الإمام الخامنئي "دام ظلّه"
يقول أمير المؤمنين عليه السّلام في إحدى كلماته الملهمة للحكمة: «لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمن» «1». وفي حديث آخر يبيّن لنا عليه السّلام هذا المعنى بعبارة أخرى قائلًا: «من ركب مركب الصبر اهتدى إلى ميدان النصر» «2». وفي حرب صفين قال عليه السّلام في خطبة يحث ويعبىء الجند: «واستعينوا بالصدق والصبر فإن بعد الصبر ينزل عليكم النصر» «3».
فهل حقًّا أن النصر والثبات موجب للوصول إلى الهدف؟ وإذا كانت هذه قاعدة عامة وقانونًا ثابتًا لا يقبل التخلف لماذا نشاهد طوال التاريخ أفرادًا أو جماعات لم يصلوا إلى أهدافهم مع أنهم كانوا في ميادين العزة يبذلون ما ينفع الثبات والمقاومة، ولم يحققوا النصر أو يذوقوا حلاوته؟
في صدر الإسلام يوجد حوادث ليست بالقليلة شاهد على هذا الأمر مثل ثورة الإمام الحسين عليه السّلام في عاشوراء، ومثل شهادة زيد بن علي عليه السّلام، وثورة التوابين وغيرهم... ولكي يتضح الجواب عن هذا السؤال الذي يطرحه بعض الناس نحتاج إلى شيء من الدقة، فلعل هؤلاء الناس الذين يطرحون مثل هذا التساؤل ويعتبرون هذه الأحداث التاريخية التي لم تثمر أو تصل إلى غايتها بحسب الظاهر هي أمور تنقض هذا القانون العام (قانون الصبر والظفر).
إنّ هؤلاء لم يدركوا بشكل صحيح هدف وغاية كل واحد من هذه الحوادث والوقائع، والتي يكون تحقيقها لهذا الهدف أو تلك الغاية هو الانتصار والفوز. لهذا لا بدّ من الإجابة - باختصار - أولًا عن هدف هذه الحوادث التاريخية ليتضح أن أصحابها لم يهزموا أصلًا.
وكمقدمة ينبغي أن نلتفت إلى أن الأهداف تختلف من حيث قربها وبعدها عن التحقق، فبعضها تكون نتيجتها سريعة وقريبة، والآخر يحتاج إلى أزمنة طويلة كغرس نبتة وتأمين كل ما تحتاجه حتى تنمو وتثمر. فإذا توفرت هذه المقدمات ولم يحصل أي تقصير في إعدادها من خلال مواجهة العوامل السلبية المفسدة فإنها ستثمر حتمًا.
ولكن بعض الأشجار مثلًا تحتاج إلى أكثر من عشر سنوات لتعطي الثمار المطلوبة. نعم المزارع يعتني بهذه الشجرة سنة بعد سنة ويراها تقترب من بلوغ هدفها إلى إثمارها لكن المراقب عن بعد وبعد مرور سنتين مثلًا يخطّىء المزارع انطلاقًا من اليأس، لأن الشجرة لم تثمر بعد سنتين، ويقول أين الظفر بعد الصبر؟
وهكذا بالنسبة لثورة عاشوراء وكل الوقائع التي كانت امتدادًا لها، فقد حققت كل أهدافها. فهذه الوقائع كانت كل واحدة خطوة ناجحة باتجاه القضاء على السلطات الغاصبة وإقامة المجتمع الاسلامي المنشود، ولا شك أنه بعد هذه الخطوات الأولى لو استمر اللاحقون بالمسيرة لتحققت الغاية المطلوبة من وراء مجموع هذه المساعي والتحركات، أما أن نتوقع تحقق مثل هذا الهدف من شخص واحد أو عدة أفراد في مرحلة ما فإنه في غير محلّه.
وفي المثال المتقدم يمكن أن نقول لذلك المشاهد القليل الصبر والخبرة: إن أولئك الذين أدركوا متاعب المزارع وأشرفوا على هذه الأعمال يعلمون جيدًا أن كل يوم يمضي وكل ساعة ستكون مفيدة ومنتجة، وهم يدركون نتائج الصبر في كل لحظة قبل أن تأتي أختها.
فمرور سنتين من العمل يعني اقتراب الغرسة من النضج، ولو لم يكن هذا السعي في هذه السنتين مثلًا لتأخرت الثمار سنة أو أكثر ولعله يضيع الهدف النهائي ولا يصل إلى المطلوب، فهل الواقع غير ما ذكرنا؟ وإلى جانب هذه الحقيقة يوجد حقيقة أخرى وهي أنه بعد بروز مانع يمنع المزارع الحريص الصبور من الاستمرار في عمله إذا لم يتابع مزارع آخر عمله ولم يكمل أعمال السنة الثالثة والرابعة مثلًا فإن هذا الغرسة أو الشجرة لن تنضج أبدًا.
ولا شك أن نتيجة الصبر في السنة الأولى قد حصلت، كما أنّ قلع أو قطع شجرة متجذرة أو إزالة صخرة كبيرة بدون التجهيزات اللازمة واليد القوية ليس ممكنًا، ولن تعطي أية نتيجة بدون وجود الصبر. ولو أنجزت أول يدّ قوية وصبورة المقدمات الأولى اللازمة وبسبب مانع ما توقفت ثم أكملت الأيدي الأخرى العمل فإنها ستقترب نحو النتيجة المطلوبة.
وقد قام زيد بن علي عليه السّلام بسبب ظهور علامات نصر ولكنه لم ينتصر وإنما حقق ما كان متوقعًا من مثل نهضته - بزمانها ومكانها وظروفها - فإن قيامه واستشهاده كان ضربة على الصخرة الصلبة لحكم بني أمية، هذه الصخرة التي يتطلب تحطيمها عدة ضربات متتالية، وعندما توالت الضربات على أثر تلك الضربة انهارت هذه الصخرة السوداء التي كانت تجثم على صدر الأمة الإسلامية.
ولا شك بأنه لو لم تكن الضربة الأولى لما حققت الضربات اللاحقة مطلوبها أو أنها ما كانت لتحدث تلك الضربات. وكأن الحديث يشير إلى ما نتحدث عنه بأن شهادة الحسين بن علي عليه السّلام كانت سببًا لسقوط التيار السفياني وشهادة زيد بن علي عليه السّلام سببًا لسقوط الحكم المرواني «4». ومن هنا يتضح أن النصر والثبات أحد آثار الصبر كما أشارت الروايات المتقدمة عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
ما أشعر به هو أن الوعد الإلهي لنا ما زال صادقًا وعمليًّا على امتداد تجربتنا الشخصية والقصيرة المدى قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) «5». فحيثما تمسكنا بالتقوى والصبر والثبات فإن اللّه تعالى لم يضيّع أجرنا، لكننا متى ما أبدينا انهزاما تلقينا صفعة ووقع التزلزل، وهكذا الحال الآن.
وقد خاطب اللّه سبحانه وتعالى نبيه قائلًا: (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) «6» والاستقامة تعني الثبات على الصراط المستقيم والإصرار وعدم الانعطاف، وعلى هذا المنوال يأتي علاج المشكلات التي نعاني منها، وعلينا أنا وأنتم أن نضع هذا الأمر في الحسبان «7».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة: 4 / 40 ح 153.
(2) بحار الأنوار: 68 / 96 ح 61.
(3) الكامل في التاريخ: 3 / 297.
(4) بتصرف عن بحث حول الصبر، نشر مركز بقية اللّه الأعظم / الدار الإسلامية.
(5) سورة يوسف: 90.
(6) سورة هود: 112.
(7) من كلمة ألقاها في: 7 / 6 / 1424 ه - طهران.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان