يكاد أهل العالم يُجمعون على أنّ الجسم البشري هو أجمل مظاهر عالم الدنيا والطبيعة. فالجسد البشري قد تنطبق عليه جميع معايير الجمال، وتبرز فيه مُحكمات آيات العلم الإلهي والإبداع والإتقان. ومن خلال نماذج الأجسام المتقنة تتكشف عيوب الأجساد ونقاط قبحها. فما يتحدث عنه البعض بشأن التقطيعات الستة في المعدة ليس مجرّد وهم، بل هو كشف عن وجود مثل هذه القابلية في عضلاتها. فعند التخلُّص من السمنة والزيادات غير المحمودة في هذه المنطقة ونموّ عضلاتها بشكل سليم، يتضح أنّ هناك جزءًا مهمًّا في البدن هو جميل وجذّاب قد يغفل عنه الناس ويُحرم منه أصحاب الكروش الصغيرة والكبيرة.
الجهاز العضلي كلّه بنموّه الطبيعي ودوره المهم في حركة الإنسان ونشاطه وصحته يؤكّد أنّ الأمر ليس مجرّد شكل يتغنّى به طلّاب الكمال من الأجسام. هل يتم اكتشاف جمال الجسد عبر معرفة تشريحه ومعرفة أدوار أجهزته وأجزائه؟ يبدو الأمر كذلك. فمع الربط الدقيق بين الجسد ووظائفه يتوصل العقل البشري إلى هذا البعد الجمالي بصورة تلقائية. وإذا كان الجسد في قمة فاعليته وصحته فسوف يظهر بشكل يعتبره العقلاء وأهل الوجدان جميلًا وأجمل من غيره.
ثم تأتي ملامح الوجه ومكوّناته التي لها دور عميق في التعبير عن المشاعر والشخصية، لتمنح الإنسان هنا إضافة جمالية تكاد تكون الأكبر بلا شك. فحتى لو كان هذا الجسد معيوبًا إلى حدٍّ ما، وكان صاحبه صبيح الوجه متناسق القسمات في العينين والأذنين والأنف والفم وما بينها، فإنّه سيتفوق على من هو على عكس ذلك من حيث الجاذبية والجمال!
لقد منح الله الإنسان قابلية أن يكون الأجمل من بين جميع مظاهر الطبيعة بلا منازع. وفي العمق ربط بين الظاهر والباطن؛ أي بين الجسد والروح، بحيث يمكن للروح أن تبرز بشكل ملفت في الظاهر لتزيد من قوة الجذب وروعة الجمال.
تاريخيًّا تغاضى مفكّرو الإسلام عن هذه الحقيقة، ربما لأنّهم شاهدوا الناس يخلطون بين الشهوات والإباحية من جهة، والجمال والجاذبية من جهة أخرى؛ كما حصل بشأن قضية الحب والعشق، حيث وصل الأمر إلى حد اجتناب الحديث عن حب الله تعالى رغم صريح الآيات الناطقة به!
كان بعض أساتذتنا الكرام يسعى جهده للتفريق بين العشق والحب، فينسب العشق إلى نزوات البشر وشهواتهم الرخيصة، وينسب الحب إلى الله؛ ممّا أدى عندنا إلى أن نقلّل من شأن الحب بين البشر ونستخف به.. الخسائر الناجمة عن هذا التفكير لن أشير إليها في هذه المقالة.
لكن لنرجع إلى قضية الجمال الجسدي؛ فهو أيضًا موضوعٌ قد انحسر واختفى في الفكر الإسلامي. وبعدم تعرُّضهم للحديث عنه فلسفيًّا، تُرك الميدان وعلى مدى العصور لعبث العابثين ليصولوا ويجولوا ويعرضوا ما يشاؤون من آراء وفنون لم تزد البشرية إلّا ضياعًا. فباجتنابنا الحديث عن جمال الجسد وجمال المرأة خصوصًا، نترك المجال للنظرة المادية لكي تسود وتقدّم رؤيتها وثقافتها وكل ما يتولّد عنها على صعيد الفن والسلوك.
الجمال الجسدي بالنسبة لأصحاب المدرسة المادية هو شيءٌ يجب الاستمتاع به قبل أي شيء.. لا شك بأنّ الجمال ممتع ويبعث في النفس حالة من الانبساط والفرح. وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ النظر الى الوجه الحسن يُذهب الحزن. ولا يحتاج الأمر عندنا إلى أكثر من التجربة ليتأكد عندنا ويثبت.. بيد أنّ للمتعة درجات، وبعضها يرتبط بالمتعة التي تتحرك معها الشهوة الجنسية طالبةً الوصال؛ هذا الوصال الذي ينجم عنه الكثير من النتائج، بعضها شديد الفساد والتأثير السلبي على حياة البشر ومجتمعاتهم.
وحين يحصر الإنسان المتعة في هذه الشهوة أو يرى هذه الشهوة أعلى متعة في الحياة (وهي كذلك على صعيد المادة والدنيا كما ورد في أحاديث شريفة) فإنّه لن ينفتح على أي نوع من المتعة الروحية، فيُغلق على نفسه بابًا عظيمًا للحياة المعنوية الرائعة. ومن أبواب هذه الفوائد المعنوية والارتقاءات الروحية اتصال الروح بمظاهر الجمال في عالم الوجود لتنفتح بذلك على مصدر الجمال كلّه؛ بل يمكن القول إنّه لا ارتقاء ولا عروج للأرواح الطيبة في هذا العالم من دون اتصالها بهذه المظاهر وتفاعلها معها. ولو قيل إنّ من أهم مهمات الإنسان في الدنيا اكتشاف الجمال الساري في كل مظاهرها والتفاعل البنّاء معه، لما كان في هذا الكلام أي مبالغة.
لكن كيف يمكن لمثل هذا الإنسان أن يحقق مثل هذا الأمر وهو غارق في بحر الشهوات والتوجُّهات الدنيوية الدانية؟! وكيف يمكنه أن يتفاعل مع الجمال البشري (الذي هو أعلى مظاهر هذا الجمال) وهو قابع في لجّة الثقافة المادية التي اعتقلت الجمال وكبّلته بقيود الشهوة والمتعة الجنسية؟
وبدل أن ننحو منحى التفريط ونحرم أنفسنا من هذه الفرص، يجب علينا أن ندافع عن الجمال البشري ونحرّره من همجية الحضارة المادية التي بلغت في تمجيد تلك الشهوة مبلغًا عظيمًا. يجب طرح الأسئلة العميقة على كل من يحب هذا الجمال ونقول: لماذا تريد المرأة مثلًا أن يرى الناس كلّهم جمالها ويستمتعوا به؟ ولا شك بأنّ الإجابة الصحيحة على مثل هذه الأسئلة تتطلّب الارتقاء بالعقول ومساعدتها على التوغُّل في أعماق النفس البشرية، التي تنزع أحيانًا كثيرة إلى استغلال الجمال لمصالح رخيصة وغايات غير متحقّقة.
إذا وصل الناس إلى مستوًى من الفهم يدركون معه الفارق الجوهري بين جمال الجسد والاستمتاع به بتلك الطريقة، فسوف تسقط تلك الدعايات والاستعراضات الشهوانية ويضعف تأثيرها وهي تهبط بالإنسان إلى قعر البهيمية. لقد صرّح أحد أشهر مصمّمي الأزياء في العالم ذات يوم مشيرًا إلى حال ثقافة الناس في عصره بهذا الشأن قائلًا: "الناس لم يعودوا يريدون الأناقة، بل يريدون الإغواء".
أجل، فحين توغّل الناس في هذا الاستمتاع الشهواني ضعف الاستمتاع الروحي وانحسر، فاتجهت الأنظار إلى تلك المفاتن الخاصة بالجنس لتملأ الفراغ والخواء الروحي.
يجب الحديث عن جمال الجسد انطلاقًا من بعده الروحي والإلهي للوقوف بوجه المستغلّين له، الذين امتلكوا بسبب استئثارهم واحتكارهم له أقوى أسلحة الشيطان التي لا تخيب!
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
السيد جعفر مرتضى
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
أثير السادة
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
معنى (جنب) في القرآن الكريم
الحسد والحاسدون
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}
قرآن المسلمين وتحريف التّوراة والإنجيل!
مهارات التّعامل مع الخلافات الزّوجيّة، محاضرة للطّاهر في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
الحدود الفاصلة بين الإباحية والجمال
العلاقة بين التدخين وضغط الدّم العالي أصبحت مؤكدة علميًّا
بغداد في تدوينات المعتزلي الأخير
معنى (توراة) في القرآن الكريم
أدب النبيّ (ص)