تفرز الحروب الكثير من المآسي وعلى رأسها ازدياد حالات اليتم وارتفاع معدّل الأرامل الفاقدات للمعيل والمعين. ويعني هذا المزيد من الضغوط الاجتماعية على شريحة مهمة في المجتمع. بعض هذه الضغوط ينشأ من العوز والاحتياج الاقتصادي. وفي المجتمع الذي تكون أغلبية نسائه معتمدة على الرجال في المعيشة، فمن المتوقَّع أن يكون فقدان الرجل المعيل مصيبة حقيقية تجعل نسبة ملحوظة منهنّ في حالة من التبعية المطلقة. والتبعية تعني التنازل والخضوع، ومع الخضوع تنشأ المظالم.
بسرعة تصبح الكثير من النساء مسلوبات الحقوق. لأجل ذلك، هناك من يرى في تمكين النساء ضرورة لإنقاذهنّ من الظلم والإجحاف والاستغلال البشع مع ما يتبعه من انتقاص للكرامة وحتى الأنوثة.
المرأة المتمكّنة ستستغني عن الرجال، أو في الحد الأدنى ستتمكّن من التفاوض من موقع القوة لتبادل المنافع لا الخضوع والتنازل.
المرأة المتمكّنة لا يمكن استغلالها من قبل الرجال وغيرهم، لأنّها لا تتنازل عن حقوقها من أجل لقمة العيش. وحتى في المجتمعات التي تزداد فيها فرص الزواج وتتوسع بفعل تبنّي الشريعة الإسلامية، فقد تضطر المرأة غير المتمكنة للتنازل عن بعض الحقوق، وإن لم يكن هذا التنازل بمستوى غيرها من المجتمعات.
الذين يُصرّون على مشروع تمكين المرأة يريدون لها أن تكون عزيزة حرّة كريمة بلا شك؛ ولكن، هل أخطأوا في هذا الحل؟ لكي نجيب عن مثل هذا السؤال نحتاج للالتفات إلى مجموعة من المبادئ والحقائق الأساسية؛ منها أنّ الله تعالى قد خلق الإنسان محتاجًا إلى بني جنسه لحكمة بالغة، فيها مصالح عظيمة للدنيا والآخرة، للجسد والروح. فالذي يسعى للاستغناء المطلق عن الآخرين سيخالف هذه الحكمة ويكون الخاسر الأكبر.
الاحتياج للآخرين هو فرع الاحتياج الذاتي الذي يُعدّ من خصائص المخلوق الممكن، حيث إنّنا بشعورنا بهذا الاحتياج إلى الآخرين نُدرك احتياجنا الذاتي وفقرنا إلى الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَميدُ}. ولو أغنى الله عباده جميعًا لانقطعوا عن بعضهم البعض، وانقطعوا عن ربهم. ففي ظلّ هذا الاستغناء يحصل الطغيان العظيم، الذي هو عبارة عن تأليه الذات. فاحتياجنا إلى بعضنا كبشر يمثّل مقدمة أساسية لإدراك احتياجنا لله تعالى وافتقارنا إليه، الأمر الذي يُعدّ حقيقة جوهرية (هي سر وجودنا) بالإضافة إلى أنّه فرع ارتباطنا العميق به تعالى. ولذلك، نجد سيد المرسلين وأكرم النبيين صلى الله عليه وآله يتفاخر بهذه الحقيقة ويثبّتها لنفسه كما حصل حين أهبط الله إليه جبرائيل وقال له إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهبًا، لكنّه اختار لنفسه الفقر وقال: "يَا رَبِّ أَشْبَعُ يَوْمًا فَأَحْمَدُكَ وَأَجُوعُ يَوْمًا فَأَسْأَلُك".
والحقيقة الأخرى هي أنّ احتياج الرجل للمرأة لا يقل عن احتياج المرأة إليه؛ وما تقدّمه المرأة على صعيد المنافع النفسية والروحية والمادية ربما يزيد عمّا يقدّمه الرجل لها. غاية الأمر أنّ المجتمع الذي لا يعتني بهذه الخدمات والمنافع، سوف يغفل عن مكانة المرأة ودورها وأهميتها، وذلك حين تغلب فيه الاعتبارات المالية أو إذا كان معدّل المنافع النسوية منخفضًا فيه بفعل انخفاض معدل الأنوثة.
المنافع النسوية، إن صحّ التعبير، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بطبيعة المرأة التي تختلف في هذا الجانب إلى حدّ التناقض مع طبيعة الرجل. وحين تقترب المرأة من الرجولة وتتخلى عن بعض أنوثتها فمن الطبيعي أن يقل وينخفض ما يمكن أن يحتاج إليه الرجل منها احتياجًا مبرمًا. وهكذا تنخفض قيمة المرأة الحقيقية وتفقد الكثير ممّا يمكن أن تتبادله مع الرجل دون تنازل عن كرامة أو عزة أو حقوق. ففي المجتمعات التي لا يرى الرجال تلك الأهمية الفائقة للمرأة في حياتهم وسعادتهم، وبمعزل عن الذي تسبّب بهذه المشكلة الوخيمة، تكون الأنوثة ضعيفة، ممّا يؤدي إلى عواقب كارثية على كلٍّ من النساء والرجال؛ لأنّه مع انخفاض معدلات الأنوثة ستنخفض معدّلات الذكورة حتمًا؛ هذا إن لم تكن الثانية سببًا للأولى..
وفي كل الأحوال يخسر الجميع لأنّ جوهر الحياة الاجتماعية القويمة يعتمد على هذا التناقض الصارخ بين الجنسين. فأعلى الرجال درجة في الذكورة إذا التقى بأعلى النساء درجة في الأنوثة حصل بينهما أعلى مستوى من التجاذب والتناغم الذي يقوم على هذا الاحتياج المبرم والذي جعله الله في أصل الخلقة والفطرة، وعمل إبليس الملعون على تغييره كما توعّد، وحكى الله تعالى عنه ذلك قائلًا: {ولَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
فإذا كان من ضرورة للتمكين من أجل حفظ الحقوق، فليكن التمكين من خلال تبادل المنافع في إطار الخلقة الأصيلة التي تضمن للمخلوقين السعادة والطمأنينة. وهذا ما يتحقق عبر تثبيت أصل احتياج كلّ من الرجل والمرأة بعضهما لبعض، حيث يتم تعزيز قيمة احتياج الرجل إلى المرأة في الوقت الذي نشيد باحتياجها إليه واعتبار ذلك مفخرة للبشر. ولا يمكن تحقيق هذا إلا بتثبيت أصل احتياج الإنسان في جوهر وجوده.
ليست المشكلة في احتياجنا لأبناء جنسنا، بل في احتياجنا إلى اللئام والأشرار. وحين يكثر اللؤم في أي مجتمع ويطغى الشر فمن المتوقَّع أن يعم سوء الظن وتنعدم الثقة المتبادلة ويسعى كل فرد للاستقلال عن الآخرين لحماية نفسه ودفع الضرر عنها. فعَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَقَالَ: "أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنِّي رَجُلٌ مُنْقَطِعٌ إِلَيْكُمْ بِمَوَدَّتِي وَقَدْ أَصَابَتْنِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَقَدْ تَقَرَّبْتُ بِذَلِكَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِي وَقَوْمِي فَلَمْ يَزِدْنِي بِذَلِكَ مِنْهُمْ إِلَّا بُعْدًا؛ قَالَ: فَمَا آتَاكَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا أَخَذَ مِنْكَ. قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُغْنِيَنِي عَنْ خَلْقِهِ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ رِزْقَ مَنْ شَاءَ عَلَى يَدَيْ مَنْ شَاءَ وَلَكِنْ سَلِ اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَاجَةِ الَّتِي تَضْطَرُّكَ إِلَى لِئَامِ خَلْقِهِ".
وفي المقابل، حين يكثر الطيبون ويعم الإيمان وتترسخ قيمة العبودية لله وتتعزّز أهمية الاعتراف بالحاجة إليه والافتقار إلى عطائه، ولا تعود الاستقلالية والتمكُّن هي القيمة المطلوبة، يزداد تقارب الناس وتواصلهم وتراحمهم وتعاطفهم، وفي هذا تكون سعادتهم.
حيدر حب الله
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد علي التسخيري
عدنان الحاجي
السيد محمد باقر الصدر
الشهيد مرتضى مطهري
محمود حيدر
السيد عادل العلوي
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
هل كشف العلوم الحديثة للقوانين والعلل في الطبيعة يلغي فكرة الله والحاجة إليه؟
العمل الأهمّ.. على طريق بناء الحضارة الإسلامية الجديدة
مستقبل المجتمع الإنساني على ضوء القرآن الكريم (1)
سلامة القرآن من التحريف (2)
ذاكرتنا التّلقائيّة تساعدنا على أداء وظائفنا اليوميّة بكفاءة
دورة للعيد في الجارودية حول مهارات التّفكير
عين غزة
عقد يحاول أن يضيء
كشكول الشيخ البهائي
سلامة القرآن من التحريف (1)