مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

معنى كون الدنيا زينةً وغرورًا

الزينة هي ما ينزع بالإنسان من الحقّ إلى الباطل، ويُظهر الباطل للأنظار في هيئة الحقّ، والقبح بصورة الجمال والفتنة. فالشخص الذي يتزيّن يفعل ذلك ليظهر نفسه جميلًا، والمرأة حين تتزيّن فتجمّل ظفائرها وطلعتها وترتدي السوار والقلادة والقرط فإنّما تفعل ذلك لتغطّي عيوبها وتظهرها في هيئة جميلة، أو كي تزيد من حسنها إن خلت من العيوب.

 

وباعتبار أن الشخص الذي يتزيّن لا يمتلك جمالًا وحسناً حقيقيّاً، وأنّ الزينة تمتلك الجمال، فإنّ هذا الشخص يقوم بتزيّنه بصرف نظر الناظر من قبحه وجماله الناقص إلى حسن الزينة وجمالها، فيكون نظر الشخص الناظر في النتيجة مصروفاً من صاحب الزينة وإدراك قبحه إلى حُسن الزينة، في حسّ نتيجةً أنّ صاحب الزينة حَسَن وجميل.

 

ولو كانت يد امرأة ما جميلة وحسنة بحيث لا تحتاج معها إلى زينة السوار والخاتم، فإنّ تلك المرأة لن تعمد مطلقاً إلى لبس سوار في يدها، أو خاتم في إصبعها، ولن تزيّن صدرها وعضدها وأذنيها بالقلادة والدُّمْلُج والأقراط. وذلك لأن أمثال هذه الزينة ستمنع في هذه الحالة من تجلّي حسنها ونضارتها التي وهبها الله، وستحدّ من بروز حُسنها، وحينذاك فإنّ الزينة ستفقد عنوان الزينة.

 

لذا فإن استعمال جميع أنواع الزينة هو من أجل صرف النظر الصائب عن واقع الأمر ومتنه إلى جهات اعتباريّة ونسب مجازية غير صحيحة، وفي الحقيقة فإنّ الزينة تعني الخداع والتحايل والتمويه ونصب الحبائك واسعة لصرف الأفكار وعطفها إلى المحاسن المجازيّة، وهذا هو معنى الغرور.

 

الدنيا دار الزينة والغرور، أي أنّها تغرّ الإنسان وتخدعه فتُظهر الاعتباريّات الفانية في نظره على هيئة حقائق واقعيّة، فيقع الإنسان في حبائل الهوس والهوى من أجل الحصول على تلك الحقائق المتخيّلة، وينشغل دوماً بالزينة والغرور، فيخسر في مقامرة العشق مع هذه الأمور الاعتباريّة الخيالية، ويوثق عقد حبّه وهيامه لهذه الصور القبيحة الـمُنفرة من الفناء والزوال والبوار والعدم، حتى يخسر في عاقبة الأمر ثروة وجوده بلا عوض.

 

أمّا رجل الصدق والاستقامة فلا يعير زينة الدنيا أدنى اهتمام، وينظر إلى حقيقتها بعين بصيرته النافذة المضاءة، فلا يمنح الأمور الاعتبارية واللذائذ الفانية عنوان البقاء والدوام، ولا يخدع نفسه فيعقد عقد نكاحه على عجوز شمطاء قد تجمّلت للأنظار وجرّت آلاف الأزواج إلى الموت في أحضانها بآلاف الخدع والأحابيل.

 

(إنَّا جَعَلْنَا مَا على الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلًا، وَإنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا). «1» إنّا جعلنا ما على الأرض زينة وجمالًا لها لنختبر أهلها ونبلوهم أيّهم يمتلك ميلًا أشدّ إلى الحقيقة وعملًا أحسن وأجمل، ثمّ إننا في عاقبة الأمر سنجعل ما على الأرض صعيداً وتراباً خالصاً لا خاصيّة له ولا أثر.

 

فالماء الجاري على الأرض زينة، والنباتات والأشجار والمناظر الخلّابة من الجبال والشلّالات زينة كلّها، الطيور والدجاج زينة، والأنعام والدوابّ زينة، النساء والأولاد، الأرحام والعشيرة، الأصدقاء والإخوان هم زينة كلّهم. جعلهم الله جميعاً زينةً للمادة وللهيولي التي لا شكل ولا لون ولا رائحة ولا جمال ولا فتنة لها، وذلك من أجل أن يبلو الناس ويختبرهم فيما سيفيدونه من هذا العمر ومن سني الحياة المتوالية، وكيف سيجتازون هذا الاختيار، وكيف سيصيرون خالصين منزّهين.

 

فهذه الأشكال والصور ستتبدّل جميعاً في موقد الدهر إلى رماد، كما ستتحول هذه الطراوة والجمال إلى أشكال كريهة ومناظر عجيبة، وستنتهي الأرض الخضراء اليانعة قفراً قاحلة.

 

فالله سبحانه يختبر بهذه الأمور عباده ليعلم أيّهم لا ينخدع في هذه المعمعة من المناظر الخدّاعة والفخاخ الكثيرة المنصوبة، وأيّهم لا يتخطّى قوانين الفطرة والعقل والأخلاق الفاضلة والعمل الصالح والإيمان بخالق هذا العالم الغريب، ولا يتجاوز العبودية في فنائه المقدّس الخارج من الشكل واللون والرائحة، والذي لا يبخل بالإنفاق والإيثار المقرون بالالتفات الواعي إلى الواقعية والحقيقة، الذي لا يعقد آماله ولا يمنّي قلبه بهذا اللون وتلك الرائحة فيفسد قلبه بضياعها ويُدفن في ديار الهلاك والفناء والبوار.

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام ضمن الخطبة 155 من نهج البلاغة: "فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ في الظُّلُمَاتِ، وَارْتَبَكَ في الْهَلَكَاتِ، وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ في طُغْيَانِهِ، وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّئَ أعْمَالِهِ، فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ، وَالنَّارُ غَايَةُ الْمُفَرِّطِينَ". «2»

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - الآية 7 و 8 ، من السورة 18: الكهف.

(2) - نهج البلاغة شرح عبده ، مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر ، ج 1.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد