مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

عوائق وعوامل صعود الأعمال

في النصوص الإسلامية ورد ذكر للـــ (عوائق عن صعود الأعمال) ولـ (عوامل صعود الأعمال). ولكليهما علاقة مباشرة بعمل الإنسان، إلّا أن (العوائق) تعيق صعود الأعمال إلىٰ الله تعالىٰ، و(العوامل) تعين علىٰ صعود الأعمال إلىٰ الله.

 

وفيما يلي نستعرض نموذجاً واحداً من النصوص الواردة في (العوائق)، ونموذجاً واحداً من النصوص الواردة في (العوامل) من دون توضيح وتعليق، ونترك الشرح والتعليق في هذه المسألة المهمة في الثقافة والتربية الإسلامية إلىٰ مجال مناسب إن شاء الله.

 

عوائق صعود الأعمال

 

روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن أحمد بن علي القمي نزيل الري في كتابه المنبئ عن زهد النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم)، عن عبد الواحد عمن حدثه عن معاذ بن جبل قال: «قلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم) وحفظته من دقة ما حدثك به. قال: نعم، وبكىٰ معاذ ثم قال: بأبي وأمي حدثني وأنا رديفه فقال: بينا نسير إذ رفع بصره إلىٰ السماء فقال: الحمدلله الذي يقضي في خلقه ما أحب، ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله وسيّد المؤمنين. قال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله إمام الخير ونبي الرحمة، فقال: أحدثك شيئاً ما حدث به نبي أمته إن حفظته نفعك عيشك، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله، ثم قال: إن الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماوات فجعل في كل سماء ملكاً قد جللها بعظمته، وجعل علىٰ كل باب من أبواب السماوات ملكاً بواباً، فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلىٰ حين يمسي، ثم ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتىٰ إذا بلغ سماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك: قفوا واضربوا هذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الغيبة، فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلىٰ غيري. أمرني بذلك ربي.

 

قال (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم): ثم تجيء الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح، فتمر به فتزكيه وتكثره حتىٰ تبلغ السماء الثانية فيقول الملك الذي في السماء الثانية: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنما أراد بهذا عرض الدنيا، أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري.

 

قال: ثم تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً بصدقة وصلوة فتعجب به الحفظة، وتجاوز به إلىٰ السماء الثالثة، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره، أنا ملك صاحب الكبر، فيقول: إنه عمل وتكبر علىٰ الناس في مجالسهم. أمرني ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلىٰ غيري.

 

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء له دوي بالتسبيح والصوم والحج، فتمر به إلىٰ السماء الرابعة فيقول له الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه، أنا ملك العجب، إنه كان يعجب بنفسه أنه عمل وأدخل نفسه العجب. أمرني ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلىٰ غيري.

 

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلىٰ أهلها، فتمر به إلىٰ ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلوة [والصدقة] ما بين الصلاتين، ولذلك العمل رنين كرنين الإبل وعليه ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك: قفوا أنا ملك الحسد، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واحملوه علىٰ عاتقه؛ إنه كان يحسد من يتعلم أو يعمل لله بطاعته، وإذا رأىٰ لأحد فضلاً في العمل والعبادة حسده ووقع فيه، فيحمله علىٰ عاتقه ويلعنه عمله.

 

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وعمرة فيتجاوزون به إلىٰ السماء السادسة، فيقول الملك: قفوا أنا صاحب الرحمة واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واطمسوا عينيه لأن صاحبه لم يرحم شيئاً. إذا أصاب عبداً من عباد الله ذنب للآخرة أو ضر في الدنيا شمت به. أمرني به ربي أن لا أدع عمله يجاوزني.

 

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع وله صوت كالرعد، وضوء كضوء البرق، ومعه ثلاثة آلاف ملك، فتمر به إلىٰ ملك السماء السابعة، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله: إنه أراد رفعة عند القواد، وذكراً في المجالس وصيتاً في المدائن، أمرني ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلىٰ غيري ما لم يكن لله خالصاً.

 

قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً به من صلوة وزكوة وصيام وحج وعُمرة وحسن الخلق وصمت وذكر كثير، تشيعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم، فيطؤون الحجب كلّها حتىٰ يقوموا بين يديه سبحانه، فيشهدوا له بعمل ودعاء فيقول: أنتم حفظة عمل عبدي، وأنا رقيب علىٰ ما في نفسه. إنه لم يردنى بهذا العمل. عليه لعنتي. فيقول الملائكة: عليه لعنتك ولعنتنا. قال: ثم بكىٰ معاذ قال: قلت: يا رسول الله، ما أعمل وأخلص فيه؟ قال: اقتد بنبيك يا معاذ في اليقين. قال: قلت: أنت رسول الله وأنا معاذ. قال: وإن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك، وعن حملة القرآن، ولتكن ذنوبك عليك لا تحملها علىٰ إخوانك، ولا تزك نفسك بتذميم إخوانك، ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك، ولا تراء بعملك، ولا تدخل من الدنيا في الآخرة، ولا تفحش في مجلسك لكى يحذروك لسوء خلقك، ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر، ولا تعظم علىٰ الناس فتنقطع عنك خيرات الدنيا، ولا تمزق الناس فتمزقك كلاب أهل النار؛ قال الله تعالىٰ: (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) [1] أفتدري ما الناشطات؟ إنها كلاب أهل النار تنشط اللحم والعظم. قلت: ومن يطيق هذه الخصال؟ قال: يا معاذ، إنه يسير علىٰ من يسره الله تعالىٰ عليه. قال: وما رأيت معاذاً يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث» [2].

 

عوامل صعود الأعمال إلىٰ الله

 

وفي مقابل العوائق هناك (عوامل) لصعود الأعمال إلىٰ الله ترفع العمل إلىٰ الله، حيث يعجز العمل عن الصعود وهذه (العوامل) تقع في مقابل (العوائق). وقد ورد ذكر طائفة من هذه العوامل في رواية نبوية شريفة يلوح عليها نور النبوة وهدیٰ الوحي، نذكرها بتمامها برواية العلامة المجلسي رحمه ‌الله في بحار الأنوار عن الصدوق في الأمالي:

 

روى الصدوق في الأمالي عن سعيد بن المسيب، عن عبدالرحمن بن سمرة، قال: «كنا عند رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم) يوماً فقال: إني رأيت البارحة عجائب، قال: فقلنا: يا رسول الله، وما رأيت؟ حدثنا به فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا فقال: رأيت رجلاً من أمتي وقد أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه فمنعه منه. ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوؤه فمنعه منه. ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله عزّ وجلّ فنجاه من بينهم.

 

ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً كلما ورد حوضاً منع، فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه. ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون حلقاً حلقاً كلما أتی حلقة طردوه، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده فأجلسه إلىٰ جنبهم. ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن تحته ظلمة مستنقعاً في الظلمة، فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور. ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه، فجاءه صلته للرحم فقال: يا معشر المؤمنين، كلموه فإنه كان واصلاً لرحمه، فكلمه المؤمنون وصافحوه وكان معهم.

 

ورأيت رجلاً من أمتي يتقي وهج النيران وشررها بيده ووجهه، فجاءته صدقته فكانت ظلاً علىٰ رأسه وستراً علىٰ وجهه. ورأيت رجلاً من أمتي قد أخذته الزبانية من كل مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فخلصاه من بينهم وجعلاه مع ملائكة الرحمة. ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً علىٰ ركبتيه بينه وبين رحمة الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله في رحمة الله. ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته قبل شماله فجاءه خوفه من الله عزّ وجلّ فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه.

 

ورأيت رجلاً من أمتي قد خفت موازينه، فجاءه أفراطه فثقلوا موازينه. ورأيت رجلاً من أمتي قائماً علىٰ شفير جهنم، فجاءه رجاؤه في الله عزّ وجلّ فاستنقذه من ذلك. ورأيت رجلاً من أمتي قد هویٰ في النار، فجاءته دموعه التي بكي من خشية الله فاستخرجته من ذلك. ورأيت رجلاً من أمتي علىٰ الصراط يرتعد كما ترتعد السعفة في يوم ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله فسكن رعدته ومضىٰ علىٰ الصراط.

 

ورأيت رجلاً من أمتي علىٰ الطراط، يزحف أحياناً ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته عليّ فأقامته علىٰ قدميه ومضىٰ علىٰ الصراط. ورأيت رجلاً من أمتي انتهىٰ إلىٰ أبواب الجنة كلما انتهىٰ إلىٰ باب أغلق دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله صادقاً بها ففتحت له الأبواب ودخل الجنة» [3].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] النازعات : 2.

[2] نقلنا هذا الحديث بطوله عن كتاب عدة الداعي 228 ـ 230 ، والتعليق أيضاً من نفس الكتاب « عن سلمان بن خالد قال : سألت ابا عبدالله (عليه ‌السلام) عن قول الله عزّوجلّ : (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا). قال : أما والله وإن كانت اعمالهم اشد بياضاً من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم حرام لم يدعوه ». قال في (مرآة العقول) : « وفيه دلالة علىٰ حبط الطاعات بالفسوق ؛ والاحباط عبارة عن ابطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها ، ويقابله التكفير وهو اسقاط السيئة بعدم جريان مقتضىٰ ما عليها ».

[3] بحار الأنوار 7 : 290 ـ 291.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد