لبناء حضارة جديدة لا بد أن يندفع أفراد الشعب نحو هذا الهدف العظيم. مثال هذه الحضارة الكبرى يجب أن يكون متصوَّرًا كبديل أفضل وأعلى. تصوير هذا المثال الأعلى في الأذهان العامة هو أهم عمل يجب أن يتولّاه القادة والرواد. جزءٌ مهم من هذه العملية الإقناعية يعتمد على المقارنة الدقيقة مع الحضارات السائدة والمهيمنة من أجل اكتشاف الميزات الأساسية للحضارة المنشودة.
في كل حضارة هناك بُنى تحتية وقواعد تقوم عليها أبنيتها الفوقية. البُنى التحتية تتمثّل بشكل أساسي في الثقافة التي تعرض رؤية كونية للوجود والمصير والإنسان والخالق والرب والمعنى والنظام والسلوك. أما البُنى الفوقية فهي أشكال العمران والعلوم والفنون والتكنولوجيا.
المقارنة بين البُنى الفوقية أمرٌ صعب جدًّا على الناس، في ظل عدم وجود نموذج واقعي معيش. مجرد انتقاد البُنى الفوقية للحضارات المقابلة أيضًا غير كاف وضعيف التأثير على العموم.
ما لم نتمكن من إجراء مقارنة دقيقة وعميقة بين البُنى التحتية التي نمتلكها (ونعتبرها أساس انطلاقة عملية بناء حضارتنا الجديدة) وبين البُنى التحتية عند الآخرين، فلن نقدر على تحفيز الأتباع والمستعدّين للمشاركة الفاعلة. وهذا ما يتطلّب اكتشاف جوانب العظمة المتميزة في ثقافتنا.
تتميز ثقافتنا بمجموعة من العناصر التي تجعلها متفوقة جدًّا وشديدة الجاذبية؛ منها ما تحتويه من منظومة أحكام وقوانين وتشريعات للحياة والسلوك والعلاقات؛ ومنها احتواؤها على غنًى روحي شديد الجاذبية؛ ومنها رؤيتها الكونية العرفانية ذات العمق والاتساع الفريد.
لكن هذا التراث الجامع لهذه العناصر لم يكن في أي يوم من الأيام أمام استحقاق العرض العام. كان حكرًا على أهل العلم والخواص، وبعضه كُتب بلغة رمزية للحماية والوقاية من تهديدات الداخل. جزءٌ مهم من هذا التراث أيضًا أُنتج في بيئة معادية ورافضة.
لم يكن التعليم العام مطروحًا عند أي من السلطات التي تعاقبت على حكم المسلمين منذ القرون الأولى. أي تعليم مطلوب كان لأجل تثبيت أنظمة الحكم وتأمين الاستقرار الداخلي. لم يكن هناك أي شيء تحت عنوان بناء حضارة ونموذج. الحضارة العباسية والعصر الذهبي الإسلامي كان كالصدفة.
ومع عدم وجود استحقاق التعليم العام، تقوقع هذ التراث وانحسر أكثر فأكثر. في المقابل، كان الغرب يعيش استحقاق تعليم الأطفال منذ السنوات الأولى وتثقيف الجماهير عبر مختلف الوسائل والأساليب. هذا ما سمح بإظهار عظمة العناصر الذاتية في ثقافته في الوقت الذي باتت هذه العظمة في ثقافتنا خافية حتى على أهلها.
لا يمكن منافسة الغرب في مضمار العلوم والمدنية والعمران والتكنولوجيا من دون انطلاق همم الشعوب ومشاركتها الفاعلة. أي منافسة هنا دون النظر إلى بناء الحضارة الذاتية ستؤدي إلى المزيد من الانبهار بالغرب والتبعية له. المنافسة المطلوبة يجب أن تجري في البنى التحتية بشكل أساسي. وهذا ما يتطلب إقناع الجماهير بعظمتها الفريدة.
إنّ اكتشاف جوانب العظمة والفرادة في الثقافة الإسلامية ليس بالأمر السهل، وعرضها من أصعب الأمور. الأسباب ترجع إلى أنّ ظهور العظمة لا يكون إلا في ظل الاهتمام بالعرض العام والتبيين والإقناع للناس، وهذا ما يتجلى في محاولات إقناع الأطفال أولًا.
إذا كنت تريد الكشف عن عظمة فكرة الهباء وعالم العماء في الرؤية الكونية العرفانية، فلا بد أن تضع أمام ناظريك عالم الأطفال. إن لم تتمكن من عرض هذه الأفكار على هذه الفئة العمرية، تأكد أنك لم تكتشف هذه العظمة بعد.
عوالم الوجود شديدة الجاذبية والسحر في الرؤية العرفانية، لكنها تفقد سحرها حين يُراد تنزيلها إلى الأفهام العادية. يتطلب هذا العمل مهارات متميزة، بل إعادة تنظير وتبيين!
عملية التنزيل تعني وجود مراتب. لا يمكن تنزيل الحقائق المُكتشفة في العرفان الإسلامي دفعة واحدة. نحتاج إلى وضعها في مراتب بحسب الأفهام. حاول ابن العربي في بدايات فتوحاته المكية أن يعرض العقائد على أربع مراتب؛ مرتبة العوام ومرتبة الخواص ومرتبة أخص الخواص وذكر أنّ المرتبة الرابعة يصعب بيانها بشكل مباشر، فبثها في الفتوحات بطريقة رمزية وخفية.
محاولة جديرة بالدراسة لأنّ الأمر يتعلق بالمضمون لا بالأسلوب فحسب. كيفية ارتقاء الإنسان في مراتب المعرفة بحسب مراتب قواه الإدراكية لا بحسب فهم العبارة أمر ملفت جدًّا.
التعليم العام بأساليب المدرسة والإعلام يُحتم علينا أن نضع عناصر ثقافتنا المتميزة في مراتب ودرجات من أجل الوصول إلى هذا الهدف وهو: اكتشاف الناس لعظمة ثقافتهم التي تبعثهم على الانطلاق في عملية بناء حضارتهم الجديدة. في غير هذه الحالة، التعويل على تحقيق ازدهار اقتصادي وعمراني واستقرار أمني ومعيشي سيكون في غير محله. هذا حلم الكسالى ومن لا يقدر ذهنه على إبداع الحلول لواحدة من أعقد مشاكل العصر.
عملية الإقناع بالعناصر الجميلة المتميزة العظيمة في ثقافتنا تتطلب تحديد درجات تُعرض في كل واحدة منها أفكار ومعانٍ تكون مقدّمة لما بعدها من أجل الوصول إلى اكتشاف الناس لتلك العناصر، حيث يتحقق الجزء الأساسي في عملية الانطلاق. لحد الآن يمكن القول إنّ هذه العملية لم تبدأ.
حيدر حب الله
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد علي التسخيري
عدنان الحاجي
السيد محمد باقر الصدر
الشهيد مرتضى مطهري
محمود حيدر
السيد عادل العلوي
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
هل كشف العلوم الحديثة للقوانين والعلل في الطبيعة يلغي فكرة الله والحاجة إليه؟
العمل الأهمّ.. على طريق بناء الحضارة الإسلامية الجديدة
مستقبل المجتمع الإنساني على ضوء القرآن الكريم (1)
سلامة القرآن من التحريف (2)
ذاكرتنا التّلقائيّة تساعدنا على أداء وظائفنا اليوميّة بكفاءة
دورة للعيد في الجارودية حول مهارات التّفكير
عين غزة
عقد يحاول أن يضيء
كشكول الشيخ البهائي
سلامة القرآن من التحريف (1)