مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

إلى أين ستؤدي كل هذه الفظائع؟

لو فرضنا أنّ المجتمعات البشرية تسير على خطّ واحد وهذا الخط هو خط التقدم والازدهار والتطور، فهنا يجب أن نعلم بأن قياس هذه الحركة التطورية وتحليلها سيكون على غير ما يبدو في الظاهر بالنسبة لأكثر الناس.

والحروب هي من تلك الظواهر التي يصعب على الناس إدراك ما قد تحمله من خير كثير للمجتمع، لأنهم يحسبون أنّ المجتمع الذي يتمتع أبناؤه بالعمر المديد والاستقرار والأمن هو المجتمع الوحيد الذي يسير نحو التقدم والتطور.

 

 وحين ينظرون إلى مجتمعنا وهو يعاني من ويلات الحرب ويتكبد الخسائر الكبيرة في عمرانه وأبنيته ويقتل من أبنائه عدد كبير مقارنة بالمجتمعات الأخرى، فإنّهم يتصوّرون مباشرة أنّ هذا المجتمع سيعاني في المستقبل كثيرًا ويكدح وينهار ويتخلف عن ركب التقدم والازدهار، بينما المجتمعات الأخرى سوف تسبقه.

 إلا إنّ هذا المشهد الذي يرونه قد يكون مخالفًا للواقع تمامًا. 

 

لأنّ حساب تقدم المجتمعات وتطورها لا يكون على أساس عدد السكان ومعدلات الأعمار وكثرة العمران. فالأبنية والعمارات الكثيرة لا تعني أنّ هذا المجتمع يسير نحو التقدم بالضرورة، كما إنّ معدلات الوفيات أو موت عددٍ كبير من الناس في يومٍ واحد لا يشكل بالضرورة عائقًا أمام تقدّمه.

هناك مجتمعات تتجه منذ بداية تشكلها نحو زوالها وهلاكها وانقراضها ومأساتها حتى لو كانت بحسب الظاهر عامرة أو استمرت لمدة طويلة، ذلك لأن الهلاك والزوال لا يتم دفعة واحدة.

 

 فهناك مجتمعات قد تعاني لأربعين أو خمسين سنة وربما أكثر، معاناة شديدة حتى تزول في النهاية أو تنهار. وربما تستمر معاناتها مدة أطول لتكون عبرة لغيرها.

الذين لا يرون من قضايا المجتمع سوى الظاهر قد يغبطون المجتمعات الآمنة والبعيدة عن الحروب معتبرين حياتهم تقدمية وأن مجتمعهم يسير نحو الازدهار والرقي، في حين أنّه كلما أُتيحت لمثل هذا المجتمع فرصة الحياة المديدة أو الإمكانات أو الأسلحة أو الأموال فإن ذلك لا يزيده سوى تقدمًا نحو الهلاك والمأساة والمعاناة. 

 

فما يحدد مسار أي مجتمع ومصيره هي جهوده التقدّمية الإيجابية. وقياس هذه الجهود لا يكون على أساس الكم فحسب، بل على أساس الجهد النوعي الذي يبذله أفراده وما يقدّمونه له من إمكانات التقدّم ــ بالطبع، هذا فيما لو اعتبرنا أنّ المجتمعات تسلك مسارًا واحدًا.

وعليه، هناك الكثير من الجهود التي قد تُبذل في مجتمعٍ ما وتكون سببًا لتخلفه وعوائق أمام تقدّمه، كالجهود الإجرامية والعبثية والاستهلاكية المفرطة.

 

صحيح أنّ أفراد هذه المجتمعات بشكل عام يعيشون مددًا طويلة، أطول من غيرهم، ولا يكون الموت بين شبابهم وكهولهم شائعًا كما يحصل في الحروب، لكنّهم في الواقع ليسوا سوى أحجار عثرة وعوائق تشد المجتمع إلى الوراء. الشيوخ وكبار السن منهم قد يقضون آخر 30 سنة من عمرهم وهم يُحمّلون هذا المجتمع أعباءً باهظة تكون سببًا لضعفه الاقتصادي أو تراجعه في شتى المجالات.

وفي المقابل، صحيح أنّ مقتل عددٍ كبير من أبناء مجتمعٍ ما أو تدمير بيوتهم هو أمر مؤلم وقاسٍ؛ وهذه كلها خسائر كبيرة بحسب الظاهر. لكن إذا أردنا أن نقيس ذلك على صعيد التقدم يصبح المشهد مختلفًا تمامًا. هناك أشخاص تكون وفاتهم أو قتلهم أو استشهادهم أكبر إلهام للبقية وسببًا لبعث قوة معنوية يحتاج إليها هذا المجتمع لينهض أكثر ويتحرك بنحو إيجابي وبشدة، ممّا يُساهم في تقدّمه وتطوّره الحقيقي. 

 

وكذلك الأمر على مستوى الأبنية والعمارات. فهناك الكثير من البيوت التي تُبنى وتكون سببًا لتراجع المجتمع اقتصاديًّا، ذلك لأنّها تَحمل الكثير من الأعباء وتُحمّلها للمجتمع. فربما إذا دُمرت وأُعيد بناؤها بعد كارثة معينة أو حرب فإنّها ستكون سببًا للنهضة وتجديد النشاط والتطور الذي ما كان ليتحقق لولا ذلك.

بناءً عليه، حين ننظر إلى الحروب وإلى الأزمات ونتألم كثيرًا لهذه الخسائر البشرية والعمرانية التي تحدث فيها، ونريد أن نقول هذه خسارة، ينبغي أولًا أن نحدد ما الذي نقصده بالخسارة.

 

قبل أن نمعن في الألم والتحسر ينبغي أن نرجع إلى العقل الذي قد يُخبرنا عن مشهدٍ مختلف تمامًا. 

فحين نشاهد أنه يُقتل كل يوم 400 أو 500 شخص في بلدنا فيهولنا هذا الأمر، خاصة أنه يجري بطريقة بشعة مع الكثير من الضجيج ومشاهد رعب الناس واضطرابهم، فإنّ كل إنسان طبيعي سوف يتألم كثيرًا أو يضطرب.

 

 لكن غالبًا ما يكون الأمر بالنسبة لنا مهولًا ومؤلـمًا أكثر من الواقع بكثير، لأنّنا لم نفهمه كما ينبغي.

فعلينا ألّا ننسى أنّ الموت هو جزءٌ أساسيٌّ في حركة المجتمعات، ولم يكن يومًا عائقًا أمام التقدم (سواء مات الناس بالقتل أو المرض وغيره).

 

 ففي غير الحروب يموت كل يوم عددٌ كبير من الناس من مختلف الأعمار بطرق مختلفة كحوادث السير والأمراض والأخطاء ومع ذلك لا يهولنا هذا الأمر، ربما لأنّنا لم نسمع عنه دفعة واحدة أو لم يُقدَّم لنا بشكل مرعب.

وإذا حللنا مسارات المجتمعات بحسب مستوى الجهد التقدمي لا الموت ومعدل الأعمار والعمران؛ فإنّنا لن نشعر عندها بالرعب والاضطراب أثناء الحروب والكوارث الكبرى.

 

بالطبع، أنا لا أحاول هنا التخفيف من المصيبة حتى نستخف بما يجري، بل ما أريد قوله هو إننا إذا كنا نتصور بأنّ ما يحدث هو خسارة فظيعة ونهاية وشيكة فينبغي أن نعيد النظر جيدًا.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد