مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

عليّ (ع) وجرح ليلة القدر

السّرّ، مع علمه عليه السّلام بوقوع الضّربة

 

يدخل أمير المؤمنين المسجد ويؤذِّن، ثم يأتي فيجد ابن ملجم نائمًا؛ ولـمّا كان النائم لا يستطيع تنفيذ المهمّة المطلوبة منه؛ لذا فهو يقوم بإيقاظه.. إنَّه يوقظ قاتله! فيوقظه ويقول له: انهض، فها قد حلّ وقت الصلاة، ولا تنم على بطنك، فهذا هو نوم الشياطين، بل نم على ظهرك، فذلك هو نوم الأنبياء، أو نم على يمينك، فهو نوم المؤمنين، أو نم على يسارك، فهو نوم الحكماء؛ فهو يقوم بإيقاظ قاتله لكي يضربه! تلك هي الأمور التي يجب علينا التدقيق بشأنها، وإلاّ فالإنسان قد يموت أو قد يستشهد، وموته قد يكون نتيجة لسكتة قلبية أو حادث سير أو يسقط حجر على رأسه فيقتله؛ فالإنسان سيغادر الدنيا بطريقة أو بأخرى.

 

أمّا أنَّ أمير المؤمنين قد اختار الشهادة بنفسه، فهذا يعني بأنَّ أمير المؤمنين يقول: أنا لا شيء، بل أنا مثل الماء الذي في كفّ اليد؛ فإن شئت يا إلهي سكبه في هذا الطرف، فاسكبه، وإن شئت سكبه في ذلك الطرف، فاسكبه.. نعم، كالماء السائل الذي لا اختيار له. فإن قلتَ: لقد اخترت لك أن تُضرب على رأسك بالسيف، فسوف أسعى لتحقيق ذلك بنفسي، وسأُوقظ قاتلي بنفسي. ولقد أيقظه بالفعل، فقال له: قم، فقد حان وقت الصلاة؛ لماذا يفعل ذلك؟ لأنَّه يعلم ما في الأمر.

 

ولو كنَّا مكانه، لكان لزامًا علينا أن نتصرّف نفس تصرّفه؛ أفلا يكون طريق أمير المؤمنين هو نفس طريقنا؟ على أنَّه ليس من الضروري أن نموت بضربة سيف، بل بأيّة طريقة أخرى، غير أنَّه علينا أن نعلم بأنَّ من يختار هذا المسير، فلا يجب عليه أن يتوقّع أنَّ هذا طريق يتمّ فيه توزيع الحلوى؛ أفلم نقرأ في الزيارة: السلام عليك يا ميزان الأعمال؟ أي إنَّ الأعمال يجب أن تكون متوافقة مع عملك؛ أي يجب أن تكون الحرب والصلح على طريقتك، ويجب التعامل مع مجريات الأحداث والوقائع الاجتماعية على نفس نهجك.

 

فأمير المؤمنين لم يبايع الظالمين، وعندما يجبرونه على البيعة بوضع يده في أيديهم عنوة، يذهب بعدها ليشترك معهم في صلاة الجماعة حفاظًا على المسلمين؛ لأيّ شيء؟ لأجل الحفاظ على الناس، وعلى ذلك العدد المحدود من الأفراد؛ فلو لم يشترك في صلاتهم، فسوف يكون ذلك عاملاً على إثارتهم؛ فيبدأ التساؤل فيما بينهم: ولماذا لم يحضر عليّ إلى الصلاة؟ ألسنا من المصلّين، وهل نفعل شيئًا آخر بحضورنا إلى المسجد غير أداء الصلاة؟ وها نحن نقف في محراب النبيّ لإقامة هذه الصلاة، وها هم الناس يحضرون للصلاة، فلِمَ لا يحضر عليّ مع الناس؟ فتُثار نفوسهم، ويعملون على إيذاء [أصحابه].

 

فبناءً على مصلحة الإسلام، يحضر عليّ للصلاة معهم، [ولسان حاله يقول]: ها قد غصبتم الخلافة، وقتلتم زوجتي، وعملتم على إسقاط ابني الجنين من بطن أمّه، وعملتم ما عملتم، ومع كلّ هذا فأنا أحضر المسجد للاشتراك معكم في صلاة الجماعة لكي تسعدوا بذلك.. علينا أن نتعلّم ذلك!

 

فالسرّ الكامن في أمير المؤمنين هو أنَّه لم يكن يرى نفسه؛ وعندما يعود الإنسان لا يرى نفسه، هل سيخاف ويقلق على حياته وعافيته؟ لا، بل إنّ جميع أموره سيقوم بتنظيمها وفقًا للتكليف؛ فإن أخطأ الإنسان في التشخيص، فلا ضير ولا ضرر في ذلك؛ فنحن لا نشبه أمير المؤمنين، ونحن لسنا بمعصومين، والله يتقبّل منّا ذلك؛ فلا ضير في أن يخطأ المرء في تصرّفاته، ولكن بشرط ألاّ يكون ذلك عن عمدٍ؛ فإن أخطأت، فسيقبل الله منك ذلك، بل ويُثيبك عليه، بشرط أن تكون مخلصًا في عملك، فلا يضرّك الخطأ والحال هذه، بل ستُجازى على هذا الخطأ، وسيكون عاملاً على رقيّك وتكاملك.. فما الذي تريده أكثر من هذا؟!   

 

معنى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ميزان الأعمال

 

وهذا هو بحر رحمتي الواسع؛ فإن عملت بشكل صحيح، فسأرفعك به، وإن أخطأت، فسأرفعك كذلك، ولكن بشرط ألاّ تكون معاندًا، وألاّ تغمض عينيك عن الحقيقة، وألاّ تدسّ رأسك في الرمل لكي لا ترى واقع الحال؛ فعندما تريد طيّ هذا الطريق، فاخلع عنك جميع تلك الحجب، وأخلص النيّة فيما بينك وبين الله، فكيف ستتصرّف عندما لا يكون بينك وبين الله ثالث؟ فإن أخطأت في مثل هذا الحال، فلا بأس عليك، وسأقبل منك ذلك بكرمي.

 

فهذا هو معنى ميزان الأعمال؛ فإن عمل المرء بهذا الشكل، فسيكون جليسي في الجنّة.. هذا هو كلامه عليه السلام؛ فهو يقول: هكذا رجل سيكون جليسي ومخاطبي، وهو معي في غرفتي وفي نفس درجتي؛ علمًا بأنَّهم إن وعدوا، فهم يفون بوعدهم؛ فهم ليسوا مثلنا. فلقد جاء أمير المؤمنين ليدفع العالم للسير في هذا الطريق.

 

لقد قال أمير المؤمنين في مثل هذه الليلة: فُزتُ. فما معنى فزت؟ إنَّ معناها هو: إنَّني أنجزت ما كُتب لي في صحيفتي خطوة بخطوة ودرجة بدرجةً، حتّى وصل بي الأمر إلى هذه الليلة، حيث خُتم الأمر. فهذا هو معنى فُزتُ، أي أوصلت متاعي إلى المقصد الذي كنت أبتغيه، وقمت بأداء تكليفي المفروض عليّ، ولم تستطع المصالح الدنيويّة وطلب العافية خداعي، ولم تتمكّن نصائح الخنّاسين من حرف مساري، وانصرافي عن طريقي المستقيم وها أنا أغادر الدنيا وأنا سعيد ومرتاح البال.

 

سبب تغّير حال أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة ضربته

 

لقد كان لأمير المؤمنين حالات عجيبة في مثل هذه الأيّام الأخيرة، وكان حاله يتغيّر كثيرًا. ولقد سألت المرحوم العلاّمة (والد السيد) عن سرّ هذا التغيّر في حال أمير المؤمنين؛ فما دام المرء يسير في مسار معلوم، فما معنى تغيّر الحال إذًا؟ ولقد كنت أشاهد بنفسي تصرّفات المرحوم العلاّمة، وكيف أنَّه كان ينتظر الموت في أيّام مرضه الأخيرة، وكان يقول: لماذا يتأخّر هذا الأمر؟ فقال لي المرحوم العلاّمة: لأنَّ أمير المؤمنين صاحب ولاية، ومغادرته للدنيا تختلف عن مغادرتنا إيّاها، حيث ستعمل مغادرته على زلزلة كلّ العالم؛ فالإمام في حال وداع مع جميع عالم الوجود، والأمر يختلف عنَّا، حيث لا ارتباط لنا بشيء. فهذا التحوّل الذي سيحصل في العالم، وانتقال الولاية، هو الذي يجعل حال أمير المؤمنين يتبدّل هكذا؛ أيّ إنَّ التغيير يحصل الآن في ذلك الارتباط الموجود بين نفسه الشريفة، وبين كلّ الموجودات، وبين الله.

 

ففي مثل هذه الليلة ـ والتي هي ليلة التاسع عشر ـ التي قضاها أمير المؤمنين لدى أمّ كلثوم، كان حاله يتغيّر كثيرًا؛ وعندما كانت تسأله: لماذا حالك هذه الليلة مختلفٌ عن غيرها من الليالي؟ كان يجيبها: لقد اقترب الوعد الإلهي. فحال أمير المؤمنين في ارتباطه مع جميع العالم في حال تغيّر، وهو لم ينم في تلك الليلة، حتّى إذا ما اقترب موعد صلاة الصبح، خرج إلى المسجد وبدأ بصلاة النافلة. ولقد حصلت حادثة جرح أمير المؤمنين بعد الفجر لا قبله، حيث أذّن لصلاة الصبح بعد أدائه النافلة، ثمّ دخل المسجد لأداء نافلة الصبح ـ وليس نافلة الليل ـ ، فحصلت الحادثة عند أدائه لنافلة الصبح.

 

فكان أمير المؤمنين قد أذّن أذان الصبح، وبعد دخوله المسجد ووصوله عند بن ملجم أيقظه قائلاً له: انهض، لقد هممت بشيء تكاد السماوات أن يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدًّا؛ فأتمّ الركعة الأولى من نافلة الصبح، ونزل سيف بن ملجم على رأسه في الركعة الثانية؛ فاضطربت السماوات والأرض، وهبّت رياح شديدة؛ وهذا نتيجة للارتباط والتأثير الملكوتي لنفسه الشريفة على عالم الملك؛ ونادى جبرئيل بين السماء والأرض:

 

تَهَدَّمَتْ واللهِ أرْكَانُ الْهُدَى، وانْطَمَسَتْ واللهِ أعْلَامُ التُّقَى، وانْفَصَمَتْ واللهِ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى؛ قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ المُصْطَفى، قُتِلَ الْوَصِي الْمُجْتَبَى، قُتِلَ عَلِيُّ الْمُرْتَضَى، قُتِلَ واللهِ سَيِّدُ الأوْصِيَاءِ، قَتَلَهُ أشْقَي الأشْقِيَاء.. [1]

 

يُقال بأنَّ هذا النداء قد وصل إلى كلّ مكان في الكوفة، وعلم الناس بما حصل، فهرعوا باتّجاه المسجد، فوجدوا أمير المؤمنين على الأرض، وهو يضع التراب على رأسه ويقول: {مِنْها خَلَقْناكُمْ وفيها نُعيدُكُمْ ومِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى}[2].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ـ معرفة المعاد، ج 3، ص 198.

[2] ـ سورة طه (20)، الآية 55.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد