الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي ..
تعد مسألة العدل كلامياً من المسائل الفوارق بين القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين والقائلين بالتحسين والتقبيح الشرعيين.
فقد ركّز وأكد الأولون من الفريقين عليها بكل ما أوتوا من حول علمي، وعلى رأس هؤلاء المعتزلة والإمامية، وسار في خطهم الزيدية والاباضية، ومن أبرز آيات ذلك أن وجدناهم يفردونها بالبحث والعنوان من بين سائر الصفات الثبوتية الكمالية.
وفي مقابل هذا أهملها الآخرون فلا بحث خاصاً بها، ولا عنوان تعنون به، غير قليل من كلام في بعض أطرافها يتبعثر هنا وهناك عند ذكرهم أفعال العباد، وفي طليعة القائمة من هؤلاء : الأشاعرة ومن سلك سبيلهم.
ولأهميتها كمسألة فارقة سمي الفريق الأول ب(العدلية) نسبة إلى القول بالعدل القائم على فكرة التحسين والتقبيح العقليين.
وذلك لأن القول بالتحسين والتقبيح العقليين يعطي العدل مفهوماً محدداً مستقراً ومستقلاً.
وبخلافه القول بالتحسين والتقبيح الشرعيين...
تطلق كلمتا الحسن والقبح على معان ثلاثة متقابلة هي :
1 - يطلق الحسن ويراد به (الملاءمة للطبع)، ويطلق القبح في مقابله فيراد به (عدم الملاءمة للطبع)، مثل : (هذا الصوت حسن) بمعنى أنه ملائم للطبع و(ذلك الصوت قبيح) بمعنى أنه غير ملائم للطبع.
2 - يطلق الحسن ويراد به (الكمال)، ويطلق القبح في مقابله فيراد به (النقص) أو (عدم الكمال)، مثل : (العلم حسن) بمعنى أنه كمال للنفس، و(الجهل قبيح) على اعتبار أنه نقص للنفس.
3 - يطلق الحسن ويراد به «إدراك أن هذا الشيء أو ذاك مما ينبغي أن يفعل بحيث لو أقدم عليه الفاعل لكان موضع مدح العقلاء بما هم عقلاء، والقبح بخلافه»، مثل : (العدل حسن ) و(الظلم قبيح).
والمراد بالحسن والقبيح في موضوعنا هو القسم الثالث، ويمكن تعريفهما بالتالي :
الفعل الحسن : هو الذي يمدح فاعله على فعله.
الفعل القبيح : هو الذي يذم فاعله على فعله.
وقد اتفق المتكلمة والفلاسفة من المسلمين على إمكان إدراك العقل للمعنيين الأولين للحسن والقبح.
واختلفوا في المعنى الثالث، فوقع محلاً للنزاع بين الأشاعرة والعدلية ونقطة الخلاف فيه هي:
هل أن للإفعال قيماً ذاتية عند العقل مع قطع النظر عن حكم الشارع ؟.
أي : هل أن الحسن والقبح وصفان ذاتيان للأفعال، أو أنهما ليسا بذاتيين، وإنما يعرضان للأفعال بسبب حكم الشارع بحسن الفعل أو قبحه ؟.
«فقالت الأشاعرة : لا حكم للعقل في حسن الأفعال وقبحها، وليس الحسن والقبح عائدين إلى أمر حقيقي حاصل فعلاً قبل ورود بيان الشارع، بل إن ما حسّنه الشارع فهو حسن، وما قّبحه الشارع فهو قبيح».
«وقالت العدلية : إن للأفعال قيماً ذاتية عند العقل مع قطع النظر عن حكم الشارع، فمنها ما هو حسن في نفسه، ومنها ما هو قبيح في نفسه، ومنها ما ليس له هذان الوصفان، والشارع لا يأمر إلا بما هو حسن ولا ينهى إلا عما هو قبيح».
وعرف الأول - أعني قول الأشاعرة - ب(التحسين والتقبيح الشرعيين) وعرف الرأي الثاني - أعني قول العدلية ب(التحسين والتقبيح العقليين)(1).
مذهب الأشاعرة ودليله :
قال العضد الايجي :
«القبيح : ما نهي عنه شرعاً. والحسن بخلافه. ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها. وليس ذلك عائداً إلى أمر حقيقي في الفعل يكشف عنه الشرع، بل الشرع هو المثبت له والمبيّن. ولو عكس القضية فحسّن ما قبحّه، وقبحّ ما حسّنه، لم يكن ممتنعاً، وانقلب الأمر»(2).
ثم قال مستدلاً :
«لنا وجهان :
الأول : أن العبد مجبور في أفعاله .. واذا كان كذلك لم يحكم العقل فيها بحسن ولا قبح، اتفاقاً.
بيانه : أن العبد إن لم يتمكن من الترك فذاك هو الجبر، وإن تمكن ولم يتوقف على مرجح، بل صدر عنه تارة ولم يصدر عنه أخرى من غير سبب كان ذلك اتفاقياً.
واإ توقف على مرجح لم يكن ذلك من العبد، وإلا تسلسل، ووجب الفعل عنده، وإلا جاز معه الفعل والترك فاحتاج الى مرجح آخر وتسلسل، فيكون اضطرارياً. وعلى التقادير فلا اختيار للعبد فيكون مجبوراً»(3).
«الثاني : لو كان قبح الكذب ذاتياً لما تخلف عنه، لأن ما بالذات لا يزول، واللازم باطل، فإنه قد يحسن إذا كان فيه عصمة دم نبي، بل يجب، ويذم تاركه قطعاً، وكذا إذا كان فيه انجاء متوعد بالقتل»(4).
مذهب العدلية ودليلهم :
قال النصير الطوسي :
«وعند المعتزلة أن بديهة العقل تحكم بحسن بعض الأفعال. كالصدق النافع والعدل، وقبح بعضها كالظلم والكذب الضار. والشرع أيضاً يحكم بهما في بعض الأفعال. والحسن العقلي : ما لا يستحق فاعل الفعل الموصوف به الذم. والقبح العقلي : ما يستحق به الذم. والحسن الشرعي : ما لا يستحق به العقاب. والقبح (الشرعي) : ما يستحق به (العقاب). وبازاء القبح : الوجوب : وهو ما يستحق تارك الفعل الموصوف به الذم أو العقاب. ويقولون بأن اللّه لا يخلّ بالواجب العقلي، ولا يفعل القبح العقلي البتة. وان من يخلُّ بالواجب، ويرتكب القبح بالاختيار جاهل أو محتاج»(5).
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الذي يدرك حسن الأفعال وقبحها في رأي الحكماء هو العقل العملي لا العقل النظري.
وإلى هنا ننتهي إلى أن العدل عند الأشاعرة هو ما يفعله اللّه تعالى لأن ما يفعله هو الحسن.
وأن العدل عند العدلية : هو أن اللّه لا يفعل إلا ما هو حسن عقلاً.
_____________
(1) انظر : مبادئ اصول الفقه 85 - 86.
(2) المواقف 323.
(3) المواقف 324.
(4) المواقف 325.
(5) قواعد العقائد 452.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع