مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عادل العلوي
عن الكاتب :
السيد عادل العلوي، عالم فاضل وخطيب وشاعر، ولد في السادس من شهر رمضان 1375ﻫ في الكاظمية المقدّسة بالعراق. درس أوّلاً في مسقط رأسه، قبل أن يسافر مع أفراد عائلته إلى قمّ المقدّسة عام 1391ﻫـ ويستقرّ فيها مكبًّا على الدّرس والتّدريس والتأليف، له كثير من المؤلّفات منها: دروس اليقين في معرفة أصول الدين، التقية بين الأعلام، التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة، تربية الأُسرة على ضوء القرآن والعترة، عقائد المؤمنين، وغير ذلك. تُوفّي في السابع والعشرين من ذي الحجّة 1442ﻫ في قمّ المقدّسة، ودفن في صحن حرم السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

ما هو سرّ الخليقة وفلسفة الحياة (3)

المعرفة الحقة:

 

والمعرفة لا تكون نصيب النفوس المنافقة والمريضة الرجسة والمتلوّثة بالذنوب والمعاصي والصفات الرذيلة، بل لابد من قلب زكي نقي طاهر لا فساد فيه ولا مرض، ولا يكون ذلك إلاّ بالعبادة والخضوع لله سبحانه والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، فبرحمة الله خلق الإنسان، ولإيصال رحمة الله ـ الرحمانية والرحيميّة ـ كلّف العباد من غير حاجة منه سبحانه في خلقهم ولا في تكليفهم ولا ليربح عليهم، وما أرسل الرسل وبعث الأنبياء وأنزل الكتب، إلاّ لتعميق وترسخ هذه المعرفة، وتركيز الحب الإلهي والعشق الربّاني الصمداني في النفوس الطاهرة والأرواح الزكيّة 

 

(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ) النحل / 36. فلا بد في إيمان العبد ومعرفته من إثبات (أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ) ورفض (وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ) فعلى الإنسان أن يبذل كل ما في وسعه في تحصيل معرفة الله، ويبلغ الغاية التي خلق لأجلها.

 

وبالمعرفة يصل الإنسان الكامل إلى قاب قوسين أو أدنى، إلى جنة عرضها السماوات والأرض (وَسَارِعُوا إِلَى‏ مَغْفِرَةٍ مِن رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّماوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ) آل عمران / 133.

 

رأس التقوى المعرفة والعلم:

 

أجل: العلم والعبادة جوهران، لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما بينهما، ولأجلهما أُنزلت الكتب من السماء وأُرسلت الرسل، فهما كل شيء.

 

وحقيق علينا وعلى كل إنسان فهم الحياة وكشف سرّ الخلقة، أن لا يشتغل إلاّ بهما ولا ينظر إلاّ فيهما فما سواهما لغو لا حاصل له.. ولمثل هذا يقول الإمام السجاد (عليه السلام): (لو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بسفك الـمُهج وخوض اللُّجج) هذا في مقدار وكيفية السعي، وأمّا في الزمان فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (اطلب العلم من المهد إلى اللحد) أي طيلة الحياة، وأمّا في المكان فقد قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (اطلبوا العلم ولو في الصين) كناية عن البعد المكاني.

 

وأشرف الجوهرين: العلم، فقد جاء في (الكافي ج1 ص33) عن مولانا الباقر (عليه السلام): (عالم ينتفع بعلمه ـ هو ينتفع بعلمه كما أن الناس ينتفعون من علمه ـ أفضل من سبعين ألف عابد).

 

فلابد للعلم من عمل وعبادة، وهذا معنى العلم النافع والانتفاع به، وإلاّ كان العلم هو الحجاب الأكبر، ولم يزد صاحبه من الله إلاّ بُعداً ـ كما ورد في الخبر ـ فالعلم بلا عمل كليلة بلا قمر ـ كناية عن الظلام والظلمة ـ وإن العلم بمنزلة الشجرة اليانعة، والعمل والعبادة بمنزلة ثمرة من ثمراتها، فالشرف للشجرة، إذ هي الأصل، لكن الانتفاع بثمرتها، فلابد أن يكون لنا من كلا الأمرين حظ ونصيب ـ فمن أخذ أخذ بحظ وافر ـ وإن العلم علم الدين والباقي فضل إنما العلم ثلاث: آية محكمة ـ علم العقائد ـ وفريضة عادلة ـ علم الفقه ـ وسُنّة قائمة ـ علم الكلام ـ وما سواهن فهو فضل، فعلم الدين فريضة على كل مسلم ومسلمة، وبالعلم يكون الإيمان، والعبادة الصحيحة تورث في القلب صفاءً يجعله مستعدّاً لحصول نور فيه، وليس العلم بكثرة التعلم، إنما العلم نور يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه، ومن علم وعمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، ومن تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله دُعي في السماوات عظيماً.

 

إن تحصيل العلم مقدّم على العبادة، وإن من لم يعرف المعبود ولا صيغة العبادة ولا آثارها أنّى تأتي له العبادة؟ وكيف يكون عمله صائباً؟ فثمر العلم الطاعة والعبادة، وإن العلم أمام العمل والعمل تابعه.

 

والعبادة على قسمين:

 

1 ـ العبادة الظاهرة التي هي من تقوى الجوارح والأبدان، كفعل الطاعات الظاهرة، كالصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك من العبادات والمعاملات، وترك المعاصي الواضحة كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك مما يوجب دخول النار، ويسمّى العلم بالمتعلق بذلك: علم الشريعة وعلم الفقه.

 

2 ـ العبادة الباطنة التي هي من تقوى القلوب والأرواح، وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فإن القلب سلطان البدن، والناس على دين ملوكهم، فتقوى القلب وإصلاح السريرة والسيرة أبلغ في الوصول من العمل بالجوارح، كالتخلّق بالصفات الحميدة من الإخلاص والتوكّل على الله والصبر والشكر وغير ذلك، والتجنّب عن الملكات الرذيلة كالحسد والكبر والعجب والرياء وقول الزور والظلم، وسمّي العلم المتعلق بذلك: علم السرِّ وعلم الأخلاق.

 

وكلتا العبادتَين فريضة على كل مسلم ومسلمة، لورود الأمر بهما جميعاً في الكتاب والسّنة كقوله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) الأنعام / 151. والتكليف بكلتيهما إنما هو بقدر الوسع والطاقة (لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَهَا) آل عمران / 282. والقلوب أوعية ولكن خيرها أوعاها، فلكل منها درجات في الكمال والنقص وزيادة القرب من الحق بحسب اختلاف الناس ودرجاتهم في تحمّلها والعلم بها، وإن الطرق لله بعدد أنفاس الخلائق.

 

ولكن الناس في العبادة على أقسام ثلاثة ـ كما ورد في الخبر ـ  منهم من يعبد الله خوفاً من ناره وعذابه، وهذا مثل عمل وعبادة العبيد، ومنهم من يعبد الله طمعاً في جنّته وثوابه، وهذا مثل فعل التجار، فعملهم إنما هو للرّبح، الأكثر فالأكثر، ومن الناس ـ وهم أولياء الله المقرّبون والخُلّص من عباده ـ من يعبدونه شوقاً وحباً وشكراً على نعمائه وآلائه، ووجدوا الله أهلاً للعبادة.

 

النتيجة:

 

فغاية الخلق وسر الحياة: العلم والعبادة المتبلورة بالرحمة الإلهّية، والجن والإنس كلّفوا بكسب العلم والعبادة، وعلى كل فرد أن يكون عارفاً بالله عابداً (إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ) الحمد / 3.

 

وأما الامتحان والابتلاء والبلاء الإلهي والفتن والحوادث الكونية، إنّما هي ليعلم الناس أيّهم أحسن عملاً، ومن ثمَّ أحسن عقلاً ومعرفة، إذ حسن العمل والعبادة بعد حسن المعرفة والعلم بعلم الله وقدرته ونتيجة ذلك تكامل الإنسان وبلوغ القمة والوصول إلى الله سبحانه.

 

وما أروع ما يقوله صدر المتألهين الشيرازي: (فلا غاية له ـ أي الله سبحانه ـ في فعل الوجود إلاّ أفاضة الخير والجود، بل ليس لجوده غاية سوى وجوده، إذ هو غاية الغايات ونهاية النهايات، إليه ينتهي كل موجود، وبه يقضى كل حاجة ومقصود، إنما الغاية في فعله لما سواه من ذوي الفقر والحاجة وأولي المسكنة والفاقة، هو إيصال كل واحد إلى كماله، وإرواء كل وارد من مشرب جماله، إذ لم يخلق هذا الجسماني الفسيح والفلك الدوّار المسيح، إلاّ لأمر عظيم خطير، أعظم من هذا المحسوس الحقير).

 

فالغاية والمقصود من المخلوقات (هو إيصال كل واحد إلى كماله). وقد ورد عن الإمامين الصادقين (عليهما السلام): (الكمال كل الكمال: التفّقه في الدين والصبر على النائبة والتقدير في المعيشة) وهذا يعني أن كمال الإنسان في كل أبعاده، العلمي والعملي، الفردي والاجتماعي، المادي والمعنوي، إنما هو في درجات ثلاث.

 

1 ـ الحركة العلمية (التفقه في الدين) فإن الفقه بمعنى الفهم، وهو يرادف العلم أو يلازمه.

 

2 ـ الحركة الخُلُقية (الصبر على النائبة) فإن أساس الأخلاقيات هو الصبر، والفرد الشاخص له هو الصبر على النائبة.

 

3 ـ الحركة الاقتصادية (التقدير في المعيشة) فيكون عيشه بقدر معلوم من دون إفراط وتفريط، يراعي الجانب الاقتصادي في حياته.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد