أشرقت الدنيا بولادة الإمام زين العابدين عليه السلام الذي فجر ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وقدم للناس بسيرته أروع الأمثلة والدروس في نكران الذات، والتجرد عن الدنيا، والانقطاع إلى اللّه.
وقد استقبلت الأسرة النبوية بمزيد من الأفراح والمسرات هذا الوليد المبارك الذي بشر به النبي صلّى اللّه عليه وآله، وقد شملت الابتهاجات جميع من يتصل بأهل البيت من الصحابة وأبنائهم، وقد ولد - فيما يقول بعض المؤرخين - ضعيفًا نحيفًا، يقول السيد عبد العزيز سيد الأهل: «لقد ولد ضعيفًا نحيفًا تلوح في نظراته ومضات خافتة، وكأنها ومضات هم منطفئ، وما لبثت هذه الومضات المكسورة أن دلت على حزن قادم يوشك أن يقع...» «1» لقد رافقته الخطوب وصاحبته الآلام منذ ولادته فقد اختطفت يد المنون أمه الزكية، وهو في المهد، وتتابعت عليه المحن بعد ذلك يتبع بعضها بعضًا، فلم يبتل أي إنسان بمثل ما ابتلي به هذا الإمام العظيم.
مراسيم الولادة
وسارع الإمام أمير المؤمنين (ع) أو ولده الإمام الحسين (ع) إلى إجراء مراسيم الولادة الشرعية على الوليد المبارك فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، وقد أقام بذلك في قلبه معبدًا ينبض بأحاسيس التقوى والصلاح، فكانت نغمًا حيًّا يسيره نحو البر والعمل الصالح.
إن أول ما استقبل به الإمام زين العابدين في هذه الحياة، هو صوت «اللّه أكبر» وقد طبع في قلبه ومشاعره، وصار في ذاتياته ومقوماته وفي اليوم السابع من ولادته عق عنه أبوه بكبش، وحلق رأسه، وتصدق بزنته فضة أو ذهبًا على المساكين عملاً بالسنّة الإسلامية المقدسة.
مكان الولادة
واختلف المؤرخون في المكان الذي حظي بولادة الإمام زين العابدين عليه السلام، وفيما يلي ما ذكروه.
(أ) انه ولد في الكوفة «2».
(ب) كانت ولادته في يثرب «3».
والذي أراه أن ولادته كانت في الكوفة، وذلك لما أجمع عليه الرواة والمؤرخون أنه ولد قبل وفاة جده أمير المؤمنين (ع) بسنتين «4» ومن المقطوع به أن الإمام الحسين وأفراد عائلته كانوا مع الإمام أمير المؤمنين في الكوفة، ولم يقم أي أحد منهم في يثرب طيلة خلافته.
الزمان
وتضاربت أقوال المؤرخين في الزمان الذي كانت فيه ولادة الإمام، وفيما يلي ما ذكروه:
(أ) ولد في اليوم الخامس من شعبان سنة (38 ه) «5» وذلك في يوم الخميس «6».
(ب) ولد في يوم الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة (38 ه) «7».
(ج) ولد في النصف من جمادى الأولى سنة (38 ه) «8».
(د) ولد يوم الجمعة 26 جمادى الآخرة سنة (38 ه) «9».
(ه) ولد في شهور سنة (33 ه) «10» وهذا القول شاذ ومخالف لما أجمع عليه الرواة والمؤرخون من أن ولادته كانت سنة (38 ه).
والمشهور عند الإمامية هو القول الأول، فإنهم يقيمون مهرجاناتهم العامة إحياء لذكرى ولادته في اليوم الخامس من شعبان.
تسميته
الشيء المحقق الذي أجمع عليه المؤرخون والرواة هو أن الرسول الأعظم (ص) قد سمى حفيده بعلي بن الحسين، ولقبه بزين العابدين، وذلك قبل أن يخلق بعشرات السنين، وكان ذلك من العلامات الباهرة لنبوته... وقد تضافرت الأخبار بنقل ذلك عنه، وهذه بعضها...
1 - روى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنت جالسًا عند رسول اللّه (ص) والحسين في حجره، وهو يداعبه، فقال (ص) يا جابر يولد له مولود اسمه (علي) إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام.. «11».
وأذاع جابر هذا الحديث كما أنه أدرك الإمام محمد الباقر عليه السلام وبلغه هذه التحية من جده الرسول (ص) فتلقاها الإمام بمزيد من الغبطة والسرور.
كنيته
وكني الإمام زين العابدين عليه السلام بما يلي:
(أ) أبو الحسين.
(ب) أبو الحسن.
(ج) أبو محمد «12».
(د) أبو عبد الله «13».
ألقابه
أما ألقابه الشريفة فهي تحكي نزعاته الخيرة، وما اتصف به من محاسن الصفات ومكارم الأخلاق، وعظيم الطاعة والعبادة للّه، وهذه بعضها:
1 - زين العابدين: وأضفى عليه هذا اللقب جده رسول اللّه (ص) - كما تقدم - وإنما لقب به لكثرة عبادته «14» وقد عرف بهذا اللقب، واشتهر به، حتى صار اسمًا له، ولم يلقب به أحد سواه، وحقًّا أنه كان زينا لكل عابد وفخرا لكل من أطاع اللّه.
2 - سيد العابدين: من ألقابه البارزة (سيد العابدين) وذلك ما ظهر منه من الانقياد والطاعة للّه، فلم يؤثر عن أي أحد من العبادة مثل ما أثر منه عدا جده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
3 - ذو الثفنات : لقب بذلك لما ظهر على أعضاء سجوده من شبه ثفنات البعير «15» وقال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: كان لأبي في مواضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتين: في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذو الثفنات لذلك «16» وفي رواية أنه جمع الثفنات في كيس وأوصى أن تدفن معه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإمام زين العابدين (ص 18).
(2) شذرات الذهب (1 / 104).
(3) الفصول المهمة لابن الصباغ (ص 187) بحر الأنساب (ورقة 52) مصور في مكتبة الإمام أمير المؤمنين، دائرة المعارف للبستاني 9 / 355، الإمامة في الإسلام (ص 116) نور الأبصار (ص 136).
(4) أخبار الدول (ص 109) نور الأبصار (ص 136) مطالب السئول 2 / 41 تأريخ الأئمة لابن أبي الثلج (ص 4) دائرة المعارف 9 / 355.
(5) تحفة الراغب (ص 13) مطالب السئول 2 / 41 الفصول المهمة لابن الصباغ (ص 212 كشف) الغمة.
(6) الصراط السوي (ورقة 192) مصور في مكتبة الإمام أمير المؤمنين، مطالب السئول 2 / 41 نور الأبصار (ص 136).
(7) روضة الواعظين 1 / 222.
(8) بحر الأنساب (ورقة 52).
(9) الإمامة في الإسلام (ص 116).
(10) النفحة العنبرية مصور في مكتبة السيد الحكم.
(11) وسيلة المآل في مناقب الآل (ورقة 7) مصور في مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
(12) تهذيب اللغات والأسماء القسم الأول (ص 343) نور الأبصار 137 صفة الصفوة 2 / 52، تحفة الراغب ص 13.
(13) تهذيب الكمال م 7 / ق 2 ورقة 334 مصور في مكتبة السيد الحكيم سير أعلام النبلاء 4 / 237، تأريخ الإسلام 2 / 66، تأريخ دمشق 36 / ورقة 142 مصور في مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
(14) تهذيب التهذيب 7 / 306، شذرات الذهب 1 / 104 وجاء فيه «سمي زين العابدين لفرط عبادته».
(15) صبح الأعشى 1 / 452، بحر الأنساب ورقة 25، تحفة الراغب (ص 13) الأضداد في كلام العرب 1 / 129، ثمار القلوب (ص 291) وجاء فيه كان يقال لكل من علي بن الحسين، وعلي بن عبد الله بن العباس ذو الثفنات لما على أعضاء السجود منهما من السجادات الشبيهة بثفنات الإبل وذلك لكثرة صلاتهما.
(16) علل الشرائع (ص 88) بحار الأنوار 46 / 6 وسائل الشيعة 4 / 977.
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ باقر القرشي
الشيخ حسين مظاهري
السيد عباس نور الدين
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ جعفر السبحاني
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب