كان الأعاظم يغتنمون شهر رمضان كلّ اغتنام، لم يكونوا ينامون في ليالي شهر رمضان أصلاً، أو كانوا يجعلون نومهم قليلاً جداً، مثلاً: كانوا ينامون ساعة أو نصف ساعة ثمّ يستيقظون وعندها إمّا يقرؤون القرآن أو يصلّون أو حتّى يقرؤون ويطالعون أيضاً، أو يقرؤون الشعر.. نعم الشعر.. يفتحون ديوان حافظ فيقرؤون شعر «حافظ» أو شعر «مولانا»، فباعتقادكم متى وقت هذه الأشعار والمسائل؟ إنّها لهذه الليالي.. لهذه الليالي.. في هذه الليالي خذوا ديوان «مولانا» وافتحوه واقرؤوا فيه، وانظروا هل تغيّر فهمكم عن السابق أم لم يتغيّر؟ ستجدون أنّه تغيّر! وكأنّنا صرنا نفهم.
افتحوا ديوان حافظ، وافتحوا ديوان الفيض [الكاشاني].. افتحوا دواوين الأعاظم وسائر العرفاء الإلهيّين، وراقبوا أفعال هؤلاء وأقوالهم، وما الطريق الذي بيّنوه؟
إقرؤوا القصص المتعلّقة بالأولياء الإلهيّين.. إقرؤوا قصص هؤلاء وتاريخهم، اقرؤوا النقاط التي نُقلت عنهم في كتب التراجم، وفي كتب السيرة وأمثال ذلك، وهذه المسائل ينبغي ـ في الواقع ـ أن تُقرأ وتُفهم في هذه الليالي، وينبغي العمل طبقاً لها، فهل تتصوّرون أنّ العبادة هي الصلاة وحسب؟ أم انّها الصلاة وقراءة الدعاء فحسب؟ هذا فقط!! وهل تظنّون أنّنا كلّما صلّينا أكثر وكلّما قرأنا الدعاء أكثر نستفيد أكثر؟! لا المسألة ليست كذلك، الدعاء والصلاة ينبغي أن يكونا نابعين من الرغبة والنشاط والانبساط.
لو قرأنا صفحتين أو صفحة واحدة من دعاء أبي حمزة الثمالي مع الالتفات إلى معاني ما قرأناه.. إلى معنى الدعاء..حينئذٍ سنرى: هل يمكن لنا أن نرفع رؤوسنا أمام الناس غداً أم ينبغي أن نحني رأسنا إلى الأسفل خجلاً على الدوام؟ ذلك سيحصل لو قرأنا صفحة واحدة من دعاء أبي حمزة الثمالي مع الفهم والدراية لا بشكل عابر كيفما اتّفق فنقرأه من أوّله إلى آخره! بل نلتفت إلى كلّ أوجاعنا وأمراضنا التي وضع الإمام إصبعه عليها واحدة تلو الأخرى في هذه الفقرات!! لقد وضّح أمراضنا مرضاً بعد آخر، ثمّ بيّن العلاج أيضاً، وبيّن الدواء، فهو جاء وبيّن نقاط ضعفنا على الملأ. حينئذٍ ينبغي أن ننظر هل يمكن لنا أن ننظر في وجه صديقنا الذي تكلّمنا عليه؟ هل سنقدر أن نفعل ذلك مع كلّ ما لدينا من خجل؟! هل باستطاعتنا ذلك؟!
لمن ذكر الإمام السجّاد هذه المسائل؟ ذكرها لنا نحن، فهل نسمعها ونذهب بلا اعتناء؟! فهذه طريقة من الطرق، ولا تظنّوا أنّ الأمر مختصٌّ بزماننا نحن، بل حتّى في زمن الإمام السجّاد عليه السلام لم يكن الناس ملتفتين إلى هذه المسائل، فكم هم الأفراد الذين كانوا مع الإمام السجّاد؟ كان هناك: أبو خالد الكابلي، وعدّة قليلة من الأفراد، ونفس أبو حمزة الثمالي، وعدّة قليلة من الأفراد الذين كانوا من حواريّي الإمام، أمّا البقيّة فكانوا يأتون ويقول: يا ابن رسول اللـه.. يا ابن رسول اللـه.. وكانوا يبكون عنده، لكن لم يكونوا من أهل هذا الطريق، فقط لديهم "يا ابن رسول اللـه" و"يا ابن أمير المؤمنين"، وفي بعض الأحيان كانوا يفكّرون: أنّه لم لا نذهب لنرى الإمام ونجلس معه فليس لدينا مكان نذهب إليه!! وليس لدينا من نتحدّث معه، نعم لم لا نذهب ونجلس مع الإمام السجّاد عليه السلام ونُمضي معه بعض الوقت! وهكذا يمضي الوقت.. اليوم وغداً وبعد الغد ثمّ يمرّ أسبوع بعد الأسبوع، ثمّ ماذا؟ لا شيء، ما زال كما هو لا فهم له ولا دراية. لا فرق بينه وبين الحمار، ذلك الحمار الذي يأكل الورق..
ولكن يوجد طريقة أخرى، وذلك بأن نفتح كتاب مفاتيح الجنان ونقرأ سطرين.. سطرين لا أكثر! ونرى الحقوق التي بيّنها الإمام السجّاد (عليه السلام): الأمور التي يجب على الابن مراعاتها تجاه والده، والأدب والاحترام الذي يجب على الابن أن يعامل به أباه. إن قرأنا ذلك فهل سنتعامل بهذا الشكل؟ هل سنتكلّم مع أبينا بهذا الشكل؟ هل سنتكلّم مع أمّنا بهذه الطريقة؟ هل سنعامل صديقنا بهذا الأسلوب؟ ما فائدة صيام الابن إن كان أبوه غير راضٍ عنه؟ سيُضرب بهذا الصيام على رأسه! إن كانت الأمُّ غير راضية عن ابنها فما فائدة صومه؟! سيُضرب بهذا الصوم على مُخّه! ينبغي أن يُضرب بدعاء أبي حمزة هذا على رأسه! (بالطبع، نحن نتحدّث عن عدم الرضا الشرعي والمنطقي وليس عن عدم الرضا الناشئ من الجهل والعناد وهذه الأشياء، لا).
عندما يأتي ذلك الصديق الذي آذى صديقه الآخر بسبب كلامه الجارح وجعله يتألم منه، ويريد أن يصوم. عندها ينبغي أن يُضرب ذلك الصوم على ظهره. إذ ما فائدة ذلك الصوم؟! أنت تريد أن تتكلّم بكلّ ما يخطر على بالك عن صديقك، وأن تستخدم التعبير الذي تريد، وأن تتفوه بأيّ كلام تحبّ، ثم تأتي وتقرأ دعاء أبي حمزة؟! ينبغي أن يُضرب على رأسك بدعاء أبي حمزة هذا! لأنّه لا فائدة منه، ولا نتيجة ترتجى منه.
إنّ إقامة المجالس لا تداوي أمراضنا! هذه المجالس التي تُقام في ليالي شهر رمضان هنا إنّما تُقام لأجل أن نطبق أنفسنا مع مرام الإمام عليه السلام. وأمّا إن كان الأمر غير ذلك، كأن يكون مجرّد مجيءٍ وذهابٍ فلا نتيجة في ذلك، ولا فائدة فيه. بل يصبح ظاهراً لا غير، ولا شيء إلاّ التظاهر. وهذه الحالات كانت تحصل سابقاً، وكانت موجودة.
لذا ينبغي علينا أن ننتبه ونحسب الأمور بشكل دقيق من دون تسرُّع! يجب أن ندقّق ونرى ماذا يجب علينا فعله؟ إنّ الله تعالى أوجد لنا هذه الخصوصيّة في شهر رمضان، ففي شهر رمضان نستطيع أن نطابق أنفسنا مع الحقائق بشكل أسهل.
من مميّزات شهر رمضان الخاصّة: حالة تقبّل النفس للحق وخضوعها له بشكل أكبر، في شهر رمضان تصبح حالة تقبّل النفس وخضوعها وتواضعها للحقائق أكبر، فالإنسان يتقبّل بسهولة أكثر، ويتحرّك بسهولة أكبر، هذه هي خصوصيّة هذا الشهر.. بل هو من هذه الناحية أكثر من رجب وشعبان أيضاً، فتلك الشهور لديها أشياء غير هذه المسألة، هذه المسألة مختصّة بشهر رمضان فقط.
يعني: بإمكاني ـ تقريباً ـ أن أقول إنّ شهر رمضان له نحو تشابه من هذه الناحية مع مجالس ذكر سيّد الشهداء ومجالس التوسّل بسيّد الشهداء، فمن هذه الجنبة له نحو تشابه مع ذلك الحال وتلك الأجواء حيث يكون لنفس الإنسان وقلبه استعداد أعلى وألطف لتقبّل الحقّ، وتقبّل ما يخالف النفس ولذّات النفس، فهو كالشمع الذي تسخّنه فيستطيع الإنسان أن يشكّله بأيّ شكل أراد حتّى يجف مرّة أخرى و يتيبّس فلا يعود بالإمكان تغيير شكله، هذا الأثر هو لهذا الشهر.
بالنسبة لليالي شهر رمضان، ينبغي علينا أن نعلم كم هي قيّمة!! فالعديد من الأعاظم كانوا يخرجون من بداية شهر رمضان ولم يكن أحد يعلم أين هم، وكأنهم يقولون: نحن معكم طوال أحد عشر شهراً وهذا المقدار يكفيكم، فاعتبروا أنّ هذا الشهر هو عطلة لنا نذهب فيها، فأصلاً كانوا يذهبون فلا يعلم أحد عنهم أيّ خبر، فهؤلاء كانوا من هذا النوع.
والعديد من البيتوتات التي كان يبيتها النبيّ صلى الله عليه وآله في غار حراء كانت في شهر رمضان، وذلك فضلاً عن سائر الأيام.. أغلبها كانت في شهر رمضان. حسناً، لماذا كانوا يفعلون ذلك؟ كانوا يفعلون ذلك لأنّهم كانوا يفهمون أمراً ما، ولم يكن ذلك عبثاً... !!
نعم، بعضهم ـ كالمرحوم القاضي مثلاً ـ كان يذهب في العشر الأواخر من شهر رمضان دون أن يعرف أحدٌ عنه شيئاً، وبعض الأولياء لم يكن يفعل ذلك، فحسبَ ما رأينا منهم أنّهم لم يكونوا يذهبون ويختفون عن أعين الناس في شهر رمضان، ولكنّهم كانوا يقضون هذا الشهر بالإحياء والبقاء مستيقظين في لياليه، وبالاجتماع مع بعضهم البعض.. كلّ مجموعة مع بعضهم، وذلك إذا كانت الظروف المحيطة مساعدة على ذلك ولم توجد مشاكل أو موانع، ففي هذه الحالة كانوا يأتون ويجتمعون.. وعددهم لم يكن ليزيد عن خمسة أو ستّة أشخاص، وهذا ما ينبغي أن يكون إذ لا ينبغي أن يتجاوز عدد الحاضرين ذلك، لأنّه لو زاد العدد فسيؤدي إلى تشتّت الذهن، وذلك أنّ أذهاننا تتشتّت بسرعة فهي كالحصان الجامح، ولذا ينبغي أن نضع لها حدّاً ولجاماً بشكل دائم حتّى يمنعها من التشتّت، ولو زاد عدد الحاضرين عن ذلك قليلاً فإنّ الذهن سيتجّه نحو الكثرة، ويفسح مجالاً للكثرة لتدخل في الوسط ممّا يؤدّي إلى التعلّق بالكثرات.
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسين الخشن
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
التعددية الدينية
زيادة الذاكرة
الضمائر في سورة الشمس
متى وكيف تستخدم الميلاتونين المنوم ليساعدك على النوم؟
تراتيل الفجر، تزفّ حافظَينِ للقرآن الكريم
في رحاب العيد
لنبدأ انطلاقة جديدة مع الله
المنطقة تحتفل بعيد الفطر، صلاة ودعاء وأضواء وتواصل
من أعمال وداع شهر رمضان المبارك
العيد الامتحان الصعب للحمية