قرار السجن والتصفية للإمام (ع)
تردَّدتْ السلطة كثيراً وتأنَّت طويلاً حتى قرَّرت سجن الإمام (ع) ثم تصفيته، فكانت كلَّما أودعته السجن أطلقته حتى أُثِر عن هارون القول (أما في موسى حيلة)(1).
ففي الوقت الذي ترى فيه الأثر الخطير لوجود الإمام (ع) على سلطانها نظراً لسعة نفوذه المعنوي ودوره الذي كان آخذاً في التنامي، فلم يكد وضع السلطة يستقرّ فيما يتَّصل بشؤونها الخارجيَّة وكذلك الداخليَّة بعد تصفية الحركات المناوئة لهم من الأمويين والخوارج على يد أبي جعفر المنصور، وقد بذلوا جهوداً من أجل أن يُضفوا الشرعيَّة على سلطانهم على خلفيَّة بطش الأمويين وظلمهم وعلى خلفية دعواهم السعي من أجل الرضا من آل محمد (ص) حتى بدأ الإمام الكاظم (ع) تعريتهم فاستشعروا نقمةَ الناس عليهم بعد أنْ كشف الإمام (ع) واقعهم وأنَّهم لا يقصرون عمَّن سبقهم ظلماً وعدواناً وبطشاً وترفاً وانحرافاً وتحكُّماً بمقدَّرات الأمة.
فثمة بقيةٌ حرصت السلطة العباسيَّة على التدثُّر بها لكيلا تظهَر في مظهر المناوئة لرسول الله (ص) من خلال البطش الصريح برائد البيت النبويِّ، فكانوا يُدارونه في أول الأمر إلا أنَّه أعيتهم الحيلة معه فسجنوه وأطلقوه وكبسوا داره ثم تظاهروا بإكرامه وتكرَّر ذلك منهم مراراً ثم استقرَّ رأيُهم على تصفيته بعد حبسه الأخير، فما عاد لإيهامهم وتضليلهم للأمة من أثرٍ يُذكر، فقد فشلوا فشلاً ذريعاً في تمريره، فما كان عليهم الا أن يتحفَّظوا على سلطانهم وإن ادَّى ذلك إلى الجأر بالمحاربة للرسول الكريم (ص).
سعي السلطة لتضليل الرأي العام
ثم وبعد أنْ قتلوا الإمام (ع) جمَع هارونُ وجهاءَ المسلمين من الفقهاء والأعيان وشيوخ الطالبيين فكانوا ثمانين أو ينيفون فأبدَى لهم ندَمَه على سجنِ الإمام (ع) واستغفر ممَّا كان منه تِّجاه الإمام (ع) إلا أنَّه تنكَّر لقتله وادَّعى أنَّه مات حتفَ أنفِه (2).
وقد سبَقه إلى ذلك السندي بن شاهك، فقد جمع من فقهاء العراق ما ينيفُ على ثمانين رجلاً وأدخلهم السجن الذي كان فيه الإمام (ع) وقال لهم: انظروا إليه فليس من أثرِ سيفٍ أو خدشٍ في جسده، وكان ذلك منه بعد أن دسَّ إليه السم، وكان الإمام (ع) حينها موعوكاً فالتفت إليهم وأخبرّهم أنَّه قد سُقيَ السم وانَّه ميِّتٌ قريباً فأسُقطَ في يد السندي بن شاهك وأخذتْه رِعدةٌ كما ذكر المؤرِّخون واضطرب اضطراباً شديداً (3).
ثم إنَّه فعل ذلك بعد أنْ استُشهد الإمام (ع) فكان منه أنْ كشف أمام الناس عن وجه الإمام (ع) وشيءٍ من جسده وادَّعى لهم أنَّه مات حتفَ أنفِه إلا أنَّهم أو بعضهم تعرَّف على أنَّه مات مسموماً وذلك لما وجدوه على جسدِه الطاهر من آثار السُّم. (4).
وكان آخرُ تضليلٍ للناس عمِلت عليه السلطة العباسيَّة هو ما تصنَّع به الأمير سليمان بن أبي جعفر المنصور العباسي، فقد بعث برجاله إلى جنازة الإمام (ع) وأمرَهم أنْ يأخذوها من رجال السندي بن شاهك بعد أن يضربوهم ويمزِّقوا ثيابَهم ثم أبدى للناس غضبَه على السندي بن شاهك وأوحى إليهم أنَّ ما فعله لم يكن بأمرٍ من السلطة العباسية ثم أكرم جنازة الإمام (ع) وأذِن للناس في تشييعها وخرج هو حافياً يمشي خلفها بعد أن شقَّ جيبَه وأظهرَ الجزع على الإمام (ع). (5).
ثم إنَّ الإمام الرضا (ع) حضر بشكلٍ إعجازي من المدينة إلى تجهيز أبيه وتولَّى هو شأن تغسيله، فكانَ العباسيون يرونه ويتظاهرونَ بعدم معرفته، فكان -كما أفاد الإمام الرضا (ع)- مثلُهم مثل أخوةِ يوسف: ﴿فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ (6).
المثوى الأخير
ثم حُمل الإمام (ع) في تشييعٍ مهيبٍ لم تشهدْ بغدادُ مثلَه جلالاً وهيبةً ووقاراً وحضوراً، فكانت الواعيةُ من النساء وهديرُ الحناجر بالتهليل من الرجال بعد أن ألقوا عمائمهم وترجَّلوا حفاةً إلى مقبرة قريش حيث المثوى الأخيرُ للجثمانِ المطَّهر الزكي في محضرٍ من ملائكة الله الصافِّين وأوليائه المكرَّمين فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج48 / ص224.
2- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص97، كمال الدين وتمام النعمة- الصدوق- ص39.
3- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص91، الكافي -الكليني- ج1 / ص259، الأمالي- الصدوق- ص213، الإرشاد -المفيد- ج2 / ص242.
4- الإرشاد -المفيد- ج2 / ص242.
5- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص93، كمال الدين وتمام النعمة -الصدوق- ص39.
6- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص96,
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
د. حسن أحمد جواد اللواتي
محمد رضا اللواتي
الشيخ محمد باقر الأيرواني
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشهيد مرتضى مطهري
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان