مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد الريشهري
عن الكاتب :
ولد عام 1365ﻫ في مدينة الري جنوب طهران. بدأ بدراسة العلوم الدينية في مسقط رأسه، في سافر إلى قم عام 1380ﻫ لإكمال دراسته الحوزوية، وبعد انتصار الثورة الإسلامية سافر إلى طهران، واستقرّ بها حتّى وافاه الأجل، مشغولاً بالتأليف والتدريس وأداء واجباته الدينية. من مؤلّفاته: موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنّة والتاريخ، ميزان الحكمة، موسوعة الإمام الحسين (ع) في الكتاب والسنّة والتاريخ، موسوعة العقائد الإسلامية، المنهج السياسي للإمام علي (ع).

التآصر الوثيق بين القرآن والعترة

إنّ علمَ أهل البيت عليهم السلام بحقائق القرآن وتجلّيه التامّ في وجودهم جعلهم في الحقيقة «القرآن الناطق»، «1» وهو الموقع نفسه الذي تحدّث عنه النبيّ صلى الله عليه وآله حين جعلهم عِدْل «القرآن الصامت» وصِنْوه في حديث «الثقلين» المتواتر، ومن ثَمَّ جعل التمسّك بهما معاً شرط ديمومة الرسالة، والمانع الذي يعصم الأمّة عن الانحدار إلى هوّة الضلال وينأى بها عن التيه:

 

إنّي تارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلَينِ: كِتابَ اللَّهِ عز وجل وعِترَتي، كِتابُ اللَّهِ حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّماءِ إلَى الأَرضِ، وعِترَتي أهلُ بَيتي، وإِنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ أخبَرَني أنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ، فَانظُروني بِمَ تَخلُفُونِّي فيهِما. «2»

 

إنّ هذا النصّ يوضّح بجلاء أنّ تعانق القرآن الصامت مع القرآن الناطق وتآصرهما معاً هو ما بمقدوره أن يوفّر للأمّة منهاج هدايتها حتّى القيامة، بحيث لو وقع الانفصال بين ينبوعَي النور والهداية هذين؛ فإنّ ذلك سوف لا يُؤدّي إلى عدم منع ضلالة الأمّة وعدم عصمتها من التيه فحسب، بل يفضي أيضاً إلى أن يفرغ كلاهما من مفهومه الواقعي ويفقد معناه الحقيقي.

 

ولهذا روي أنه لـمّا دعا جيش الشام في حرب صفّين الإمام عليّاً عليه السلام إلى تحكيم القرآن ورفع شعار «لا حُكمَ إلّا للَّهِ»، التفت الإمام أمير المؤمنين إلى أصحابه منبّهاً ومحذّراً: هذِهِ كَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِها باطِلٌ، وهذا كِتابُ اللَّهِ الصّامِتُ وأَنَا المُعَبِّرُ عَنهُ؛ فَخُذوا بِكِتابِ اللَّهِ النّاطِقِ وذَرُوا الحُكمَ بِكِتابِ اللَّهِ الصّامِتِ، إذ لا مُعَبِّرَ عَنهُ غَيري. «3»

 

وفي رواية أخرى أنه عليه السلام قال في هذا الصدد: ذلِكَ القُرآنُ فَاستَنطِقوهُ ولَن يَنطِقَ لَكُم، أخبِرُكُم عَنهُ: إنَّ فيهِ عِلمَ ما مَضى وعِلمَ ما يَأتي إلى يَومِ القِيامَةِ، وحُكمَ ما بَينَكُم وبَيانَ ما أصبَحتُم فيهِ تَختَلِفونَ؛ فَلَو سَأَلتُموني عَنهُ لَعَلَّمتُكُم. «4»

 

أجل، إنّ أهل البيت وحدهم القادرون على النطق بالقرآن وهم - صلوات اللَّه وسلامه عليهم - تراجمة وحي اللَّه المعبّرون عن كتابه دون سواهم «5»، لما لهم من إحاطة بكتاب اللَّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله، وهم من يستطيع أن يستنبط من الكتاب والسنّة مرتكزات الإسلام ومبادئه العقيدية ومناهجه الأخلاقية والعملية على نحو يقينيّ كامل، ومن ثَمَّ لا مناص للُأمّة الإسلامية من العودة إليهم لبلوغ حقائق دينها، ولا خيار لها سوى الإذعان لمرجعيتهم في زمن حضورهم.

 

أمّا في عصر غيبتهم فإنّ مرجعية معرفة الدين والتفقّه فيه تعود إلى العلماء الذين تعلّموا من أهل البيت أسلوبهم في تفسير القرآن واستنباط معارفه وأحكامه من الكتاب والسنّة، فعلى عاتق هؤلاء تقع مسؤولية بيان الدين إلى الأمّة على قدر وسعهم وطاقتهم. وهؤلاء العلماء هم في الحقيقة نوّاب الإمام والوليّ المطلق في هداية الأمّة وقيادتها في عصر غيبة الإمام المهديّ عليه السلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). كما نقل عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: «أنا القرآن الناطق». راجع: موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ : ج 4 ص 533 (القسم التاسع / عليّ عليه السلام عن لسان عليّ عليه السلام / القرآن الناطق).

(2). مسند ابن حنبل: ج 4 ص 37 ح 11131 عن أبي سعيد الخدري، المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 118 ح 4576 عن زيد بن أرقم، المعجم الكبير: ج 5 ص 154 ح 4923 عن زيد بن ثابت، كنز العمّال: ج 1 ص 172 ح 872 ؛ الإرشاد: ج 1 ص 233 عن الإمام عليّ عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله، التبيان في تفسير القرآن: ج 1 ص 3 كلاهما نحوه ، بحار الأنوار: ج 23 ص 106 ح 7.

(3). العمدة : ص 330 ح 550.

(4). الكافي: ج 1 ص 61 ح 7 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام ، نهج البلاغة: الخطبة 158 نحوه ، بحار الأنوار: ج 92 ص 23 ح 24.

(5). عرّف أهل البيت عليهم السلام أنفسهم في روايات كثيرة ب «تراجمة الوحي»؛ فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: «نحن تراجمة وحيه» (معاني الأخبار : ص 35 ح 5)، وعن الإمام الباقر عليه السلام: «نحن تراجمة وحي اللَّه» (الكافي: ج 1 ص 192 ح 3)، وورد وصف أهل البيت في الزيارة الجامعة الكبيرة المرويّة عن الإمام الهادي عليه السلام: «وتراجمةً لوحيه» (كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 611 ح 3213).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد