مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

كيف ننتصر على القوى الطاغوتية؟

كل من يتأمل في حقيقة وجود قوى الكفر والطغيان في العالم، يعلم بأنّ هذه القوى ليست سوى وهم، {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَميعًا}؛ وأنّ هناك فلسفة أو حكمة وراء إبقاء هذه القوى. فالله سبحانه وتعالى بقدرته الغالبة قادر على أن يبيد تلك القوى بأيّ نحو كان؛ لكنّه سبحانه يختبر عباده الذين آمنوا به والذين يدّعون أنّهم أنصاره وأنّهم يريدون إعلاء كلمته، وهذا الاختبار يكمن في عدّة نقاط:

 

الأولى فيما يرتبط بمعسكرهم وجبهتهم ومجتمعاتهم. فإذا استطاعوا أن يبنوا ذلك المجتمع المثالي وأن يرصّوا جبهتهم بالحق ويطبّقوا التعاليم التي آمنوا بها في واقعهم، فإنّ ذلك سيؤدي أولًا إلى كمالهم وإلى إثبات صدقهم. لأجل ذلك، فإنّ إبقاء قوى الكفر وإخافة المؤمنين بها هو من أجل أن يبحثوا عن عوامل القوة الإلهية في واقعهم.

 

تتمثل هذه العوامل أول شيء في بناء جبهة متراصة تتحد فيها القوى وتتكافل بنحوٍ عميق يبيّن عظمة الإنسانية وروعة الإيثار والتضحية والتجاوز وكل المعاني الجميلة؛ لأنّ بناء مثل هذا المجتمع الواحد المتكافل القوي المتراص يتطلب إبراز كل معاني الإنسانية الجميلة وعلى رأسها العدل، الذي هو أساس تحقق هذا البنيان المرصوص. فما دام هناك خطأ في ترتيب الكفاءات ووضع الطاقات داخل هذا المجتمع، لا يمكن أن يتحقق البنيان القوي الشامخ الذي يقدر على تجاوز وهم القوى الطاغوتية؛ وما دام المجتمع المؤمن يعيش هذا النوع من الوهن والضعف، فمن الطبيعي أن يتسلل إليه وهم القوى الطاغوتية وجبروتها؛ فيضعف بذلك الإيمان حتى داخل أوساط هذه الجماعة. كما أنّ الشعوب التي تقف متفرجة في الوسط وتتطلع إلى نتائج هذا الصراع، فإنّها لن تنظر بعين الرضا والتفاؤل والاقتداء إلى هذا المجتمع، الذي وإن كان على الحق، إلا أنّه لا يمثل تلك المعاني والقيم الإنسانية والإلهية الرفيعة. فهذه هي الحكمة الأولى من وراء إبقاء قوى كبيرة مدججة ذات صخب عجيب.

 

ولكن ما هو أهم من ذلك هو بروز تلك الطاقات الكامنة، داخل مجتمع ومعسكر الحق، التي تسعى لإعلاء كلمة الله وإثبات حقّانية الدين ونشر العدل والفضيلة والقيم الرفيعة في كل العالم أي التبليغ، لأنّ التبليغ هو المسؤولية الأولى والأساسية للبشر كما كان للأنبياء. فعلى الناس التبليع وعلى الله التأييد والمدد والقوّة والنصرة.

 

ما أراده الله تعالى من أنبيائه هو أن يبلغوا رسالاته وكل ما بقي فهو عليه سبحانه وتعالى. فتبليغ رسالات الله وعدم الخوف والخشية إلا منه سبحانه وتعالى هو المسؤولية والتكليف الأوّل الذي يقع على عاتق كل المؤمنين، وهو المائز الأكبر الذي يميز المؤمن الحق عن غيره. فالإنسان الذي ينهض لتبليغ الناس كل المعاني والحقائق الجميلة والمصيرية في هذا الوجود هو الإنسان الذي يعبر عن صدق إيمانه. لأجل ذلك، لا ينبغي لوهم القوّة الطاغوتية أن يعمينا عن هذه المسؤولية الكبرى، خصوصًا أنّ المواجهات التي تحصل بين معسكر الحق ومعسكر الباطل لا تكون مستمرة ودائمة، وإن كانت خطرة في بعض الأحيان ووجودية؛ إلا أنّ المواجهة الكبرى والأساسية والمستمرة ستكون بين كلمة الحق وكلمة الباطل.

 

المدافع تتوقّف عن إطلاق نيرانها، ولكن مدافع الكلمات لا تتوقف؛ ومعسكر الباطل ناشط جدًّا في كل مجالات الحياة، وخصوصًا مع هذه القدرات التعليمية والإعلامية الهائلة التي توفرت في هذا العصر.

 

إنّنا نجد هذه الهجمات المتتالية التي تجتاح كل مجالات الحياة، ومع ذلك فإنّ معسكر الحق لم يلتفت إلى هذه القضية، بل بات منشغلًا بوهم القدرة سواء قدرة الخصم أو قدرته هو، ويستنفذ معظم جهوده لمعركة ثانوية إذا ما قورنت بالمعركة الأولى والأساسية وهي معركة الكلمة.

 

لأجل ذلك، فإنّ الذين فهموا الحكمة والفلسفة الكامنة وراء كل هذا الصراع وهذه المواجهات يدركون جيدًا أنّ الانتصار الحقيقي يكمن في انتصار الحق على الباطل أي في انتصار صراع الفكر والكلمة، فيعدّون العدة لأجل ذلك. فكما أنّ المقاتلين يتطلعون إلى الأسلحة الاستراتيجية التي يمتلكها العدوّ، الأسلحة الحاسمة في المعركة، ويسعون لمواجهتها من خلال أساليب الدفاع الذكية ومن خلال اختراع وابتكار أسلحة مضادة، فإنّ الذين يهتمون بمعركة الكلمة يتوجهون إلى أهم الأسلحة الاستراتيجية التي يمتلكها معسكر الطاغوت، وهم يعلمون أنّ هذا الطاغوت يتفوق وينفذ ويؤثر كثيرًا بالسينما والإعلام التلفزيوني، أي بشكل أساسي بعالم الدراما الذي له أكبر تأثير على مشاعر وإدراكات البشر. وانطلاقًا من هذا الوعي، فإنّهم يسعون لابتكار الفن السينمائي المقابل الذي يكون له تأثير عميق على مستوى فهم حقائق العالم ونمط العيش والفضيلة والكرامة البشرية وكل ما يحتاج إليه البشر لكي يستيقظوا وينهضوا ويسعوا إلى كمالهم.

 

إنّ الانتصار الأكبر على الباطل سيكون في هذه المعركة بالتحديد، ويجب أن نتعرف إلى المقدمات والعوامل والمستلزمات اللازمة لتحقيق هذا التفوق وهذا الانتصار النوعي في عالم الدراما والسينما والتلفزيون. علينا أن نبحث عن كل مقومات النجاح في هذه المواجهة بالتحديد، وبدل أن ننفق كل هذه الإمكانات التي لا تُعد ولا تُحصى في إنتاجات سخيفة أو سطحية أو عادية، ينبغي أن نركز جهودنا باتجاه إنتاج الدراما العميقة المؤثرة التي ترتبط بعمق هذا الصراع وتجعل الإنسان منيعًا أمام غزوات الطغيان وتجعله قادرًا على الانتقال إلى مرحلة الهجوم من خلال تناول أخطر وأعمق القضايا التي نعيشها اليوم. إن استطعنا أن نوجد مثل هذا الفن ونؤمّن إنتاج هذا النوع من الأفلام والبرامج، فإنّنا نكون قد حققنا الانتصار المطلوب، وتحملنا المسؤولية الأساسية الملقاة على عاتقنا في عالم التبليغ، وأثبتنا  أنّنا لم نقع أسرى وهم القوة الظاهرية.

 

والساحة الثانية والأساسية في هذه المواجهة، مواجهة الكلمة والفكر، ترتبط بميدان التعليم. فما نحتاج إليه هو إنتاج المناهج والبرامج التعليمية التي تصنع الإنسان المتفوق، الإنسان الذي لا يتفوق في الفيزياء والكيمياء والهندسة فحسب، بل في معركة الفكر أيضًا، أي الإنسان الذي يدرك عمق الصراع الموجود وعناصر الخداع والأوهام والأباطيل الكثيرة المغلفة بالجمال والحسن وكل أشكال الجاذبيات.

 

ما نطمح إليه في التعليم هو إعداد ذلك الإنسان الذي يصل إلى هذا المستوى من الفهم والإدراك، ويعلم أنّ كل ما يجري في هذا العالم من قبل الغرب المدجج إنّما هو خداع ووهم وباطل وبشاعة، وإن كانت مغلفة بكل هذه الأشكال. الإعداد الحقيقي في ساحة التعليم ينبغي أن يُبنى على أساس هذه المواجهة، من قبل أن نعد الإنسان الذي يبتكر الطائرات أو الأسلحة الصاروخية أو غير ذلك من متطلبات المواجهة العسكرية.

 

إنّ ما نحتاج إليه هنا وبالدرجة الأساسية هو أن نتمكن من بناء ذلك الفرد الذي يستطيع أن يقتحم المجتمعات الأخرى ويخاطبها وينقل معتقداته وأفكاره الجميلة إلى شعوبها ويشعرها بأنّه إنسان حقيقي وأنّ حكوماتها تقوم بجريمة بشعة بحق الشعوب الأخرى التي تصورها لها على أنّها شعوب وحشية تستحق الموت! إنّنا بهذه الطريقة نؤدي تكليفنا ونتحمل المسؤولية الأساسية وننتصر حتى في ساحة المواجهة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية.

 

هذا هو الفرد الذي ينبغي أن تتركّز الجهود الأساسية على إعداده. وما لم نعد النظر في مناهجنا التربوية وبرامجنا التعليمية ونصوغها من جديد على أساس متطلبات هذه المواجهة وهذا الصراع، فإنّنا لن نفلح وستبقى المواجهة العسكرية مستمرة إلى ما شاء الله.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد