كيف نجنّب أبناءنا ارتكاب الأخطاء.. دون أن يقعوا فيها؟
معظم الناس يتعلّمون من تجاربهم. بعضهم يتعلم من تجارب الآخرين؛ هذا ما يُسمّى عقل التجارب. لكن قلة هم الذين يتعلّمون عبر العقل المجرد الذي هو عبارة عن تلك القوة الإدراكية التي ترى الحقائق وتدرك الأباطيل من خلال تحليل معلومات وتركيب مقدمات. المعلومات والمقدمات التي يستعملها العقل المجرد قد لا تكون مُستفادة من التجارب، مثل إدراك الحياة بعد الموت.
الأسرع إدراكًا بل الأوسع علمًا هو الذي يمتلك هذه القدرة الـمُجرَّدة ويعتمد عليها في اكتساب العلم؛ وأقل منه من يعتمد على تجارب الآخرين، وأضعف الناس علمًا هو الذي لا يتعلم إلا من تجاربه.
يتعلم الإنسان من التجارب المرة والفاشلة كذلك. يُفترض ألّا يعيد التجربة الفاشلة مرتين أو أكثر إن كان يمتلك الحد الأدنى من العقل. يمكن نعت من لا يتعلم من التجربة الأولى بشيءٍ من الغباء. المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين، لأنّه كيّسٌ فطِن. هل يمكن أن يتعلّم الإنسان عدم ارتكاب الأخطاء من خلال العقل المجرد أو تحليل تجارب الآخرين؟ بالتأكيد، هذا ما يفعله العقلاء. لكن هل يُفترض أن يتعلم أبناؤنا من خلال تجاربهم فقط؟ وبعبارةٍ أخرى، هل التعلُّم من خلال التجربة الذاتية يُعد من خصائص المراحل العمرية الأولى؟
إن كان الحديث عن ارتكاب الأخطاء، فينبغي أن نُقسم هذه الأخطاء إلى قسمين:
قسم يعود على الإنسان بالضرر الـمُعتد به، حيث يصل بعضه إلى ما لا يُغتفر ولا ينجبر.
وقسم إمّا عديم الضرر أو ضرره قليل وقابل للجبران.
لا ينبغي اعتبار جميع الأخطاء متساوية ومتشابهة. ترتيبها وفق هذا التصنيف مهم جدًّا. ويجب البدء من الأضرار التي تُعد سببًا لتدمير الشخصية. فهنا، سيكون من الحماقة أن ندع أبناءنا يتعلمون من هذا النوع من التجارب. يجب أن نسعى جهدنا لتجنيبهم هذه الأخطاء القاتلة، حتى لو اضطُررنا أحيانًا إلى استعمال القوة والعنف.
لكن ارتكاب بعض الأخطاء يمكن أن يُعد من خصائص المرحلة العمرية التي تتميز بإصرار الأبناء على إثبات شخصيتهم من خلال العمل والتجربة. هذه الأخطاء ستكون حتمية حين الانتقال إلى سن الرشد. والتشدُّد تجاه الأبناء قد يكون هو الـمُدمِّر لشخصيتهم أكثر من الأخطاء نفسها.
إنّ الركن الأول لبناء الشخصية العقلانية هو وجود الحكمة في المنزل والبيئة التي يترعرع فيها الإنسان. ويعني ذلك أن يكون هناك تقدير عالٍ للحكمة وأهلها. وهذا ما يعتمد على حُسن التواصل بين الأجيال وأهل الحكمة. تفعيل التواصل له شروطه ومستلزماته أيضًا. وأهم هذه الشروط وجود مستوًى عالٍ من الثقة. والثقة تُبنى من خلال التجربة الـمُفعمة بالحِرص.. حين يتمكّن أبناؤنا من إدراك مدى حرصنا عليهم (وهذا هو جوهر العطف والحنان) فإنّ ذلك يساعدهم على بناء أواصر الثقة في نفوسهم. يصبح المربون بمثابة الرصيد الذاتي، فلا يراهم الأبناء كسلطة عليا تُريد أن تتحكم بهم وتمنعهم من الحصول على المشتهيات.
جانب مهم من حكمة الآباء يتجلى في نجاحهم وثباتهم ووقارهم. حين ينظر الأبناء إلى آبائهم وأمهاتهم كأشخاص ناجحين واثقين متعلمين متكاملين، فإنّهم سيبحثون عن أسرار نجاحهم وأسباب فلاحهم، وهذا هو البحث عن الحكمة.
يأتي القسم الآخر عبر التخاطب والتحاور. ويجب على الآباء أن يشجعوا في أبنائهم هذا النوع من البحث، حيث يمكن لعرض تجارب الفشل والفاشلين أن يكون محفزًا. تعميق قدرة التمييز بين الفاشلين والناجحين (أي الأشقياء والسعداء) وفق المعايير الإلهية، يشجع أبناءنا على التساؤل والبحث عن عوامل النجاح والفشل وأسباب السعادة والشقاء. وامتلاك المربين المعلومات الكافية عن أرقى السعداء وأحط الأشقياء يوصل المتربين إلى أعلى مستويات الحكمة.
إذًا، ليس شرطًا أن يتعلّم الأبناء من التجارب المرة والقاسية والمؤلمة. يمكن لنا أن نجنّبهم مثل هذه المرارات عبر هذه الروح العقلانية البعيدة عن الجهالة. ليسوا بحاجة إلى أن يقولوا لمزارعي النخيل أن يلقحوا أشجارهم في وقتٍ خاطئ حتى يحصل ما يحصل من ضرر فيعترفوا لهم بأنّهم أعلم بأمور دنياهم، هذه جهالة وليست جهلًا. الجهالة هي أن تتدخل فيما لا يعنيك أو ما لا علم لك فيه ولا خبرة. والعقلاء لا يفعلون ذلك دومًا. ولذلك ورد في الحديث "بِتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيكَ يَتِمُّ لَكَ الْعَقْل".[1] العقلانية لا تكون مقابل الجهل بل الجهالة. العقل يسعى لرفع الجهل عبر ترك الجهالة. ولذلك كلّما ارتقى إدراك العقل وكمُلت هذه القوة ازداد صاحبها علمًا.
حين نتمكن من ترسيخ المراتب الثلاث للتعلُّم وهي: التعلم من التجارب الذاتية، والتعلُّم من تجارب الآخرين، والتعلُّم من العقل المجرد. يمكن لنا أن نصنِّف أنواع الأخطاء ونضعها في هذه المراتب. القسم الذي اعتبرناه خطأً قاتلًا يجب إدراكه بالعقل الـمُجرَّد. لا ينبغي أن يدخل الإنسان النار حتى ينجو منها. كما أنّه ليس بحاجة إلى مشاهدة أهلها حتى يتّعظ فيتجنّبها.
إفساح المجال للناشئة لارتكاب بعض الأخطاء في مقابل التشدُّد تجاه بعضها الآخر يساعدهم على تقوية تلك القدرة العقلية التي سيحتاجون إليها عند الانطلاق في آفاق الحياة. والتعامل مع أخطائهم كلها بالمستوى نفسه من التشدُّد يعجزهم عن إدراك الفارق بين مراتب الإدراك والتعقل.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1]. عيون الحكم والمواعظ، ص189.
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبد الجليل البن سعد: القيم والتقوى: ركائز الأمان والتمييز في بحور النفس والمجتمع
عبور لنهر هيراقليطس، أمسية لهادي رسول في الخبر
برنامج أسريّ بعنوان: (مودّة ورحمة) في جمعيّة تاروت الخيريّة
المشكلة الإنسانية، جديد الدكتور حسن العبندي
الأسرة الدافئة (2)
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (2)
حبيبة الحبيب
السيدةُ الزهراءُ: دُرّةَ تاجِ الجَلال
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته