فجر الجمعة

الشيخ عبد الجليل الزاكي: كيف نستعد لاستقبال شهر رمضان؟

الشيخ عبد الجليل الزاكي 

مسجد عيد الغدير بسيهات

Feb 28, 2025 - 29 شعبان 1446 هـ

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين، حبيب قلوب المؤمنين الصادقين، المسمى في السماء بأحمد، وفي الأرض بأبي القاسم المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله).

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين. ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي.

 

اللهم أكرمنا بنور العلم، وأخرجنا من ظلمات الجهل، وافتح قلوبنا للمعرفة، واجعل تعلُّمنا خالصًا لوجهك الكريم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًّا وحافظًا، وقائدًا وناصرًا، ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتِّعه فيها طويلًا، وهب لنا، ومنَّ علينا برضاه، وحُسن رأفته ورحمته ودعائه وخيره، ما ننال به سعةً من رحمتك، وفوزًا عندك يا كريم، يا أرحم الراحمين. وصلِّ اللهم على محمد وآله الطاهرين.

 

آخر جمعة من شعبان.. استعدادٌ لشهر الضيافة الإلهية

 

نحن اليوم في آخر جمعة من شهر شعبان، نستعد فيها لاستقبال شهر رمضان، شهر الضيافة الإلهية، شهر الرحمة والمغفرة، شهر التوبة والإنابة، شهر القرآن والصيام، شهر الرجوع إلى المبادئ والقيم الإلهية. هذا الشهر المبارك هو موسم عظيمٌ، ضاعف الله فيه الأجر والثواب. حتى أن قراءة آية واحدة من القرآن الكريم في شهر رمضان تعادل ختمةً كاملةً في غيره من الشهور! إنه شهرٌ مميزٌ ببركته، وفرصةٌ عظيمةٌ للرقي الروحي والمعنوي.

 

الاستعداد لرمضان.. ضيافة الله الكبرى

 

لابد أن نستعد لدخول هذه الضيافة الإلهية، ونتهيأ للاستفادة من مائدة القرآن الكريم. فالقرآن هو مأدبة الله، وهو الدستور السماوي الذي يحمل مبادئ العقيدة، والفكر، والقيم الأخلاقية، وهو طريق الوصول إلى الله. لذلك، علينا أن نتعلم كيف نكون ضيوفًا مستحقين لهذه الضيافة، وكيف نستفيد منها كما ينبغي.

 

خطبة النبي في استقبال شهر رمضان

 

جاءت خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) في آخر جمعة من شعبان كدستورٍ شاملٍ يوضح كيفية التعامل مع هذا الشهر العظيم، حيث تضمنت أكثر من خمسة وثلاثين مقطعًا، تناولت مختلف الجوانب الروحية والاجتماعية.

 

من أبرز ما ورد في هذه الخطبة المباركة قوله (صلى الله عليه وآله):

 

"أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله، بالبركة والرحمة والمغفرة، شهرٌ هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات".

 

ثم يوضح لنا النبي (صلى الله عليه وآله) فضل هذا الشهر العظيم قائلًا: "شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله".

 

انظروا إلى هذا التعبير النبوي الرائع، "وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله"، أي أننا في هذا الشهر نرتقي إلى مقام الكرامة الإلهية، ولكن هل نحن مستعدون لذلك؟

 

كيف نستعد لاستقبال شهر الله؟

 

أولًا: التهيئة الروحية والتوبة الصادقة

 

قبل دخول رمضان، علينا أن نتهيأ روحيًّا، ونتوب إلى الله بصدق، ونطهّر قلوبنا من الحقد، والضغينة، والذنوب، ونطلب المغفرة من الله ليقبلنا في ضيافته ونحن مخلصون له.

 

ثانيًا: الاستغفار والدعاء وقراءة القرآن

 

فلنُكثر من الاستغفار، ونلهج بالدعاء، ولنجعل للقرآن الكريم وقتًا في يومنا، فقراءته في هذا الشهر لها أجرٌ عظيمٌ ومضاعفٌ.

 

ثالثًا: التصدّق والتراحم وصلة الأرحام

 

يحثنا النبي (صلى الله عليه وآله) على الجوانب الاجتماعية قائلًا: "أكرموا أيتامكم، وتحنّنوا على المساكين، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم".

 

وصية الإمام الرضا (عليه السلام) في آخر جمعة من شعبان

 

عن أبي الصلت الهروي قال: دخلت على الإمام الرضا (عليه السلام) في آخر جمعة من شعبان، فقال لي: "يا أبا الصلت، إن شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعةٍ منه، فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى. وعليك بالإقبال على ما ينفعك، وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتُب إلى الله من ذنوبك، ليُقبل شهر رمضان إليك وأنت مخلصٌ لله عز وجل. ولا تدعَنَّ أمانةً في عنقك إلا أديتها، ولا حقدًا على مؤمنٍ إلا نزعته. وأكثر من قول: اللهم إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان، فاغفر لنا فيما بقي منه، فإن الله تعالى يعتق في هذا الشهر رقابًا من النار".

 

التوبة الصادقة:

 

الإمام الرضا (عليه السلام) يشير إلى أن أول خطوة لاستقبال رمضان هي التوبة والإخلاص لله. فالاستعداد الحقيقي لهذا الشهر ليس فقط في تجهيز الموائد، بل في تنظيف القلب من الذنوب والمعاصي.

 

أداء الحقوق ورد الأمانات:

 

الإمام يوصي بأداء حقوق الآخرين، فلا يمكن أن ننال رحمة الله ونحن نظلم غيرنا، أو نحمل في قلوبنا ضغينةً ضد مؤمن.

 

الإكثار من الدعاء والاستغفار:

 

لأن هذه الأيام الأخيرة من شعبان هي الفرصة الأخيرة قبل رمضان، فلنتدارك تقصيرنا بالإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار.

 

ختامًا.. لنستعد لرمضان بقلوب نقية

 

رمضان ليس شهر الطعام والمسلسلات، إنه فرصةٌ عظيمةٌ للاقتراب من الله، وتهذيب النفس، ومضاعفة الحسنات. فلنجعله شهرًا لتغيير أنفسنا نحو الأفضل، ولنسأل الله أن يجعلنا من أهل كرامته، وأن يعتق رقابنا من النار.

 

اللهم بلِّغنا شهر رمضان، وأعنّا على صيامه وقيامه، واجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار. اللهم اجعلنا من أهل كرامتك، الذين رضيت عنهم، ولا تجعلنا من المحرومين من رحمتك ومغفرتك.

 

اللهم عجل لوليك الفرج، وانصر المؤمنين، وأعز الإسلام وأهله، واحفظنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولوالدينا، ولكل المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد