الشيخ محمد مهدي الاصفي ..
وهو اتجاه عامة الرسالات الإلهية. وفيما يلي نحاول أن نبيّن الخطوط الأساسية لهذا الاتجاه من خلال كتاب الله.
1- يقرر القرآن الكريم أن الإنسان تركيب من المادة والروح، والمادة في الأصل صلصال من حمأ مسنون، والروح نفخة من روح الله.
ونحن لا نعرف من هذا وذاك إلا هذا الظاهر الذي ذكره الله تعالى، ولا نريد أن نتكلف فهم ما أخفى الله تعالى فهمه علينا.
ولا نريد أن نبحث عن الحمأ المسنون، ولا عن النفخة من روح الله التي نفخ الله تعالى بها على الحمأ المسنون.
فهذا ما اختص الله تعالى بعلمه، ولسنا نريد أن نتكلف فهم ما أخفاه الله عنا، غير أنّا نفهم من الآيات الواردة في أصل خلقة الإنسان أن خلق الإنسان تركيب من المادة والروح، والمادة هي الشطر الحيواني من شخصية الإنسان، والروح هو الشطر المتعالي السامي من الشخصية.
يقول تعالى: ﴿وإذْ قَالَ ربّكَ للملائِكَةِ إنّي خَالِقٌ بشراً من صلصال مِنْ حمَأٍ مسْنُونٍ * فإذا سوَّيتُهُ ونفخْتُ فِيهِ منْ رُوحي فَقَعوا لهُ سَاجدينَ﴾.
وفي سورة ص: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ ﴾
وورد في الحديث في خلق الإنسان والملائكة والحيوان: أن الله خلق الملائكة وركّب فيهم العقل، وخلق البهائم، وركّب فيهم الشهوة، وخلق الإنسان وركّب فيه العقل والشهوة.
ومن ذلك يتضح أن الله تعالى خصّ الإنسان بنفخة الروح.
وهذه النفخة هي التي تميز الإنسان عن الحيوان، وليس هي الطين، كما أنّ هذه كالنفخة هي التي اقتضت أن يأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم.
ولهذه النفخة خصائصها التي لا تنفك عنها. وهذه الخصائص هي أساس التكريم الإلهي للإنسان الذي اقتضى أن يأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام وهذه الخصائص النابعة من نفخة الروح هي والعقل.
2- ميثاق: وقد أودع الله تعالى في نفس الإنسان في أصل الخلقة الإيمان بالله، ومعاهدة الإنسان لله على الإيمان بربوبيته، وهو معنى قوله تعالى في آية النذر: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا﴾ والالتزام بمتطلبات الربوبية من العبودية والعبادة والطاعة. وهذا الميثاق قائم في نفس كل إنسان إلا أن تتراكم الذنوب، والسيئات، والانحراف عن خط في نفس الإنسان فتتكدر، وتفقد صفاءها، ونقاءها، فيغفل الإنسان عن العهد الذي أعطاه لله تعالى بالإيمان بالربوبية، والالتزام بلوازم الربوبية. والله تعالى يحذّر عباده عن هذه الغفلة في آية النذر: ﴿أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ ولنقرأ هذا الميثاق الفطري في آية الذر.
إذن أودع الله تعالى في صلب تكوين الإنسان وعمق فطرته - معرفة ربوبية الله والإيمان به. وهذه المعرفة والإيمان بالربوبية تتطلب من الإنسان الالتزام بالعبادة، والعبوديّة، والطاعة.
وهذه المعرفة وهذا الالتزام النابع من المعرفة، والميثاق النابع عنهما كل ذلك مودع في عمق فطرة الإنسان. وقد شهد الإنسان بهذه المعرفة، والالتزام، والعهد، وقال تعالى: ﴿وأَشْهدهمْ على أنفُسِهِم﴾.
ويحذّر الله تعالى الناس من الغفلة عن هذه المعرفة، وهذا الالتزام، وهذا الميثاق بقوله: ﴿ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.
3- يبيّن القرآن الكريم أن الله تعالى أودع في نفس الإنسان معرفة القيم، والنزوع إليها. يقول تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾.
إن الله ألهم الإنسان من غير تعليم التفريق بين الفجور والتقوى، والنزوع إلى التقوى، ورفض الفجور.
وليس يحتاج الإنسان إلى معلم، ليعرف جمال الصدق والأمانة والعدل، وقبح الكذب والخيانة والظلم. وإن كان يحتاج إلى من يذكره بها، ويؤكدها له ويؤاخذه عليها.
قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.
والهداية والنزوع إلى الهداية أودعا في عمق نفس الإنسان، ودور الأنبياء عليه السلام هو تفعيل هذه الهداية، وتذكير الناس بها.
وهذه الآيات تستوقف الإنسان للتأمل كثيراً. فهي تدلّ على أن صفحة الناس ليست صفحة فارغة، ساذجة، يخطها المحيط والبيئة والعوامل الثقافية والإعلامية، وإنما تولد في النفس، وهي مموّنة بطائفة من المعارف، والقيم يعرفها الإنسان، وينزع إليها في أصل الخلقة.
والمعروف عن الفلسفة الوجودية أنها تذهب إلى أن الإنسان يولد من غير أن تتحدد هويته، وشكله في وجوده، ثم تتحدد هويته، وشكله من خلال عوامل البيئة (كما يقول جان بول سارتر).
وإلى العكس تماما يذهب القرآن ففي كتاب الله تعالى أن الإنسان يولد محدود الهوية مزودًا بطائفة واسعة من المعارف والقيم، يعرفها وينزع إليها بصورة فطرية.
وليس الإنسان في أصل الخلقة خشبة عائمة في المحيط، والوسط الثقافي، والحضاري الذي يعيش فيه.
نعم يمكن أن يكون للمحيط والبيئة أثر سلبي على فطرة الإنسان وأصالته. وهذه مسألة أخرى.
4- وليس معنى ذلك أن الله تعالى زود ذهن الإنسان بكل المعارف التي يعرفها الناس بصورة قبلية، وليس من معرفة إلاّ وقد أودعها الله في ذهن الإنسان من قبل أن يتعلمها، ومهمة التعلم والاقتناء هي مهمة التذكير فقط، كما يذهب إلى ذلك أفلاطون في نظريته المعروفة.
فلسنا نعرف من كتاب الله تأييداً لهذه النظرية بل العكس هو الصحيح. يقول تعالى: ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.
والذي يمكن أن ننسبه إلى القرآن في هذا المجال أن الله تعالى أودع في نفس الإنسان الاستعداد لدرك ومعرفة المعارف الفطرية، كما أودع في نفسه الاستعداد للنزوع إلى القيم ورفض أضدادها.
وهذا الاستعداد يتكامل ويتحول من القوة إلى الفعل كلما تكامل الإنسان بفعل العوامل المساعدة، كما يضعف بفعل العوامل السلبية التي تستهلك هذا الاستعداد .
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)