السيد عباس نورالدين
إنّ التزام المسلم الواقعيّ بتوصيات دينه وإرشادات أئمّته لا ينبع من مجرّد التقيّد والطاعة، بل يتعدّاه إلى مسؤوليته الكبرى في تقديم النموذج الأعلى للبشرية. فأي دين أو مذهب وُجد في هذا العالم، إن لم يحقّق لأتباعه الرفاهية الدنيوية، فسوف يتلقّاه الناس كدينٍ مختلق ومذهب منحرف.. وحين ترى مسلمين يعيشون في منطقةٍ ما ومع ذلك يظهر عليهم التخلّف والقذارة في شؤون حياتهم الدنيا، فاعلم أنّهم بعيدون عن تعاليم الإسلام الأصيل.
إنّ قول الإمام الصادق (عليه السلام): "كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ"،[1]يشمل كل سلوك يجذب الناس إلى الدين ويحبّبهم به؛ ولا شك بأنّ تمتّع المسلم بصحّته وقوّته بصورة متميّزة لهو من أهم عوامل جذب الآخرين إلى الإسلام؛ خصوصًا في هذا العصر الذي يُعدّ الاهتمام بالصحة من أهم مميّزاته.
إنّ تهنّي المسلم بصحّته يتجلّى في الأمور التالية:
أوّلًا: الكلفة المتدنية لتأمين السلامة والصحّة؛ حيث إنّ برنامج الإسلام الصحّي لا يتطلّب أي نوع من الإنفاقات الإضافية على الغذاء أو التكاليف الباهظة للطبابة أو حتى اعتماد نمط عيش صعب وشاق. بل يمكن القول أنّ أساس نجاح المسلم في هذا المجال يرجع إلى زهده في الحياة، وإلى اختياره حدّ الكفاف في العيش، وإلى ممارسة برنامج ضبط النفس عن الكثير من المشتهيات.
ثانيًا: التمتّع بالقوّة الملفتة مقارنةً بغيره؛ ويظهر ذلك في قدرته على القيام بالكثير من الأعمال التي تتطلّب جهدًا وافرًا، دون أن يؤثّر ذلك سلبًا على صحّته وسلامته.
ثالثًا: قلّة الأمراض التي يُبتلى بها؛ وخصوصًا الأمراض الغريبة والمهينة. لأنّ المبدأ الأول في نظامه الصحّي يقوم على اجتناب كل ما يتسبّب له بالضرر، بل حتى ما يُحتمل منه الضرر. فإنّ أكثر المشاكل الصحية، إن لم نقل كلّها، ينبع من كثرة الأكل أو سوء الأكل؛ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ وَأَعْطِ كُلَّ بَدَنٍ مَا عُوِّدَ بِهِ".[2]فما من داء إلا ويبدأ من المعدة ولو بطريقة غير مباشرة، أو يمكن حلّه عبر المعدة. وقد بدأت الدراسات المعاصرة تكشف عن العديد من الملاحظات العلمية التي تربط بين تعزيز جهاز المناعة والوقاية من مرض السرطان وعلاجه من خلال اعتماد برنامج غذائيّ سليم.
رابعًا: ضعف الآلام التي يمكن أن يعانيها من جرّاء أي مرض أو ضائقة تصيبه في بدنه. وذلك لأسباب عدّة؛ منها وأهمّها شوقه إلى لقاء الله الذي تنبع منه تلك النظرة الإيجابية الطيبة إلى الموت. وكما نعلم فإنّ الخوف من الموت هو العامل الأوّل لاشتداد الآلام حين المرض أو ازدياد شعورنا بها. فنجد أمير المؤمنين (عليه السلام) حين عاده النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مرضه، حيث كان قد أصابه وجعٌ شديد في العين، قام من فراشه وكأنّه لم يصبه شيء، حين بدأ النبيّ يذكر له أحوال الموت والقيامة وما يحصل فيهما. وقصّته مع نزع السهم من رجله أثناء صلاته معروفة ومشهورة.. وحين تقلّ آلامنا، تقلّ معاناتنا من الأمراض التي نُبتلى بها، فنزداد هناءةً في العيش.
خامسًا: اعتماد طرق ميسّرة وشديدة البساطة لمعالجة أنواع الأمراض المختلفة. حيث يبني نظامه الصحّي على الوقاية والغذاء المناسب والحمية والصيام.
ليس المهم أن تعيش زمنًا طويلًا، بقدر ما يهم أن تهنأ بعيشك. وللمسلم نظامٌ حياتيّ معنويّ يسمح له بالاستفادة القصوى من طاقات الجسد في المدّة التي يتواجد فيها على هذه الأرض، حتى لو مرض من حينٍ إلى آخر.. وإنّما المرض الأكبر استخدام أبداننا بغير ما خُلقت له؛ أي في العبثية والضياع والحرام والظلم.
ومع أنّنا لم ندرك لحدّ الآن سرّ العلاقة المباشرة بين استعمال الجوارح والأعضاء وفق النظام الإسلامي العبادي وبين الصحّة المديدة، لكنّنا نلاحظ آثار ذلك بوضوح. فلا شيء يمكن أن يشفي ويعافي ويصحّح أبداننا مثل استعمالها في طاعة الله وإقامة الدين وتطبيق تعاليمه السامية.
يلاحظ المسلم الواقعيّ أنّه كلّما أفرط في الأكل أو الشرب أو اندفع نحو المشتهيات دون رعاية الضوابط الصحية، فإنّه يدفع الثمن مباشرةً من صحّته وسلامة جسده. وهذا يدل على أنّ للضوابط الإسلامية بعدًا آخر غير الاختبار والامتحان، وهو انسجامها التام مع النظام البيولوجيّ للإنسان.
ويهتم المسلم بمعدته أشدّ الاهتمام لأنّها وسيلة اتّصال بدنه وتفاعله مع العالم الخارجيّ. فما من شيء يرد على البدن إلا ويمر بنحوٍ ما عبر المعدة والأمعاء. وأوّل ما يظهر من هذا الاهتمام: اهتمامه بفمه الذي يُعد مدخل المعدة وبابها.
أفواهنا تحكي كثيرًا عن نظامنا الغذائيّ وعن مدى اهتمامنا بأجسادنا. وأوضح ما في الفم الأسنان واللثة. وصحّة هذه المنطقة من البدن تحكي كثيرًا عن الحياة الصحية لأي مجتمع أو طائفة. فما عليك إلا أن تنظر إلى أسنان أي جماعة تدرس نظامها الصحّي حتى تعرف الكثير عنه. ولأجل ذلك كان رسول الإسلام يوصي كثيرًا بالسواك (أي تنظيف الأسنان) إلى الدرجة التي كاد يوجبه على أمّته. ومن قرأ هذا الحديث يعلم أنّ السواك واجب وإن لم يصرّح به.
أمّا العنصر الآخر لحياة المسلم الصحية فهو الذي يظهر في صفاء مظهره وهيئته ونضارة وجهه وبشره. ولا شك بأنّ السبب الأول الذي يقف وراء ذلك يرجع إلى غلبة السرور والفرح على حياته، كما مرّ في فصولٍ سابقة. فلا شيء يمكن أن يهدّ البدن ويهرمه مثل الهم والحزن والكآبة. أمّا الأسباب الأخرى فهي ترجع إلى عاداته الغذائية المتلائمة مع البشرة، وإلى اهتمامه بنظافته وتسريح شعره والاعتناء به، واجتنابه للألبسة المضرّة والهيئات المخالفة لطبيعة الأجساد، والتي تنشأ من الرغبة بالشهرة والتفاخر وأمثالها.
إنّ أبداننا أمانة إلهية سنُسأل عنها يوم القيامة، وهي المسرح الأوّل لظهور مدى حضور العقل في حياتنا. فمن كان ذا عقل ودين نجح في تحقيق أفضل نظام صحّي في الحياة.
ـــــــــــ
[1]. الكافي، ج2، ص 78.
[2]. مستدرك الوسائل، ج16، ص 453.
الشيخ مرتضى الباشا
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان