علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

الحديث الموضوع


 الشّيخ عبدالهادي الفضلي

تعريفه: الحديثُ الموضوع: هو المكذوب، المُختلَق، المصنوع.
والتّسمية مأخوذة من الوضع بمعنى الاختلاق، يقال: وضع الرّجل الحديث: افتراه وكذَبه واختلقَه.
وما رواه الكلينيّ بإسناده عن أمير المؤمنين، عليه السّلام، صريحٌ في أنّ وضع الحديث كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد جاء في هذه الرواية: «.. وَقَدْ كُذِبَ عَلى رَسولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، عَلى عَهْدِهِ حَتّى قامَ خَطيباً فَقالَ: (يا أَيُّها النّاسُ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيّ الكَذّابَة، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ) ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ..».

عوامل الوضع
يمكننا أن نلخّص عوامل وضع الحديث بالتّالي:
١ - العامل السّياسيّ: وتمثّل هذا بشكل واضح في أعمال معاوية بن أبي سفيان التي قام بها من أجل توطيد أركان دولته، وكان منها اختلاق الحديث. ذلك أنّ معاوية عندما أسلم يوم فتح مكّة، أسلم لا عن طواعية، وإنّما هو الأمر الواقع الذي استسلم له آل أميّة. فليس أمامهم لاسترجاع سيادتهم الجاهليّة إلّا أن يسايروا هذا الواقع الجديد، ليحقِّقوا هدفهم في استرجاعها عن طريق هذه المسايرة.
٢ - العامل الدّينيّ: وأقصد به - هنا - السّبب الذي دفع أبناء الأديان الأخرى لوضع الأحاديث كيداً للإسلام وانتقاماً من المسلمين. وأظهرُ مظاهر هذا ما عُرف بـ (الإسرائيليّات)، و(الغُلوّ). (الإسرائيليّات) التي جاءتنا عن طريق اليهود في أحاديث موضوعة، و(الغلوّ) الذي وصل إلينا عن طريق النّصارى في أحاديث موضوعة أيضاً.

فعندما انبثق نور الإسلام في الحجاز، وتركّز في المدينة المنوّرة، واتّخذ منها رسول الله صلّى الله عليه وآله عاصمة الدّولة الإسلاميّة، عمل المسلمون على إجلاء اليهود منها، فانتقلوا إلى الشّام، والبعض منهم إلى العراق. وكان في ذلك الوقت عددٌ غير قليل منهم في اليمن، فأراد هؤلاء اليمنيّون أن يثأروا ليهود الحجاز، فأخذوا يفِدون من اليمن إلى المدينة المنوّرة متظاهرين باعتناقهم الإسلام. وكان مِن أبرز مَن وفد من يهود اليمن:
* كعبُ الأحبار: وكان من أكابر علماء اليهود في اليمن، ويقال: إنّه أسلم في زمن أبي بكر، وقدم المدينة في أيّام عمر.
* وهب بن مُنَبِّه: وكان من أكابر علماء اليهود بأساطير الأوّلين، ولا سيّما (الإسرائيليّات).
نفذ هؤلاء اليهود لتحقيق مآربهم عن طريق استغلال الخلافات الفكريّة التي تقع بين المسلمين بدسِّ وتسريب فكرهم الإسرائيليّ، مغلَّفاً بأحاديث مُختلَقة. وقد تمثّلت هذه (الإسرائيليّات) أكثر ما تمثّلت في أحاديث التّجسيم.

٣ - العامل المذهبيّ: وأعني به السّبب الذي دفع بعض أصحاب المذاهب الإسلاميّة للوضع تأييداً للمذهب، ودعماً لأفكاره ورجالاته. ومنه: ما رُوي عن ابن لهيعة: أنّه سمع شيخاً من الخوارج يقول بعدما تاب: «إنّ هذه الأحاديث دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم، فإنّا كنّا إذا هَوَينا أمراً صيَّرنا له حديثاً».
٤ - العامل الإعلاميّ: وأقصد منه أن يضع الواضع الحديث دعايةً للدّين، ومن باب الاحتساب
والتّقرّب إلى الله تعالى. قال الشّهيد الثّاني في (الدّراية): «والوضّاعون أصناف، أعظمُهم ضرراً مَن انتسب إلى الزّهد والصّلاح بغير علم، وزعم أنّ وضعَه يقرّبه إلى الله تعالى، فقبل النّاس موضوعاتهم ثقةً بظاهر حالهم».
٥ - العامل الاجتماعيّ: وأعني به ذلك السّبب الرّخيص المهين الذي كان يدفع تلكم الطبقة من وعّاظ السّلاطين إلى وضع الحديث للزّلفى من حاكمٍ أو أميرٍ أو غيرهما، بغية الحصول على مركزٍ اجتماعيّ.
٦ - العامل الاقتصاديّ: تمثَّل بوضوح في ما قام به معاوية بن أبي سفيان؛ فإنّه لم يكتفِ بما قام به من أسباب الدّعاية لتوطيد قواعد مملكته الأمويّة، بل أحدث القصص ليعزّز بها أسلحة الدّعاية له، وكانت هذه القصص تعتمد (الإسرائيليّات) وأساطير الأُمم الخالية، وتتخلّلها الأحاديث المصنوعة. وكان الذي يموّنها بمحتوياتها أحبار وكُهّان اليهود، وكان لكلِّ قاصّ جراية مِن قِبل الدّولة.
٧ - العامل الشّخصيّ: وهو أن يتظاهر غير العالِم بمظهر العالِم، ويعزِّز ذلك باختلاقه الأحاديث وروايتها. وعُبِّر عنه في كتب علم الحديث بـ (التّعالم).

كيفيّة وضع الحديث
«وضعُ الحديث» تَصرُّفٌ قد يكون في المتن، وقد يكون في السّنّد:
- في المتن: ويكون بإحدى طريقتَين، هما:
أ) أن يضع الرّاوي متناً من عنده، وذلك بأن يؤلِّف ويصوغ من كلامه عبارات الحديث الذي يروم وضعَه. وذلك مثل الحديث المشتهر: (أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتُم اهتديتُم).
ب) أن يعمد الرّاوي إلى مأثورة من كلام أحد الحكماء أو العلماء أو غيرهما، وينسبها إلى المعصوم.
- في السّند: ويكون بإحدى طريقتَين أيضاً، هما:
أ) أن يختلق الرّاوي سنداً لحديثه الموضوع، وذلك بأن يضع أسماء لرواة لا واقع لهم.
ب) أن يعمد الرّاوي إلى سندٍ من الأسانيد، ويحمّله متن حديثه.

أمارات الوضع
وهي العلامات التي تكشف عن أنّ الحديث موضوع. وتنقسم إلى ثلاثة أقسام، هي:
١ - ما يرتبط بالرّاوي، ومنها:
أ) أن يعترف الرّاوي نفسه، ويقرّ بوضعه الحديث.
ب) أن ينصّ في كتب الرّجال والأصول على أنّه وضّاع.
٢ - ما يرتبط بالسّند، ومنها:
أ) أن يتألّف السّند من مجاهيل ووضَّاعين.
ب) أن يشتمل السّند على وضّاع.
٣ - ما يرتبط بالمتن، ومنها:
أ) أن يخالف مضمونُ الحديث ظاهر القرآن الكريم، ولا يقبل التّأويل بما يوافقه.
ب) أن يخالف مضمون الحديث [ما هو معروف ومجمَع عليه]، ولا يقبل التّأويل بما يوافقه.
ج) أن يحتوي متن الحديث (إسرائيليّات) تخالف العقيدة الإسلاميّة.

مبلغ الموضوعات
والذي يُتوصّل إليه من مراجعة كتب الحديث لأهل السّنّة، وكتب الحديث للإماميّة، أنّ شيوع الوضع وانتشاره عند أهل السّنّة كان أكثر بكثير من عند الإماميّة.
فقد رجعتُ إلى كتاب (الفهرست) للشّيخ الطّوسيّ، فلم أعثر فيه على مَن نصّ عليه أنّه وضّاع مع وجود عدد من الرّواة نصّ على ضَعفِهم. وفي كتاب (الفهرست) للنّجاشيّ المعروف بـ (رجال النّجاشيّ)، وقفتُ على أربعة أسماء نصّ على أنّهم وضّاعون.
بينما نقرأ في كتاب (تاريخ الإسلام) للدّكتور حسن إبراهيم حسن قول مؤلّفه: «وقد جمع البخاريّ - على ما نعلم - نحو ٧٢٧٥ حديثاً، بما فيها الأحاديث المكرّرة، فإذا حذفنا المكرّر منها أصبح عددها نحو أربعة آلاف. وقد اختارها البخاريّ - على ما قيل - من ثلاثمائة ألف حديث. ومن ذلك يتبيّن مبلغ ما وصل إليه التّحريمُ في الحديث».
وإذا رجعنا إلى (قائمة الموضوعات والمقلوبات) من كتاب (الغدير) للشّيخ الأمينيّ التي استخرج إحصائيّاتها من كتب الحديث السّنّيّة، يصعد الرّقم إلى أكثر ممّا أشار إليه الدّكتور حسن إبراهيم حسن، كما أحصى الأميني أكثر من ستّمائة اسمٍ لوضّاعين، وذكر مائة حديث كشواهد وأمثلة ممّا وُضِع في مناقب [لأشخاص بعينِهم] مكذوبة على رسول الله صلّى الله عليه وآله.

ويرجع هذا إلى العامل السّياسيّ الذي فتح بابه معاوية بن أبي سفيان، بينما لم يكن في الجانب الإماميّ شيء منه، إلّا في رقع غير ذي بال، ولا أستبعد أن يكون للدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة ضلعٌ في ذلك بغية اتّهام الشّيعة بما يبرّر مُطاردتهم وتشريدهم وإبادتهم. ولكنّ موقف أئمّة أهل البيت عليهم السّلام منه حَدَّ من تأثيره، ومن وصول الحكّام إلى غاياتهم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد