيل التستري صاحب المقابس، ومحمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي، والميرزا علي محمد الشيرازي الملقب بالباب، وحسين بن مؤمن اليزدي الكرماني، وغيرهم.
وصنف كتباً ورسائل جمّة، منها: الرسالة الحيدرية في الفروع الفقهية، الرسالة الصومية، شرح «تبصرة المتعلمين في أحكام الدين» للعلاّمة الحلّي لم يتم، أحكام الكفّار بأقسامهم قبل الإسلام وبعده وأحكام فرق الإسلام، شرح مبحث حكم ذي الرأسين من «كشف الغطاء»، ذكر فيه أحكامه من أوّل الطهارة إلى الديات، المسائل القطيفية، تحقيق القول بالاجتهاد والتقليد وبعض مسائل الفقه، جواز تقليد غير الأعلم وبعض مسائل الفقه، مباحث الألفاظ في الأُصول، أسرار الصلاة، تفسير سورة التوحيد وآية النور، شرح الزيارة الجامعة (مطبوع)، جوامع الكلم (مطبوع)، شرح «الحكمة العرشية» لصدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بملا صدرا، كيفية السير والسلوك الموصلين إلى درجات القرب والزلفى، معرفة النفس، معنى الكفر والإيمان، بيان أحوال أهل العرفان والصوفية وطرائقهم وطرق الرياضات، رسالة في التجويد، رسالة في علم النجوم، شرح علم الصناعة، والفلسفة وأحوالها، وديوان شعر، وغير ذلك كثير.
توفّي حاجّاً بقرب المدينة في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف، وحمل إليها، فدفن في البقيع.
اختلاف العلماء فيه :
وقد اختلف علماؤنا في صاحب الترجمة اختلافاً عظيماً، فمنهم من بالغ في مدحه والثناء عليه وتبيان علمه، ومنهم من أفرط في قدحه والتشنيع عليه وطعن في علمه ودينه وعقيدته، ونكتفي هنا بنقل نماذج من كلمات المادحين له والقادحين فيه :
قال المحدث النيسابوري: أحمد بن زين الدين الأحسائي القاري، فقيه محدّث عارف، وحيد في معرفة الأُصول الدينية، له رسائل وثيقة، اجتمعنا معه في مشهد الحسين (عليه السلام)، لا شك في ثقته وجلالته.
أوّل من قدح في علمه ورد عليه معاصره الشيخ محمد إسماعيل بن السميع الاصفهاني المعروف بواحد العين، حيث قال في مقدّمة «شرح العرشية»: وقد تصدى لشرحها المولى الجليل... الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي... فشرحها شرحاً كان كلّه جرحاً، لعدم فهمه ما هو المراد من الألفاظ والعبارات، لعدم اطّلاعه على الاصطلاحات، وإلاّ فهو عظيم الشأن .
وقال السيد أبو تراب الخوانساري: إن الشيخ أحمد الأحسائي كان فقيهاً فدخل في علم الحكمة وأخذ يطالع كتبها حتّى مهر فيها وألّف فيها كتباً، وحيث لم يحضر فيها على أُستاذ ماهر زلّت أقدامه فضلّ وأضل.
ولعلّ أهم ما نسب إلى الشيخ من مؤاخذات هو الأُمور التالية:
1-إنكاره المعاد الجسماني ودعوى أنّ هذا الجسم المادي لا يمكن أن يعود بكلّ ما فيه من كثافة وكدورة.
2-إنكاره المعراج الجسماني، أي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعرج إلى السماء بجسمه المادّي بكل ما فيه.
3-إنكاره شق القمر المرئي الحقيقي معجزة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتّفق عليها بين المسلمين، ودعوى أنّ الّذي انشق إنّما هو صورة القمر المنتزعة منه .
4-الغلو في شأن أهل البيت (عليهم السلام) وإعطاؤهم بعض المقامات الّتي لا تصحّ إلاّ لله تعالى، مثل القول بأنّ الله تعالى فوض كلّ ما في الكون إليهم من الخلق والرزق والحياة والممات وما إلى ذلك، والقول بأنّ علمهم حضوري وليس حصولي يعني أنّهم يعلمون بكلّ ما كان وجميع ما يأتي على نحو يكون ذلك كلّه حاضراً في ذهنهم وذاكرتهم في كلّ حين كما يرون العين .
حقيقة الشيخية:
ولم يكن في بادئ الأمر شيء باسم الشيخية، ولا كان في نيّة الشيخ تأسيس فرقة جديدة أو الدعوة إلى مذهب جديد، ولكن المواجهة الحادة والجدال الّذي بلغ أوجه بين الشيخ ومعارضيه، واستمر بعد وفاته بين أنصاره ومخالفيهم أدى إلى تحيّز جمع من العلماء وطائفة من الناس إلى جانب الشيخ وتحمسّهم في الدفاع عنه والدعوة إليه، ثم تحول هؤلاء بشكل تدريجي إلى جماعة مستقلة منسوبة إلى الشيخ تتبنّى أفكاره وتنشر كتبه وتدعو إلى خطه، وعرفوا حينها باسم الشيخية.
وقد اتّسعت رقعة الشيخية بعد وفاة الشيخ وازداد أتباعها ومؤيّدوها، وكان الزعيم الأكبر لهم بعد الشيخ خليفته السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي الّذي كان يتخذ من كربلاء مقراً لزعامته حتّى توفّي فيها سنة 1259 هـ .
وكانت الشيخية في حياة السيد متفقة على زعامته ومرجعيته ولكن بعد وفاته انقسمت إلى فرقتين، فرقة تبعت الحاج محمد كريم خان الكرماني المتوفّى سنة 1288 هـ وعرفوا فيما بعد بالركنية، وفرقة تبعت الميرزا حسن گوهر الحائري ثم آل الاسكوئي من بعده فعرفوا بالكشفية.
الطائفة الركنية:
أمّا الركنية فتتلخص عقيدتهم في التالي: يعتقدون أنّ الدين قائم على أربعة أركان: 1-معرفة الله 2-معرفة الرسول 3-معرفة الإمام 4-معرفة الفقيه الجامع للشرائط الذي يقوم مقام الإمام في زمن الغيبة .
وتجسد الركن الرابع في الشيخ أحمد الأحسائي، ثم في السيد كاظم الرشتي، ثم في الحاج كريم خان نفسه ولهذا سميت هذه الطائفة بالركنية.
قال صاحب الذريعة: ولمّا شدّد عليهم الأصحاب النكير بعدم ما يسمّى الركن الرابع في الإسلام، ألّف محمد كريم خان الكرماني رسالة عام 1279 هـ، أثبت فيها أنّ الركن الرابع هم رواة الأئمة والعلماء جميعاً ولا تختص الركنية بشخص معين .
ومن الناحية العملية أصبح الركن الرابع منصبًا تتوارثه سلالة الكرماني حتّى اليوم، باعتبارهم المصداق الحقيقي لهذا الركن.
وكان مقر زعامتهم مدينة كرمان بإيران، حيث يتواجد أحفاد الكرماني والأكثرية من أتباعه، ولما قتل مرشدهم عام 1400 هـ ، انتقل مقر الزعامة إلى مدينة البصرة بالعراق أهم معقل لهم بعد كرمان، ولا زال زعيمهم الحالي في مدينة البصرة حتّى اليوم، والركنية أكثر أتباعاً من منافسيهم الكشفية، ويتمركز وجودهم في مدينة كرمان بإيران، ثم مدينة البصرة، ويوجد قليل منهم في الكويت وبعض مناطق إيران الأُخرى.
ويمكن التعرف على أفكارهم من خلال كتبهم، مثل «رجوم الشياطين» و «كشف المراد في علم المعاد» و «هداية الأطفال» و «هداية الصبيان» و «إرشاد العوام» و «الفطرة السليمة» و«الفلسفية» للشيخ أبو القاسم الكرماني.
الطائفة الكشفية :
أمّا الطائفة الكشفية فيعتقدون أنّ الشيعة ينقسمون إلى قسمين: كاملي العقيدة، وناقصي العقيدة. والمعني بكاملي العقيدة هم الكشفية أنفسهم ومن يعتقد بعقيدتهم في أهل البيت (عليهم السلام); وأمّا ناقصي العقيدة فهم معظم الشيعة الإمامية. وتتلخص عقيدتهم في أهل البيت (عليهم السلام) بأمرين :
الأوّل: الاعتقاد أنّ علم الإمام حضوري وليس حصوليًّا، يعني أن يعلم بما كان وما سيكون إلى يوم القيامة بإرادة الله تعالى، بحيث تكون جميع هذه المعلومات حاضرة في ذهنه دائماً كمن يشاهد بالعيان .
الثاني: الاعتقاد بأنّ دم الإمام وجميع فضلاته طاهرة.
وعلى أساس هذا التقسيم للشيعة أصدر علماء الكشفية أحكاماً فقهية خاصّة منها:
أنّه لا يجوز لمن كان كامل العقيدة أنّ يقلّد مرجعاً ناقص العقيدة أو يصلّي خلف إمام ناقص العقيدة، أي من كان يعتقد بطهارة دم الإمام وأنّ علمه حضوري لا يجوز له أن يقلّد أو يصلّي خلف من لا يرى ذلك، فكمال العقيدة بهذا المعنى شرط في مرجع التقليد وإمام الجماعة.
ويعتقد أنّ تسميتهم بالكشفية لادّعاء علمائهم أنّ خفايا بعض الأُمور تُكشف إليهم ببركات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) .
ويتواجد الكشفية اليوم بشكل رئيسي في الكويت وهناك مقر زعامتهم، كما يتواجد بعضهم في مدينة الهُفوف وبعض القرى بالأحساء ولهم أيضاً بعض الأتباع في تبريز بإيران وبعض المدن الجنوبية بالعراق .
بقي أن نشير إلى أنّ كلاًّ من الركنية والكشفية يعتقد بانحراف الطائفة الأُخرى وضلالتها. ونكتفي بهذا التعريف الموجز للطائفة الشيخية. ( [2])
وقد ألّف حول الشيخية والطائفتين المنشقتين منها رسائل ومقالات، غير أنّ ما كتبه الأُستاذ هاشم محمد الشخص من أوجز وأوثق ما كتب، في الموضوع وقد اقتبسنا في بيان ما يرجع إلى هذه الطائفة وفروعها من كتابه «أعلام هجر من الماضين والمعاصرين ».
________________________________________
[1] . روضات الجنات: 1 / 88 برقم 22; مستدرك الوسائل (الخاتمة): 2 / 121; قصص العلماء: 47 ; هدية العارفين: 1 / 185 ; إيضاح المكنون: 1 / 205 ; أنوار البدرين: 406 برقم 8 ; أعيان الشيعة: 2 / 589 ; ريحانة الأدب: 1 / 78 ; الذريعة: 7 / 124 برقم 667 ; الكرام البررة: 1 / 88 برقم 180 ; الأعلام: 1 / 129 ; معجم رجال الفكر والأدب في النجف: 1 / 89 ; معجم المفسرين: 1 / 38 ; معجم المؤلفين: 1 / 228 ; فرهنگ بزرگان: 36 .
[2] . نقل من كتاب « أعلام هجر » بتلخيص وتصرّف، تأليف هاشم محمد الشخص .
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان